موجة الاضرابات والاعتصامات والاحتجاجات السلمية في مصر الآن هي نتاج واثر طبيعي من الآثار السلبية لعملية التحول العشوائي إلي اقتصاد السوق أو ما يعرف بعملية إعادة التكيف الهيكلي وسبق عند إعداد الخطة الوطنية لتعزيز وتحسين أوضاع حقوق الإنسان في مصر 2007 / 2012 للمجلس القومي لحقوق الإنسان أن حذرنا من هذه الآثار السلبية وطلبنا من الحكومة ضرورة الانتباه لمعالجة هذه الآثار لأنها تؤثر تأثيراً مباشراً علي حقوق الإنسان المصري وعلي حقوق المواطنة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ضحايا العولمة أو ما يطلق عليها عملية التكيف الهيكلي أو التحول إلي اقتصاد السوق والمعروفة أيضاً بعملية الخصخصة تنطوي كما قالت اللجنة المعنية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالأممالمتحدة علي خطر الانتقاص من المكانة تنطوي المركزية الممنوحة لحقوق الإنسان بموجب ميثاق الأمم المشتحدة عموماً، والشرعية الدولية لحقوق الإنسان علي وجه الخصوص. وينطبق ذلك بصورة خاصة علي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومن هذه المخاطر علي سبيل المثال: 1 احترام الحق في العمل والحق في ظروف عمل منصفة ومناسبة للخطر إذا ما ازداد التأكيد علي التنافسية إلي حد يلحق الضرر باحترام حقوق العمال المنصوص عليها في العهد. وقد يتعرض الحق في تشكيل نقابات العمال والانضمام إليها للخطر بسبب القيود المفروضة علي حرية تشكيل النقابات، وتعتبر اضرابات العمال والاعتصامات المتوالية نتيجة اهدار حقوقهم وضعف التنظيمات النقابية العمالية عن استيعاب هذه الحركات إحدي هذه المظاهر. 2 الاستبعاد الفعلي لإمكانات المساومة الجماعية أو بوقف العمل بحق مختلف المجموعات المهنية وسواها في الإضراب. وقد لا يضمن حق كل شخص بالضمان الاجتماعي بالترتيبات التي تعتمد اعتماداً كلياً علي المساهمات الخاصة وعلي المخططات الخاصة، واتباع سياسات جديدة ومبتكرة بدلاً من مجرد انتهاج سبيل عدم التدخل. والأثر المباشر لضعف أو اضعاف النقابات العمالية المصرية هو فقدانها القدرة علي المفاوضة الجماعية، وذلك مع فقدان الحكومة القدرة علي التدخل للتأثير علي أصحاب الأعمال بالقطاع الخاص وبفقدانها القدرة علي إتباع سياسات جديدة ومبتكرة بدلاً من مجرد انتهاج سبيل عدم التدخل. 3 وقد أدت موجة عمليات إعادة الهيكلة الاقتصادية وإعادة هيكلة الشركات المضطلع بها بهدف الاستجابة لأوضاع السوق العالمية التي تتزايد فيها المنافسة، والتفكيك واسع النطاق لنظم الضمان الاجتماعي إلي تفشي البطالة، وانعدام أمن العمل، وتردي ظروف العمل، مما يسفر عن حدوث انتهاكات للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأساسية المبينة في المواد 6 إلي 9 من العهد. 4 وإذا كان الغرض الأساسي من برامج تحقيق الاستقرار والتكيف الهيكلي هو تحقيق الاستقرار علي مستوي الاقتصاد الكلي، فقد أدت هذه البرامج مع الأسف إلي آثار ضارة خصوصاً علي المدي القصير علي سبيل المثال: (أ) موازنة الميزانية أي تخفيض الميزانية، بتخفيض أو إلغاء الدعم تفقد الشرائح محدودة الدخل فرصة الحصول علي الخدمات الصحية والتعليمية بأسعار مناسبة وهي سياسة معلنة للحكومة وغير خفية. (ب) تنشيط الصادرات يؤدي إلي تخفيض قيمة العملة المحلية مما يؤدي إلي ارتفاع أسعار السلع المستوردة والسلع المنتجة محلياً بمكونات مستوردة إلي عنان السماء. وتصبح الخدمات الصحية والتعليمية غير متاحة بأسعار مناسبة للكثيرين. وهذا يفسر الارتفاع الجنوني للأسعار وفقدان الحكومة القدرة علي السيطرة عليها فاللحوم البيضاء والحمراء تستخدم مكوناً أجنبياً هو العلف الحيواني اللازم للتسمين وأدوية بيطرية مستوردة هذا بالإضافة إلي استيراد الزيوت والبذور والغزل الصيني والهندي للنسيج، وهناك قائمة طويلة من السلع والمكونات التي يتم استيرادها لم تكن هناك خطة واضحة لتوفير البدائل المحلية لها. ولسنا بحاجة إلي أي حديث مطول عن مدي تأثر قطاعي التعليم والصحة بهذا الأمر نتيجة استئثار الشركات متعددة الجنسيات ومؤسسات الأعمال بحقوق الملكية الفكرية للتكنولوجيا المتقدمة وصناعة الدواء والمستلزمات الطبية وأصبحت الخدمات الصحية والتعليمية ذات الجودة غير متاحة في مصر إلا للقادرين. (ج) منع تسرب رأس المال مع رفع أسعار الفائدة لا تستطيع بالتالي المؤسسات التعليمية والصحية القيام باستثمارات تقتضي السداد بفوائد. ويؤثر هذا النقص في الاستثمار علي المدي القصير علي مستوي جودة الخدمات وتوافرها. (د) لا مركزية المسئولية المالية تؤدي إلي خفض والغاء سيطرة الحكومة المركزية علي القطاعات المالية مما تضطر معه المحليات إلي توليد مواردها من تلقاء نفسها في الوقت الذي لا توجد لدي الكثير منها إلا قدرة محدودة علي ذلك. وكثيراً ما تضطر المحليات إلي خفض الإنفاق بما في ذلك الإنفاق علي الصحة والتعليم. وكثير من المحليات إن لم تكن كلها ليس لها سوي قدرة أو خبرة محدودة في إدارة القطاعات، بما في ذلك قطاع التعليم والصحة.