فجر المترجم الدكتور فاروق عبدالوهاب مفاجأة حين قال: "آخر ما قمت بترجمته كان رواية "شيكاغو" لعلاء الأسواني، وكان التحدي الذي واجهني، رغم سهولتها، أنني كنت أعرف بعض شخصياتها معرفة شخصية، فأستاذه "رأفت" يبدو أنه لم يعطه درجة قوية في الدراسة أو ما شابه، فانتقم منه الأسواني بدرجة كبيرة في الرواية". قال عبد الوهاب في ندوة "الترجمة والعولمة" التي أقيمت مساء الأحد الماضي: "كانت لي تجربة أخري مع تحديات الترجمة، قابلتني أثناء ترجمتي رواية "امرأة ما" لهالة البدري، لأنني كنت أتخيل طوال الوقت أنني امرأة وهذا صعب. وفي كلمتها قالت الدكتورة مريم كوك أستاذة الأدب العربي بالولايات المتحدة: لماذا يكرهوننا؟ كان ذلك سؤال الأمريكيين لأنفسهم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وقامت الحكومة بتمويل مراكز الدراسات الشرق أوسطية في الجامعات والصحف وغيرها، لكن تلك الترجمة كانت فيها مشاكل لأنها تترجم الكلمات فقط، فما الحل لمعرفة الآخر، خاصة أن الصحف لا تهتم سوي بالحوادث والقضايا السياسية والاجتماعية؟ وأضافت كوك: أؤمن بما قاله إدوارد سعيد بأن الأدب يمكنه أن يعرض الناس علي حالتهم، فبعد الاهتمام بالأدب وجدت أن عدد الطلبة في مقرراتي أصبح أضعاف ما كانوا عليه قبلها، وبالملاحظة أيضا وجدنا أنه بعد ترجمة ونشر مدونات وقصص وروايات عراقية صار القارئ الأمريكي يعرف تجربة العراقي تحت قصف الجندي الأمريكي، فانتشار المعلومات عن حياة العراقيين قد يساعد في تعديل العلاقات الإنسانية بيننا وبين من كنا نسميهم العدو، فالترجمة في النهاية تغير وضع الإنسان في العالم. وانتقدت الروائية هالة البدري في مداخلتها تركيز المترجمين الأجانب علي ترجمة الأعمال الأدبية التي تتناول موضوعات ختان الإناث والعلاقة مع الذكور وضرب المرأة وغيرها، واستشهدت برواية "بنات الرياض" وتحقيقها لشهرة كبيرة بالخارج وتساءلت: لماذا لا يتحقق نفس الأمر بالنسبة لأعمالي مثلا؟ وعلق المترجم رشيد العناني علي مداخلة البدري قائلا: " اختيار تلك الأعمال لترجمتها يأتي بسبب رواجها في المجتمع الذي أنتجها، ولا يمكن أن ندين اختيارات الترجمة"، بينما علقت إحدي السيدات الإيطاليات قائلة: دور النشر الأجنبية وخاصة الإيطالية في خطر الآن، لأن القائمين عليها لم يعودوا يترجمون وينشرون سوي الكتب التي حصلت علي جوائز عالمية مهمة، وهذا خطر لأن الرواية الحائزة علي "البوكر" علي سبيل المثال قد لا تكون هي الأهم. وتحدث المترجم الدكتور محمد أبو حطب قائلا: الترجمة كانت بداية طريق العولمة، فعن طريق ترجمة مارتن لوثر للإنجيل من اليونانية والعبرية إلي الألمانية، فبفضل تلك الترجمة حدثت عولمة للمسيحية علي مستوي العالم، خاصة المذهب الإنجيلي، وعن طريق ترجمة القرآن، التي بدأت بترجمة مارتن لوثر أيضا بتوصية من الكنيسة، ساهمت في نشر الدين الإسلامي، رغم أنها كانت ترجمات سلبية، يقوم بها غير المسلمين، خاصة إذا عرفنا أن هناك 120 ترجمة للقرآن في اللغة الألمانية و200 ترجمة في اللغة الكردية، لذا فنحن بحاجة لأن تكون الترجمة مهنة لها وجاهتها في المجتمع. وتناول المترجم المتخصص في العلوم عزت عامر، موضوع الترجمة العلمية قائلا: بحثت في الألف كتاب الأولي في المشروع القومي للترجمة فوجدت 73 كتابا فقط مترجما في المجالات العلمية بمفهومها التقليدي، أي مجالات علم النفس وفلسفة العلوم وغيرها، أي بنسبة 3.7% من المترجم، وحين سألت الدكتور جابر عصفور عن سبب قلة عدد الكتب العلمية المترجمة، أرجع السبب لقلة عدد المترجمين العلميين، وهذا صحيح إلي حد كبير، لكن لا يجب أن يستمر هذا الوضع، لأن إحدي المهمات الملقاة علي عاتق المركز وكلية الألسن وغيرها هي إعداد مترجمين. واقترح عامر أن يعيد المركز نشر كل كتبه في "مكتبة الأسرة" بسعر رخيص وكميات كبيرة ومنافذ بيع منتشرة، واستشهد عامر ببعض مشروعات الترجمة التي رآها مفرحة كمجلة "عالم المعرفة" حيث تصل نسبة الكتب العلمية المنشورة 24%، ومشروع "كلمة"، ودار "إلياس" وغيرها، وطالب بأهمية التركيز علي ترجمة كتب الذكاء الصناعي.