كتبت «أنامل الموت» علي هوامش الصحف وخراطيش السجائر وتذاكر الطيران حلم وهو طفل أنه بائع صحف، يهم بإعطاء شيخ عجوز الصحف، فإذا بالأخير يقول له، لا أريدها، كلها كاذبة... فاستيقظ وهو يتمني أن يتمكن في يوم من الأيام أن يقدم صحافة لا تكذب علي عقول الناس، رائد العزاوي، صحفي عراقي، معروف بمغامراته وتميزه علميا، وعمليا، فإلي جانب عمله أستاذا للاقتصاد بالجامعة العربية، ومحاضرا بالجامعة الأمريكية، هو أيضا صاحب أول حوار مع توني بلير عقب توليه رئاسة الوزراء، وآخر حوار مع باقر الصدر قبل اغتياله بالعراق، ثم قدم نفسه أديبا في روايته "أنامل الموت"، تلك القصة الواقعية التي تحمل في طياتها معلومات دقيقة حول إحدي الخلايا التابعة لتنظيم القاعدة، والتي يعتقد تورطها في تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، وعن الرواية كان معه هذا الحوار: عن نفسه وعلاقته بمصر يقول: جاءت عائلتي لمصر عقب نكسة 67 وولدت عقب وفاة الرئيس جمال عبد الناصر بعام ونصف العام، كنا جميعا نعتبره قلعة، جعلنا نشعر أننا مصريون، إلي جانب كوننا عراقيين، ومن ثم كان للثقافة المصرية دور كبير في تكويني. درست الاقتصاد والعلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في بيروت، ثم حصلت علي الدكتواره في "تأثير العقوبات الاقتصادية علي كل من العراق وكوبا دراسة مقارنة" ويروي العزاوي قصته مه "أنامل الموت" قائلا: بدأت قصة الرواية معي، عام 95 في كوسوفا، حينها كنت أعمل مراسلا صحفيا، وسمح لي عملي بالالتقاء بالإسلاميين المتشددين القادمين من البلقان، الذين شكلوا الخلايا الطليعية لطالبان، وشعرت وقتها أنهم سينشطون في اغتيال شخصيات مهمة، إلي أن وقعت أحداث 11 سبتمبر 2001 ولعبت هذه الأحداث نقطة تحول في الرواية، خاصة أنني كنت في أمريكا خلال هذا التوقيت، كمراسل ل "بي بي سي" وبعد مرور شهرين، وجدتني أمزق الفصول السبعة التي كتبتها من الرواية، وأشرع في الكتابة من جديد بطريقة مختلفة تماماً، حيث فرض علي عملي التواجد في أفغانستان خلال الغزو الأمريكي لها، وحين أنهيت عملي هناك 2002 عدت إلي لندن، فقررت البدء في الكتابة من جديد للمرة الرابعة، ولكن السياسة الأمريكية فاجأتني بتشنجها ضد العراق، ومحاولتها الانفراد بشن حرب عليه، جعلني هذا أتوقف عن الكتابة، ووجدتني خلال حرب العراق أعيد تمزيق الرواية، وبدأت في كتابتها مرة أخري بتفاصيل أكثر، وظللت أضيف لها حتي عام 2006 حتي صدمت باستشهاد أخي في ملابسات وظروف جعلتني أترك العراق نهائيا، لأبدأ في 2007 في الكتابة من جديد للمرة السادسة، بعد أن قررت الإقامة في مصر، فاستكملتها وأنهيتها، لأضع مخطوطاتها في مكتبتي مثل 500 مقال، و300 قصيدة محفوظة علي الأرفف، تقرأ ولا تنشر. كيف جاءت فكرة النشر؟ - بعد ثلاث سنوات، من إنهائها أرسلتها لمجموعة من أصدقائي في مصر والوطن العربي، وقد أجمعوا جميعا علي ضرورة نشرها، فاشترطت في الناشر أن يكون محل ثقة، وأن يقوم بتقييم العمل بشكل أدبي صحيح حتي لو كان المقابل المادي بسيطاً، وقد انطبق هذا علي الدار "المصرية اللبنانية". سمعنا أن نجيب محفوظ علق علي "أنامل الموت"؟ - بالفعل، لأني كتبتها علي مدي طويل، وفي حوار لي مع نجيب محفوظ أجريته لل"بي بي سي" أطلعته علي نسخة من الرواية، وكان سعيدا بها، ورغم مرضه قال لي: "أكتبها فأنت رجل باحث وأكاديمي لن تكتب ككاتب عادي أو كهؤلاء الذين يجلسون علي المقاهي". وجودك في مناطق حرب، وأحداث دامية هل كان يسمح لك بالكتابة؟ -في أفغانستان لم يكن ثمة مكان يمكنني أن أقضي فيه وقتي بعد العمل، مما أتاح لي فرصة الكتابة، ولعل ما قد يستغربه البعض أن فصول الرواية كتبت علي حواشي الصحف، والتذاكر الطيران، وخراطيش السجائر، إذ لم يكن ثمة وقت أو كهرباء لتشغيل الكومبيوتر للكتابة. ألا تفكر في العودة إلي العراق؟ - لا، لقد مللت منظر الدم، سنوات طويلة أراه، كما أن هناك أسبابا شخصية تمنعني، ماذا أذكر، من بغداد والعراق؟ كلما تذكرت شارعاً أراني من الصعب أن أسير فيه مرة أخري، كل متر من أرض العراق مدفون تحته ضحية من ضحايا أمريكا وضحايا السياسات السابقة لصدام حسين، أشعر أنني سأسير علي شواهد قبور لأهلي وإخوتي عربا وكردا وتركمانا ومسيحيين ومسلمين. باعتبارك تدخل إلي سوق الأعمال الأدبية لأول مرة، كيف تري الأعمال الأدبية والأدباء من حولك؟ - منذ 20 عاما وحتي الآن في كل القصص والروايات تجد أدباء كثر يتلاعبون بالمشاعر الحسية والجسدية للقارئ، بصورة مبتذلة عبر كل الأشكال الممكنة، فالمطروح علي أرفف المكتبات يراهن علي سذاجة القارئ العربي، وغاب عن كتابها أنه في ظل العولمة لا يمكن لهم، أن يتلاعبوا بعقلية المتلقي، وقد كان هذا دافعا لي كي تظهر روايتي بشكلها الحالي بعيدا عن الابتذال، ومع ذلك مازلت أتمني أن أطبعها وأعيد كتابتها بلغة إنسانية أكثر مما هي عليه الآن. وللأسف أشعر أن الكتاب المصريين لا يرون كتاب رواية في العالم العربي غيرهم، ولا مكان لغيرهم، تلك حقيقة الدليل عليها أنه في حفل توقيع روايتي، اتصلت ببعض الروائيين فتعجبوا أن لي حفلاً، ولم يحضروا، وعليهم أن يقروا أن لديهم شريكا عليهم أن يدركوا أن لديهم شريك، فمن العيب أن تفكر أنك الوحيد. هل تري فرقا بين الإعلام العراقي قبل وبعد الغزو؟ - الإعلام العراقي لا يزال يحبو، وللأسف يحبو في الطريق الوعر، ومن يعلمه، يعمله بالطريقة الخاطئة، ويقوده لحتفه، لذا فهو ضعيف للغاية، وبعيد كل البعد عن الموضوعية ويعد من أضعف الإعلاما في العالم أجمع. أما عن الفارق بين الإعلام العراقي الحالي ومثيله في عهد صدام، فالأمر واحد، ففي عهد صدام حسين كان الإعلام موجها تابعاً للسلطة، أما منذ 2003 وحتي إلي فهو لا يزال إعلاماً موجهاً لأكثر من سلطة. وماذ عن الإعلام العربي وموقعه من الإعلام العالمي في توصيل قضاياه؟ - بكل أسف الإعلام العربي ينقل صورة مشوهة عن العرب، كما أنه بعيد كل البعد، عن المنافسة، ولديه مشكلة خطيرة، أحادي الرؤية، عكس الإعلام العالمي، كما أنه مقتنع ولا يسمح لنفسه بأن يكون متفتحا ومتعدد الرؤي. باعتبارك محاضرا في مجال الإعلام، وممارسا نشطا له، كيف تري أوضاع باقي مدرسي الإعلام في أقسامه وكلياته المختلفة؟ -الأكاديميون النظريون في العالم العربي الذين يدرسون الإعلام لم يعملوا في هذا المجال قط، والمطلوب كي يوجد جيل جديد متطور يعي الصحافة بحق، أن ندفع باتجاه دمج مؤسسات الإعلام الصحفية مع كليات الإعلام لنخرج جيلا يجمع ما بين الشقين، العملي والنظري، فللأسف هناك فجوة كبيرة بين ما يدرس في كليات الإعلام في العالم العربي، وبين واقعه، فالمناهج قديمة كلاسيكية غير متطورة أو قادرة علي التطوير كما أن أساتذة الإعلام غير قادرين علي تطوير أنفسهم، فيما يقدمون من أفكار ودراسات ومحاضرات لا تسمن ولا تشفي. كنت تثني طوال الوقت علي ال"بي بي سي" لماذا تركتها؟ - ال"بي بي سي" مدرسة عظيمة، لكني أخطأت مرة عندما قبلت العمل بها، وأخطأت مرة أخري حين تركتها، لأنني لاحظت أن مكتبهم في العراق انحرف انحرافا خطيرا عن القواعد المهنية التي بنيت علي أساسها هيئة الإذاعة البريطانية، ومنها الحيادية والصوت والصوت الآخر، وكان ذلك عبر أحد البرامج الحوارية، فتركت العمل لأني لست مجبرا أن أكون بوقا لجهة علي حساب جهة. ما العمل القادم؟ - أنا صحفي، لا أخترع شخصيات من الخيال، شخصياتي معظمها حقيقي، والقصة القادمة حقيقية كسابقتها، تدور حول فتاتين شاذتين.