اتفقنا جميعا علي أنه ممدوح جدا وكلنا نمدحه مدحا شديدا وكأنهم متفقون علي رأي واحد وموحد، وإذا أخطأ نفس الشخص الممدوح في عمله أو أساء في إبداعه، انقلب المدح الجماعي إلي قدح جماعي أيضا، وضرب بالبراطيش بلا هوادة ولا رحمة، حتي أن الفنان الممدوح المذموم يسأل وهو معذب: لماذا يا ناس؟ أو يركبه غرور ما قالوه، فيوجه اللوم والاحتقار لكل من نقده وكشف له عن عيبه. وقلت للرجل: يا صديقي القمة الباردة مأساة، ولأن عالم الأدب والفن يحفل بالأراذل والأصاغر، فالنقاد يهتفون لأي بادرة نجاح أو فلاح تبدو في الأفق، ويمجدون صاحبها ويرفعونه فوق قمة النجاح «الشاغرة دائما حاليا»، ويتوهم قاطن القمة أنه فعلا في القمة، ولا يعرف أنها قمة بالايجار وليست تمليكًا. ويأتي قرار طرده وسقوطه فلا يصدقه، والقمة لا تدوم حتي لعمالقة الابداع ولا النجوم، إذ إن الناس تريد التغيير. الكارثة لا تكمن في قدرات الكاتب ولا في مواهبه، لكنها تكمن في سيطرة الإعلام وقدرته علي تزييف الظواهر وتكبيرها إلي حد المبالغة، وإلي عمل حفلات تمجيد زائفة لبعض الشخصيات، يأتي بعدها التجاهل والاهمال وقلة القيمة لا محال. وهذا ما حدث فعلا مع فلان محمد علان. ولقد عشت كما عاش غيري من مدمني ابداع هذا القلم القادر وهو «يسبك» لنا وجبات تليفزيونية متسبكة - عشت مذهولا ومعجبا به - فهو من أفضل الكتاب الذي يشعرون وبشكل متميز وجاد بمواجد ومواجع الناس والوطن - وله أسلوبه الإنساني الخاص - وتشعر في حواره من خلال شخوصه بمدي الصدق والوعي الكامل بالحياة والأحياء. وفلان بن علان يشبه الصناعة «اليابانية» يعني «صناعة أصلية» وله مقلدون عديدون يشبهون صناعة تايوان مع الاعتذار «لتايوان» وهو دقيق ومخلص في عمله. وقد استطاع فلان بن علان أن يجمع الأسرة العربية من المحيط للخليج حول مجموعة أحداثه وشخصياته، التي سجلت نضال وهزائم وأحلام واحباطات الوطن العربي كله.. منذ ثورة 19 حتي ثورة الريان.. وحققت أعماله للمشاركين فيها شهرة عظيمة جدا. لقد أحببناه إلي درجة الكراهية، وحولناه إلي عادة مملة - ومن الحب ما قتل - فها هي القنوات المختلفة - مصرية وعربية - فضائية وأرضية سلكية ولا سلكية، حكومية وغير حكومية، تمجد وتعدد محاسن المذكور، وتعرض أعماله وتفرضه علينا حتي نتوقع ظهوره قبل ظهور أعماله. الرجل - والحق يقال - كان يهل علينا كفاكهة الموسم.. عزيزًا غاليا يشد اهتمامنا ويحرض أحلامنا مرة في اليوم، أو ساعة من ليل.. لكنه وقد أصبح معدًا للتمجيد، أصبح «مقررًا.. معادًا.. مملاً»، وكأن هذا تمهيد لضربه أو لنفيه.. ألم أقل «من الحب ما قتل» ولننظر إلي خريطة البرنامج التليفزيوني «الكوني» لنعرف كيف توسعنا في تدمير الرجل بطريقة النفخ في كيانه الطيب. القناة الفلانية رقم كذا - ظهرًا - إعادة الجزء الرابع من مسلسل «كذا» تأليف فلان محمد علان - واخراج ترتان. القناة الفلانية عصرًا: عرض الجزء الثاني من مسلسل «كذا» تأليف فلان محمد علان واخراج ترتان. القناة الترتانية مساء: إعادة عرض الجزءين الثاني والثالث من مسلسل «كذا» تأليف فلان محمد علان واخراج ترتان. الساعة 9 مساء: الجزء الإخراني من القسم الاخراني تأليف فلان محمد علان واخراج ترتان. العاشرة مساء: ندوة حول الجزء الأولاني من القسم الأخراني من مسلسل «كذا» تأليف فلان محمد علان ويشارك في الندوة فلان محمد علان والمخرج ترتان. الحادية عشرة مساء «نفس القناة»: سهرة مع أغاني الجزء الثاني من مسلسل «كذا» تأليف علان محمد فلان واخراج ترتان بحضور الشاعر شعلان والملحن مرجان. الساعة الثانية عشرة مساء: مع النقاد - دراسة ونقد وتحليل لأعمال فلان محمد علان. الساعة الواحدة مساء: أستاذ النفس يقول: حديث مع أستاذ الطب «النفسي مسلسلاتي» الدكتور فرحان تطبيقا حول الظواهر السيكوباتية والانهزامية في أعمال الكاتب فلان محمد فلان ومشاهد من رائعته «كذا». الساعة 3 فجرًا: إذاعة بالقمر الصناعي من جامعة بوركينا فاسو عن التحول العالمي والكفاحي والنظريات التنموية في مسلسلات الكاتب الكبير فلان محمد علان، تطبيقًا علي عمله المعروف «كذا». بعد سنوات من هذا النفخ الإعلامي وحفلات التكريم ومهرجانات التعظيم، نقول: لماذا أصاب الناس الملل من أعمال فلان محمد علان.. ونسأل أنفسنا: لماذا لا يتقبل فلان محمد علان آراء النقاد والجمهور بصدر رحب، لقد أفسدنا أعماله بالتكرار وأجهضنا إبداعه باستعجاله للكتابة، ثم انقلبنا عليه، لأننا جوعي للمزيد من الجديد وننوي أن نقتله لأنه: من الحب ما قتل.