صدر منذ أيام عن مركز العقد الاجتماعي توصيات منتدي سياسات العقد الاجتماعي الجديد الذي عقد يومي 18 و19 يناير الماضيين، بهدف تحقيق تكامل السياسات الاقتصادية والاجتماعية. توقفت في البداية أمام الرسائل والتوصيات الأساسية التي صدرت عن المنتدي، وحاولت التقاط عدد من الرسائل التي تشكل مجالا للنقاش حول مستقبل التنمية، بمعناها الشامل، في المجتمع المصري. هناك ما يشبه الاتفاق بين القوي السياسية، والحزبية بما في ذلك الحزب الوطني علي أن «عدم العدالة» بلغ معدلات لا يمكن التغاضي أو الصمت عليها. توسيع قاعدة المشاركين في جني ثمار العدالة «واجب» وليس مجرد «اختيار». يجب تحقيق التكامل بين خريطة الفقر، وخريطة المسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص. تحقيق العدالة يسير جنبا إلي جنب مع جهود مكافحة الفساد. ضرورة تهيئة بيئة تشريعية مناصرة للمجتمع المدني من جمعيات أهلية ونقابات مهنية، وغيرها. هذه بعض الرسائل الأساسية التي وردت في الصفحات الأولي من التقرير الذي صدر مؤخرًا، بالطبع هناك شرح واستفاضة، وتحليل ونقد في الصفحات التي تلت هذه الرسائل، لكني فقط أريد التوقف أمام المغزي، في محاولة لاستنطاق العبارات السابقة. العدالة الاجتماعية في خطر، ومعني ذلك أن معدل التفسخ الاجتماعي سوف يزداد في المجتمع المصري، وتنمو إلي جواره ظواهر سلبية مثل ما سماه روبرت بوتنام، عالم الاجتماع الأمريكي، رأس المال الاجتماعي المظلم، حيث يتجمع الناس في كتل صماء مغلقة، في مواجهة بعضهم بعضا، ولو تطلب الأمر استخدام العنف. بعض المظاهر من ذلك نراها الآن في العزلة الاجتماعية بين من يملكون ومن لا يملكون، في مقدمة إلي الاصطفاف الذي يقود إلي المواجهة، والعدالة لا تتحقق سوي بمحاربة الفساد. لن أتحدث عن وضع مصر في مؤشرات الفساد التي تضعها منظمة الشفافية الدولية، لكنني أتحدث فقط عما يشعر به المواطن العادي، وما تنشره الصحف من فساد متصاعد، يزكم الأنوف، ويفت في عزيمة قطاعات واسعة من الشباب، ويشيع الإحباط في المجتمع. الفساد معناه أن هناك تكوينا للثروات في جانب، وشحا في الموارد علي الجانب الآخر. الفجوة بين من هم في أعلي السلم الاجتماعي، ومن هم في أسفله سوف تزداد وتصل إلي حد الهوة، ولا يمكن تحقيق التنمية دون مكافحة الفساد بشتي صوره. ومحاربة الفساد، خاصة فيما يتعلق بتكامل تحقيق المساءلة مع جهود التنمية، يتسني من خلال وجود مؤسسات عامة تراقب وترصد وتتعقب الفساد، ولكن أيضا وجود مؤسسات مجتمع مدني قوية قادرة علي توثيق وكشف مظاهر الفساد بشتي صورها. من هنا فإن النقابات والجمعيات الأهلية تحتاج إلي الانطلاق بعيدا عن الكوابح والقيود الحكومية، لكن تحتاج إلي أن تكون في ذاتها نموذجا في مكافحة الفساد، ولا تكون في ذاتها نموذجا للفساد، وإهدار الموارد، والكسب غير المشروع. في الوقت الراهن هناك معلومات عن تعديل قانون الجمعيات، وهو أمر لافت، ويحتاج إلي تفسير خاصة في ظل ما يقوله النشطاء من أن الغرض هو مزيد من الهيمنة الحكومية علي العمل الأهلي، وما تقوله المصادر الحكومية من أن الغرض هو مزيد من الدعم للجمعيات الأهلية. أخيرا المسئولية الاجتماعية لرجال الأعمال، في علاقتهم بخطط التنمية ومكافحة الفقر. المسألة معقدة، ولاسيما أن هناك من رجال الأعمال من يعتقد أن دفع الضرائب المستحقة عليه هو غاية المراد من رب العباد كما يقال. ولكن القضية تحتاج إلي أن يتحمل مسئوليته تجاه خلق بيئة اجتماعية صحية مواتية لنمو رأس المال الذي يسهر عليه. الفقر عامل تهديد، الحرمان قنبلة موقوتة، العجز مصدر للاشتعال. كل ذلك قضايا يجب أن يدركها رجل الأعمال حتي يعرف أن مسئوليته الاجتماعية في مكافحة الفقر لا تنفصل عن جهوده في تحقيق التراكم الرأسمالي. التقرير، رقيق الحجم، لكنه غني بالأفكار. وقد نستكمل القراءة فيه لاحقا.