هل يمكن أن يخسر أحد عندما ينمو الاقتصاد الوطنى؟ هل يمكن أن يأتى اليوم الذى نتحدث فيه عن علاج الآثار الجانبية للنمو الاقتصادى؟ بداية، أحياناً ما نتشكك فى وجود نمو اقتصادى من الأساس، فهل هناك نمو اقتصادى «حقيقى» فى مصر؟ منذ 2005، والمؤشرات الدولية تشير إلى نمو اقتصادى بمعدلات مشجعة فى مصر، وعندما أقف حائرة أمام تصديق هذه المؤشرات بسبب الشكاوى حول الغلاء، أعود فأتذكر الشواهد الملموسة التى أراها فى الزيادة فى عدد السيارات فى الشوارع، مولات ضخمة ومدن جديدة بها آلاف القصور، 53 مليون مشترك مصرى فى خدمات المحمول، ومقاه مزدحمة بالشباب يحمل لاب توب. كل هذا يؤكد نمواً اقتصادياً ملموساً و«حقيقياً»، ولكن نظرة واحدة فى الشوارع نفسها المزدحمة بالسيارات الجديدة، على رواد الميكروباص والمواصلات العامة.. على جيوش عمال النظافة والشباب العاطل.. نظرة فى الوجوه تكشف عن حزن ويأس ومرارة. بحكم انخراطى فى المجتمع المدنى من خلال أندية الليونز، نقوم بمبادرات اجتماعية، مثل تحديث المدارس ومساعدة الأسر فى المناطق الفقيرة، وتصدمنا الحالة البائسة التى يعيش فيها الملايين من المصريين خارج إطار الكرامة الإنسانية. هؤلاء هم أيضاً مصريون، مواطنون، هل نسيناهم؟ هل نستطيع أن ننعم بالأمن بينما يعيشون هم على بعد أمتار قليلة منا، مجردين من الحد الأدنى من الحقوق الأساسية من تعليم وصحة ومسكن وخدمات وبنية أساسية؟ هؤلاء لم ينالوا من ثمار التنمية إلا القشور المرة. فعندما ارتفعت دخول بعضنا نتيجة للنمو الاقتصادى، زادت السيولة وازداد الطلب على السلع، فارتفعت الأسعار، لتزداد معاناة ملايين من المصريين، دخولهم ثابتة نظرياً ومتناقصة عملياً بفعل التضخم. هؤلاء كان الدخل يكفيهم بالكاد لسد بعض الاحتياجات الأساسية، بعد أن أصابها الغلاء بأنيميا فى قوتها الشرائية. ومعاناة هؤلاء لا تأتى فقط من انخفاض قدرتهم الشرائية، بل إن تلك المعاناة تتفاقم تحت تأثير الضغط النفسى، عندما يرون أنماطاً جديدة، نتيجة «لتطور» السلوكيات الاستهلاكية للرابحين من مشوار التنمية. وبحكم عملى فى العلاقات العامة، سمعت عن مبادرات مركز العقد الاجتماعى فى إقامة مرصد لقياس عدالة التنمية، وجدت أن من واجبنا جميعاً فى مجال الإعلام أن ندعم مثل هذه المبادرات، ونمكن الأصوات التى تتحدث عن مصالح المهمشين من الوصول للرأى العام وصناع القرار، إذا أردنا بالفعل أن ننعم بسلام اجتماعى. ومركز العقد الاجتماعى لمن لا يعلم هو مشروع مشترك بين مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار والبرنامج الإنمائى للأمم المتحدة UNDP، وتأتى فلسفة مركز العقد الاجتماعى كامتداد لرؤية تقرير التنمية البشرية لعام 2005 والتى تؤكد الحاجة إلى عقد اجتماعى جديد فى مصر، أى إعادة صياغة العلاقة بين الحكومة والمواطنين، ووضع إطار شراكة فعالة بينهم، باعتبار أن نهضة الوطن تعتمد إعادة بناء جسور الثقة بين أطراف العقد الاجتماعى. ومنذ فترة قليلة قام المركز بعقد مؤتمر بعنوان: «منتدى سياسات العقد الاجتماعى الجديد»، الذى ركز على كيفية تحقيق التكامل بين السياسات الاقتصادية والاجتماعية، ووضع بدائل للسياسات أمام صناع القرار، من أجل تدارك الآثار السلبية لما ذكرناه منذ قليل: استمتاع البعض بثمار التنمية على حساب معاناة الملايين من المصريين. وينظر المركز للعدالة الاجتماعية من مفهوم حقوقى يستوجب توفير حياة كريمة لكل مواطن. وحتى لا ينحصر هذا فى دائرة الشعارات، يعمل المركز من خلال منهج علمى لتحديد معايير واضحة لهذا «الحد الأدنى المقبول» من مقومات الحياة الكريمة من خدمات أساسية وحقوق متساوية وواجبات ملزمة لجميع المواطنين، ثم يذهب لنقطة أبعد عندما يبحث فى الآثار الاجتماعية للسياسات الحكومية، لقياس مدى قدرة كل مواطن فى الحصول على هذه الحقوق والخدمات دون تكلفة خارج إمكانات المواطن البسيط، وهذا يستدعى فتح باب الحوار الوطنى بين مختلف الشركاء فى هذا الوطن، من أجل الوصول لعقد اجتماعى متوازن يضمن التنمية المستدامة والسلام الاجتماعى من خلال تحقيق الأمن الإنسانى الشامل. وبهذه الكلمات آمل أن أكون وصلت لكل مهتم بالشأن العام، لكى يتابع أعمال مركز العقد الاجتماعى من منتديات ومبادرات وأبحاث، لأن التنمية المستدامة لن تتحقق إلا من خلال تحقيق مفهوم العدالة الاجتماعية، وحتى نصبح جميعاً رابحين فى مشوار النمو الاقتصادى. خبير العلاقات العامة والاتصال [email protected]