الأسبوع الماضي حصل أنس الفقي علي إجازة لبضعة أيام، وهو نادرا ما يفارق مكتبه منذ توليه مهام وزارة الإعلام، إما بسبب ارتباطات خارجية، أو حتي للمتابعة الدقيقة التي يقوم بها للجهاز الإعلامي الذي يجري تطويره بشكل دائم وعلي مراحل، لكنه في مثل هذه الإجازات النادرة يتابع مهامه، ويحرص علي مشاهدة كل الشاشات للتأكد من دقة الأداء. وأعتقد أن وزير الإعلام شعر بانزعاج شديد وهو يشاهد حلقة "مصر النهارده" التي استضافت مرتضي منصور وأحمد شوبير، لذلك لم يكن غريبا أن يقرر إحالة الحلقة بالكامل إلي لجنة تقييم الأداء الإعلامي برئاسة الدكتور فاروق أبو زيد، لرصد ما بها من تجاوزات أدت إلي الإساءة للبرنامج وللمشاهدين، وإعداد تقرير مفصل عنها يحدد المسئولية عما احتوته من تجاوزات. وفي البيان الذي أصدره وزير الإعلام أنس الفقي قبل يومين أكد أن رسالة الإعلام الحقيقية هي القيمة والهدف والرسالة، ولا يمكن التضحية بالقيمة مقابل السبق الإعلامي أو المردود المادي في إشارة لما قيل من أن هذه الحلقة حققت جذب 96 إعلانا وهو رقم ضخم جدا في برنامج تليفزيوني واحد. وفي هذا الموقف من وزير الإعلام شجاعة كبيرة يجب الإشادة بها، فهو كمسئول لا يرضي عن أي تجاوز في أي قطاع يخضع لإشرافه أيا كان، ويأمر بمحاسبة من أخطأ، ولا يتردد في إعلان الأمر علي الرأي العام، وإحاطته بالحقيقة كاملة، وهو أمر يكاد يختفي من الساحة المصرية، فنادرا ما يتحلي المسئولون بمسئولية مواجهة الخطأ، وحين يفعلون لا يتحلون بشجاعة إعلان ذلك علي الرأي العام باعتباره يمثل انتقاصا من هيبة الحكومة وهذا أمر غير صحيح. أعرف الوزير أنس الفقي منذ فترة، وأعلم أيضا أنه متابع جيد لما تنشره الصحافة، ولا يكتفي بالأخبار، وإنما يقرأ أيضا مقالات الرأي ويناقش أصحابها فيما تحمله من أفكار، وفي أكثر من واقعة كتبتها شخصيا في هذا المكان، طلب الوزير التحقيق فيما نشرته.. وهو أمر لم أشكره عليه من قبل وأعتقد أن هذا أوانه، خاصة أن المبادرة بإحالة حلقة من برنامج للجنة تقييم الآداء الإعلامي أمر يجب أن يراعيه كل العاملين في مجال الإعلام. ولن أكل أو أمل في القول أن الكثير مما ينشر في صحافتنا يستحق أن تجري فيه نقابة الصحفيين تحقيقات مماثلة، ليس فقط أن تنتظر الشكاوي للتحقيق، وإنما أن تبادر هي بتكوين لجنة مماثلة لتقييم أداء الصحف وإعلان نتائجها بشكل دوري علي الرأي العام.. وهو ما نحتاجه أيضا من الفضائيات الخاصة، التي حادت عن الإعلام القويم وتحولت إلي أحزاب سياسية وحركات احتجاجية. ولا جدال في أن جانبا كبيرا من حالة الفوضي والانفلات الذي نعيشه حاليا هو نتاج سياسات إعلامية خاطئة، شاركنا جميعا في صناعتها، لكن الكثير من العاملين في مجال الإعلام لا يمتلكون شجاعة الاعتراف بالخطأ، ولا حتي القدرة علي تصويبه، لذلك فإن ما فعله أنس الفقي في أزمة حلقة شوبير ومرتضي منصور يستحق أن يكون منهاجا لكل المسئولين عن صناعة الإعلام.. وأستعير من الوزير أنس الفقي مقولته في هذا البيان المهم: "علي الإعلام دائما أن يعلي من مردود القيمة والهدف والرسالة".. لأن الإعلام في الأول والآخر رسالة سامية حتي ولو كان بعض العاملين فيه لا يفقهون.