من أجمل الأشياء التي حدثت لي مؤخرا أنني أصبحت أكتب مقالا يوميا في نفس الصحيفة مع كاتب كبير بحجم علي سالم، ما يعني الاستمتاع بقراءة عصير أفكاره وروحه بشكل يومي، لم يكن متاحا من قبل، خاصة أنه يمتاز بأسلوب ساخر في الكتابة، أزعم أنه لم يعد أحد في العالم العربي يمتلكه بنفس قدرة علي سالم. مشكلة الكتابة السياسية الساخرة في العالم العربي، أن معظم من يكتبونها، إما هم في الأساس شخصيات ثقيلة الظل، أو يحاولون السخرية باستخدام مفردات عامية سواء كانت مصرية أو خليجية أو حتي شامية، مما يفقد الكتابة الساخرة قيمتها. ويتصور البعض أنه حين يمسك قلما ويبدأ بكتابة عبارات مثل العبد لله، أو الست فلانة أنه قد أصبح ساخرا، ناسين أو متناسين أن الكتابة الساخرة، هي جزء من شخصية صاحبها الذي يصل إلي درجة من الثقافة والخبرة الحياتية تجعله قادرا علي السخرية مما حوله ومن نفسه قبل الآخرين. وقبل أيام كتب علي سالم مقالا رائعا عن ديستوفسكي قال فيه: "إذا كنت لا تعرف ديستوفسكي فمن المستحيل أن تكون من قرائي، علي الأرجح أنت من القلة المندسة بينهم لهدف غير القراءة"! هذا هو علي سالم الذي قرأت له وأنا في مرحلة الشباب فلم أنسه ما حييت، لكن ظل داخلي سؤال مهم لماذا كل هذا الإعجاب بما يكتبه علي سالم حتي قرأت مقاله في روز اليوسف "ديستوفسكي والتغيير" فعرفت أن هذا الولع بسبب قراءتي وإعجابي بديستوفسكي وبالتالي لست من القلة المندسة! ومنذ قرأت أعمال ديستوفسكي ترسخ لدي قناعة مفادها أن من لم يقرأ ديستوفسكي ليس من القلة المندسة في القراءة، وإنما لا يعرف شيئا عن الحياة، وأضيف للأستاذ علي سالم أنه ليس ديستوفسكي فقط وإنما عدد من الروائيين الروس مثل تولوستوي، وتشيكوف، لكن ديستوفسكي بالذات أبرع من صور التفاعلات الداخلية لأبطاله الذين هم من عجينة الحياة. وبلغت عبقرية ديستوفسكي مدي لم يصل إليه أحد، لأنه جعل شخصياته تخرج من كتبه وتتجسد في الحقيقة، لدرجة أن أي إنسان يقرأ رواية مثل "المقامر" لا يقرأ الكلام فقط، وإنما يتحرك خياله، وتتحول القراءة إلي مشاهدة لدرجة تجعلك وكأنك تشاهد فيلما سينمائيا يتحرك أمام عينيك، وبذلك يحول ديتسوفسكي النص المكتوب إلي مشاهد حية تتوالي دون انقطاع أو انفصال. وإذا كان ديستوفسكي مدرسة في الحياة، فإن الكاتب الإيرلندي الشهير جيمس جويس الذي يعرف بأنه رائد الرواية الحديثة حين أبدع روايته عوليس التي كتبها في ست سنوات، وتقوم علي سرد حوادث يوم واحد هو السادس عشر من حزيران عام 1904 في مدينة دبلن وتقع في 807 صفحة من القطع الكبير. وهي حافلة بالتخيل والأساطير ودراسات وآراء علمية وأبحاث لغوية وتاريخية، وقصائد جعلت من أسلوبه في الكتابة مدرسة جديدة تختلف كل الاختلاف عن ديستوفسكي. مشكلة جويس أن كتابته تتسم بالصعوبة الشديدة، لكنه حالة مهمة في الرواية الحديثة، أما أكبر مشاكلنا مع جويس فهي أن كثيرا من الروائيين المصريين يحاولون تقليده، فيبدو أدبهم مثل المعادلات الكيميائية الصعبة، تفقد الأدب أهم عناصره وهي المتعة.