المتابعة بغرض الفهم والتحليل لمضمون ما يصدر من تصريحات للدكتور محمد البرادعي رئيس الجمعية الافتراضية للتغير، تكشف عن ازدواجية ذات مسارين مختلفين في خطابه. المسار الأول يتجه بالخطاب إلي آذان مؤيديه من أعضاء جمعيته، بينما يمضي المسار الثاني لتصويب المضمون الآخر للخطاب نحو صانع القرار السياسي داخل الدوائر الغربية. وقبل أن أمضي في تفنيد تلك الازدواجية أشير إلي أن افتراضية جمعية البرادعي نابعة في الأساس من عجز أعضائها علي قراءة وكشف تلك الازدواجية في خطاب من اختاروه مخلصًا وكأنهم مجموعة من الدراويش الذين صموا عقولهم قبل آذانهم عن حقيقة فساد كرامات ومعجزات صاحب المقام، للدرجة التي جعلت من تلك الجمعية مجرد مقام لسيدهم البرادعي، فعالم الدراويش بهذا المعني أيضًا افتراض شأنه شأن عالم الفيس بوك. المهم هنا هو أن ازدواجية خطاب البرادعي أعلنت عن نفسها منذ اللحظات الأولي لهبوطه ببراشوت التغيير، فبينما قدم الرجل نفسه داعما للدولة الليبرالية الحديثة، غازل جماعة الإخوان المحظورة بإعلانه تأييد إنشاء حزب سياسي ديني يعبر عن أفكارهم، ولا أدري ما إذا كانت الليبرالية تعني بالضرورة الاعتراف بوجود كيانات سياسية دينية تقوم في الأساس علي منهج سلطوي واستبدادي علي المستويين النظري والحركي، وهو المنهج الذي يطعن الحياة الليبرالية في مقتل، والأمر نفسه بالنسبة للأحزاب والتنظيمات الشيوعية السرية. لا أظن أن الليبرالية كنظام اجتماعي وسياسي واقتصادي تقبل بمثل هذه الكيانات، والأفكار المتخلفة عن حركة التاريخ، البرادعي إذن أراد بتأييده إنشاء حزب سياسي للإخوان اللعب علي حبال الإسلام السياسي، لكنه سرعان ما قفز في حركة بهلوانية إلي حبال الغرب «قائد الحرب علي الإرهاب» عندما خاطب الحكومات الغربية مطالبا بسرعة دعم وتمويل مشروعه كونه البديل الثالث في مصر لما وصفه بالنظام السياسي المستبد، وأحزاب وتنظيمات تتبني أفكار بن لادن والظواهري أو علي الأقل تشترك معها في التشدد والميل إلي العنف. وبالطبع لا يخفي علي القاصي ولا الداني أنه لا أساس لأفكار القاعدة علي الإطلاق في مصر، بل إن معظم إن لم يكن كل جماعات الإسلام السياسي التي ارتكبت أعمال عنف وإرهاب قد قامت بعمل مراجعات فكرية مهمة اعترفت خلالها بخطأ ارتكاب تلك الجرائم ولم يبق إلا الجماعة المحظورة التي ترفض حتي الآن الاعتراف بجرائمها، أو حتي بالتنظيم الخاص المسلح لديها وهي الوحيدة التي من الممكن القول أن أفكارها وتوجهاتها تتماشي مع أفكار القاعدة من حيث اتفاقهما في السعي نحو تأسيس دولة دينية يحكمها المرشد العام. يأتي هذا التغير في الخطاب إزاء الإسلام السياسي ليفضح ازدواجية خطاب صاحب المقام. غير أن ما يؤكد هذه الازدواجية علي المستوي العملي بالنسبة للدكتور البرادعي هو اختياره لدور العبادة المصرية لتكون نقطة انطلاقه للبحث عن شعبية بين صفوف المتدينين والمصلين، وهو ما يناقض حديثه الدائم عن الدولة الليبرالية والمدنية بل ويتعارض مع بديهيات العمل السياسي. صلاة الجمعة بمسجد الحسين كانت أول خطوات البرادعي في الوصول إلي المصريين، تلاها مسجد نور بمدينة المنصورة، وبعدها كان طلبه لحضور قداس عيد القيامة في الكاتدرائية الأرثوذكسية بالعباسية. أي أن الرجل بشكل أو آخر يحاول استخدام الدين لانتزاع شعبية مفتقده من قلوب المؤمنين، ولا يسعي لاستدعاء شعبية حقيقية علي أرضية سياسية عملاً وفكرًا. اللعب علي وتر الدين تجسد أيضًا في محاولته لافتعال ما يسميها بقضية الأقلية المسيحية فقد قال عن حضوره لقداس عيد القيامة أن المسيحيين المصريين استقبلوه بحفاوة مدعيا سعيهم إليه للإعراب عن حجم الاضطهاد الديني الذي يعانونه من قبل الحكومة، ومضي ليعرب عن سعادته بالتفاف المسيحيين حوله وحزنه الشديد لما يواجهونه من اضطهاد كأقلية، كما ادعي من قبل أنه عاد لمصر تلبية لدعوة الفقراء متنازلا عن حياته الرغيدة ملف الأقباط كان الحبل المجاور للإسلام السياسي، الذي ما لبث الدكتور البرادعي يتقافز عليه برسائله المحمومة لأقباط المهجر في محاولة لجمعهم حول مشروعه وذلك من خلال ستار اسمه جمع توكيلات المصريين في الخارج ومنحهم حق التصويت في الانتخابات الرئاسية المقبلة. الرقص علي حبال «الإسلاموية السياسية» وما يسمي بملف الأقلية القبطية كان دائمًا حرفة بهلوانات التمويل الأجنبي، وأدوات العابثين بمستقبل البلد لاستعداء الغرب علي مصر. وأول من نصب هذا السيرك المشبوه كان سعد الدين إبراهيم عبر مركز ابن خلدون والذي بدأ اللعبة مبكرًا في مطلع الثمانينيات بعمل دراسات وتقارير حول وضع ما أسماها بالأقلية المسيحية لصالح جهات مخابراتية، ثم ما لبث وأن مضي ليدخل جماعات الإسلام السياسي في اللعبة مرتديا ثوب الباحث في العلوم الاجتماعية في بداية الأمر، ورداء المناضل السياسي في آخره، وأذكر أنه قال في احتفال أقامه حواريه من المترددين علي سيرك ابن خلدون في النادي اليوناني عبر خروجه من السجن أنه كان حلقة وصل في أول حوار دخلته بعض قيادات الجماعة المحظورة مع ممثلي بعض السفارات والعواصم الغربية وفي مقدمتها لندن وواشنطن. ولم يكن الإسلام السياسي المحور الوحيد لعمل سعد الدين إبراهيم، ففي بداية صيف 1997 صمم استمارة لاستطلاع رأي المسلمين فقط في مصر شملت تساؤلات مشبوهة حول علاقة المُستطلع بالمسجد ورجال الدين ومدي ثقته في مؤسسات الدولة وصولا إلي مؤسسة الجيش. وبطريقة أو أخري حصلت وقتها علي أصل الاستمارة التي اعترف سعد الدين إبراهيم أنه يقوم بجمع بياناتها وتحليلها لصالح جامعة سيدني الاسترالية حيث أجمع أكثر من سبعة من علماء الاجتماع والإحصاء علي أن هذه الاستمارة صممت خصيصًا لأغراض التجسس، وقمت بنشر التحليل العلمي لمضامينها الشيطانية في تحقيق صحفي بمجلة صباح الخير آنذاك هذا المنهج المشبوه الذي يطرق علي وتر الدين يطرقه أيضًا صاحب مقام البرادعي ليبدو وكأنه تلميذ نجيب في سيرك سعد الدين إبراهيم، أو مستنسخًا ذلك أنه تلقي نفس الدرس علي يد ذات الجهات والأجهزة التي دربت سعد الدين إبراهيم... فهل يفيق دراويش وزوار مقام البرادعي؟