منذ فترة قرأت عن فيلم (البابا شنودة.. رحلة مؤسسة.. ومسيرة بطريرك) الذي عرضته قناة الجزيرة الوثائقية، ثم قرأت العديد من التعليقات بين مؤيد ومشيد بالفيلم، وبين معارض ومهاجم له. وهو ما جعلني أحرص علي مشاهدته بالكامل لكي أستطيع أن أحكم عليه وأكتب عنه.. خاصة أنني قد تعرفت بعد ذلك علي كاتب سيناريو الفيلم الباحث المحترم عبد الله الطحاوي. أعجبتني كثيراً الكلمات التي بدأ بها الفيلم لأنها تعبر عن واقع لا يمكن نفيه.. فهو يتكلم عن ذاكرة حائرة في إشارة لذاكرتنا الوطنية، ويتكلم عن المسيحيين المصريين بأنهم (كلما أصبحوا كثرة عادوا قلة)، و(إذا تحولت الدولة لدينهم.. اختلفوا معها في المذهب)، و(إذا تحررت الدولة من المستعمر.. اختلفوا معها في الدين)، و(كلما نهضوا.. تعثروا)، و(أقلية قلقة.. لكنها مستقرة). يطرح الفيلم العديد من المعلومات المهمة التي يجب أخذها في الحسبان عند الحديث عن شخص البابا شنودة الثالث مثل مدي إسهام مدارس الأحد من خلال مؤسسها حبيب جرجس في إعداد أول جيل جديد من القساوسة، والتي أصبح البابا شنودة الثالث بعد ذلك أحد روادها حتي أصبح يعلم فيها، ويعظ في الاجتماعات، ويكتب الشعر والمقالات. وتعتبر مجلة مدارس الأحد التي حمل غلافها عبارة (رسالة البعث الجديد).. والتي رأس تحريرها نظير جيد (البابا شنودة الثالث فيما بعد) هي التعبير المباشر عن الحماس الديني. وهو ما تطور بعد ذلك إلي الإيمان بأن الإصلاح الكنسي لن يبدأ سوي من الداخل.. من بعيد.. من الأديرة التي كانت البوابة الذهبية للإصلاح الكنسي. أختلف مع بعض الآراء التي أكدت في الفيلم أن جماعة الأمة القبطية هي المعادل السياسي الطبيعي لجماعة الإخوان المسلمين.. لأنه رغم المشترك الشكلي بينهما؛ فإن الاختلاف في المضمون يقع علي طرفي النقيض لأن جماعة الأمة القبطية لم تكن تستهدف الوصول لحكم مصر ولم تستخدم العنف كوسيلة لتحقيق أهدافها. وإن كنت أتفق في أن الهدف الحقيقي لحركة مدارس الأحد وجماعة الأمة القبطية هو الإصلاح الكنسي، وإذا كانت الأولي قد اعتمدته فكراً؛ فإن الثانية قد اتخذته عملاً. كما أختلف مع المقارنة بين القمص الراحل متي المسكين وبين البابا شنودة الثالث علي اعتبار أن الأول راهب متوحد أخذ الأقباط إلي السماء والثاني فارس مترجل أخذ الأقباط إلي الأرض علي اعتبار أنهما يمثلان اختلافا تحول إلي نهجين مختلفين في قيادة الكنيسة.. لأنهما في نهاية المطاف نتاج مدرسة فكرية ودينية واحدة، ولا أعتقد في فكرة السماء والأرض بهذا الشكل الضيق في التفسير والتبرير بينهما. أختم المقال بعبارة شديدة البلاغة في فيلم (البابا شنودة.. رحلة مؤسسة.. ومسيرة بطريرك) تقول: قوة الأقباط تكمن في الكنيسة، وقوة الكنيسة تكمن في الدير.. وهناك تبدأ المغامرة.. من خلال شخص البابا.. بطل الفيلم. وذلك علي اعتبار أن الدير هو مصدر الحفاظ علي التراث المسيحي. ونكمل غداً..