مصر فقيرة مديونة. حقيقة لا يجادل فيها أحد. وهو أمر لا يرضينا. لكنه مستمر ويزداد سنة بعد سنة بقدر زيادة سكانها من الفقراء، ورغم صراخنا بضرورة محاربة الفقر فالأوضاع لا تتحسن ولا يبدو أنها ستتحسن قريبا. منذ قرنين عندما بدأ الناس تتكلم وتكتب وتخطب اتفق الجميع سلطة ومعارضة علي أن مشكلة مصر تتلخص في (الفقر والجهل والمرض) وهي ثلاثية تؤدي لبعضها البعض. رغم ذلك فمصر غنية!. كانت كذلك ولا تزال.غنية حتي بفقرائها لأنهم يساهمون في ثروتها، علاوة علي تراثها الممتد في جذور التاريخ ومازال يعمل عمله. البلاد والعباد من حولها يعايرونها بفقرها بقدر ما يزعجهم ثراؤها!. يسبونها ويظهرون الاستخفاف بها ويحسدونها في الوقت نفسه!. حل مشكلة الفقر أسهل من حل مشكلة الجهل أو المرض. والمسئولية تقع علي المسئولين!!. تعبنا جميعا من ترديد هذه الحقيقة مع أنها بديهية!. لكنهم لا يسمعون أو لا يفهمون وإن فهموا لا يريدون. منشغلون بأنفسهم ومناصبهم وثرواتهم. كانت حجتهم في وقت سابق هي مؤامرات الاستعمار ضدنا والحروب التي أفلستنا.وهي حجة كاذبة لأنهم هم الذين شجعوا الآخرين علي حربنا. فليس من الحكمة أبدا أن تستفز غيرك وأنت تعاني الفقر والجهل والمرض لتثبت أنك آه من الشبع! وليست مصر شجيع السيما والبطل المغوار. اليوم انقلب الوضع وأصبحت المعارضة التي تصرخ مطالبة السلطة بإنقاذ الفقراء، هم الذين يحرضون علي خوض معارك جديدة تستنزف قوانا من أجل آخرين بحجج بلاغية. فعينهم علي انتزاع السلطة لا حل أي مشكلة. سيبونا من الفقر لأن ريحته وحشة ولننظر لأغنياء مصر الذين يملكون الثروة وبالتالي النفوذ. الحيوان يعيش كل لحظة يبحث عن قوته يوما بيوم ذ فهو لا يضرب عن الطعام!- لا يستقر في مكان منتظرا أن يأتيه القوت دليفري حتي باب عرينه. وإذا توفر له مرة القوت الذي يكفيه لعدة أيام لا يجد ثلاجة يحفظه بها. أما إذا لم يجد ما يأكله تزداد وحشيته أو يموت جوعا.هكذا يقضي حياته حتي مماته. الفقير يعيش كهذا الحيوان لا يستقر في مكان، يبحث يوميا عن رزقه القليل فإذا لم يكفه راح يتسول أو ينهب قوت الآخرين ويرتشي ويختلس وقد يقتل ليطعم أولاده الذي يكثر من إنجابهم فهو بغريزته لا يضمن أن يعيشوا كلهم وأملا أن يفلح أحدهم في مساعدة أسرته. أما الغني فمشكلته عكس الفقير تماما وإن كان لا يدركها أبدا. مشكلته هي الشبع!. وآه من الشبع الذي يسبب الكوارث والحروب!. الغني لا مشكلة عنده في الاستقرار. يملك عدة قصور وحتي خارج بلده .يركب الطائرات ويلف العالم للسياحة والتمتع بالحياة أحيانا لكن غالبا لعمل صفقات للحصول علي ثروات أكثر. الطعام يأتي له حتي الباب والتخمة يعالجها عند الأطباء وربما علي نفقة الدولة أي الفقراء. لكن سعيه للثروة لا يتوقف أبدا فالإنسان حيوان معدل. والجينات الحيوانية فيه وذاكرته الموروثة تلهب ظهره حتي لا يتوقف عن السعي لزيادة ثروته أي طعامه ومسكنه مهما كون الثروة التي تكفيه هو وأسرته لآخر عمره الذي لا يزيد بالضرورة كثيرا عن عمر الفقير. فقد يتسبب مؤشر البورصة أو ضبطه في قضايا رشوة وتربح في القضاء عليه مبكرا. الشبع هو الشبح والبعبع الذي يطارد الثري ولا يريد أن يعترف به، فيواجه السؤال المرعب الذي عاش يتهرب منه: ماذا يفعل بنفسه عندما يتوفر له كل شيء؟. إذا توقف عن تنمية ثروته سيضيع لأنه سيفقد كل معني لحياته. فهو لم يتعلم شيئا أبعد من تقليد الحيوان الذي لا يكف عن البحث عن قوته كل لحظة. وعندئذ يدرك فقره وبؤسه أكثر من أي فقير. الشبع يعني له الموت وانتهاء الغرض من الحياة.والحل الذي يجعله يشعر بأنه لا يزال حيا هو أن يصبح أغني الأغنياء وأقواهم نفوذا وسلطة وهيمنة علي عباد الله وفي سبيل ذلك يفعل أي شيء فيمص دم الفقراء أكثر ويتآمر علي المنافسين من الأثرياء مثله ويحرض علي قتل الناس بعقل بارد. قد يتبرع لبعض الفقراء لكنها ضريبة بسيطة وتحقق له المزيد من المكانة والنفوذ والسمعة الطيبة والكذب علي ضميره. لا يهم أن تبرعه لا يحل مشكلة الفقر فهي ليست مشكلته علي الإطلاق.والتبرع للفقراء يساعدهم علي البقاء أحياء فيضمن أن يواصلوا خدمته بدلا من الثورة عليه. لا جديد في هذا ويعرفه العالم الأكثر ثراء وتقدما منا. لكن المشكلة عندنا أن الأغنياء أكثر شراسة يشبهون الفقراء عندما لا يجدون القوت فيتوحشون.يسلكون كل السبل لسرقة الناس فيحولون بينهم وبين مجرد الستر. فصاحب رأس المال يريد أن يدفع أقل الأجور وأن يشتري الناس بأرخص الأسعار ويبيع لهم منتجاتهم التي صنعوها بأيديهم بأعلي سعر ممكن.وكذلك تفعل الحكومة!.الضريبة علي الأغنياء 20% وفي العالم الآخر تبدأ من 35 إلي 50% ما الحكمة في ذلك ؟ لا حكمة ولا يحزنون إنما الثراء يرتبط بالنفوذ ولكنه لا يرتبط بالثقافة أو العلم بالضرورة. الجزار الذي يرفع سعر اللحم يجني ثروات كبيرة حتي ولو لم يكن يفك الخط. والمسئول الذي لا يراجعه يشتري دماغه فهو مشغول بالتربح من منصبه. مثلا وزير المالية السابق واللاحق بإذن الله أما الحالي فآخر قرارته،أخذضريبة من الفقراء والطبقة المتوسطة تجعل من مساكنهم التي اشتروها بأموالهم التي دفعوا ضرائبها كالغني مؤجرة للحكومة!. الأغنياء هم المسئولون عن وجود الفقر، والمسئولون ضالعون معهم. الثراء يؤدي إلي السلطة، والسلطة تؤدي إلي الثراء، وهما وجهان لعملة واحدة. وهم يخافون الشبع خوفهم من الموت ولهذا لا يشبعون ولذلك يكثر الفقراء وأولهم الأغنياء والمسئولون. ولهذا تبدو مصر التي وقف الخلق ينظرون جميعا ويحتارون فيها كيف تبني قواعد الفقراء والثراء معا!.