التاريخ في هذا الكتاب الشائك لا يسرد من حيث هو أحداث متلاحقة مؤرخة مجردة، بل من حيث الأسباب والمسببات ، بما لم يكن يعنيه أطراف الصراع كأشخاص في حد ذاتهم، وإن بدا مؤلفه مدافعا عن السيدة عائشة ، إلا أن جانبا آخر من التاريخ في كتاب "عائشة والسياسة" كان يهم المؤلف، فقد أراد من سرد فترة الخلفاء الراشدين أن يصل إلي نتيجة واحدة يتبناها وهي أن التاريخ الإسلامي لا يحمل أية بشائر بخصوص تولي المرأة أمور السياسة وتنظيم الحكم. يشير مؤلف كتاب "عائشة والسياسة" إلي أن ثمة شرخ حدث في عهد مبكر بعد العهد النبوي هو عهد الخلفاء الراشدين، ما أدي إلي انقسام أبناء الأمة الإسلامية الواحدة، في إشارة إلي حروب الصحابة كأحد مظاهر الصراع علي الخلافة، ومنها موقعة الجمل (منتصف جمادي الآخرة عام 36ه) التي خاضها مناصرو عثمان ضد مناصري علي بن أبي طالب - رضي الله عنه، وتورطت فيها السيدة عائشة عن طريق استغلال اعداء الاسلام لجموحها السياسي ، مثلما جري من قبل تشويه صورتها في حديث الإفك. المؤلف سعيد الأفغاني (1909 - 1997) في دراسته تلك التي صدرت عن مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر بالقاهرة عام 1957 - طبعة ثانية، أما طبعته الأولي فكانت عام 1946، يتتبع فيها مجمل الأجواء الخطيرة المتشابكة التي تصاعدت في ذلك العهد وأدت إلي مقتل عثمان بن عفان - رضي الله عنه، مفندا ادعاءات بعض المؤرخين وأحاديثهم الموضوعة التي حاكوا عبرها الخيوط لتوريط السيدة عائشة رضي الله عنها في السياسة مرتين بموقفين متناقضين منافيين لحكمة أم المؤمنين كما يقول المؤلف: مرة في التحريض علي قتل عثمان كما أدعوا، ومرة في التحريض علي الأخذ بثأره، وهو ما زاد من إرباك الأمور، المؤلف استنادا إلي تلك الحوادث يبدو مدافعا عن زوج الرسول وابنة أبي بكر الصديق السيدة الحكيمة سديدة الرأي وفاضحا للمصادر الموضوعة - أغلبها شيعية - التي تحط من قدرها، لكنه لا يتخلي عن قناعته الرئيسية بأن "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة"، فمكانها الطبيعي وفقا لرأيه بيتها وتربية أولادها ورعاية زوجها، وأن الحالة الوحيدة التي يمكنها من خلالها إسداء خدمة إلي بيت المسلمين هي التطوع للجهاد إذا أغار العدو فجأة، أما نوعية الجهاد فهي بتمريض الجرحي وسقاية الماء. موضوع الكتاب كما يعترف صاحبه الدمشقي عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة سابقا، حرج وشائك، لأنه يصطدم بما نشأ عليه الناس، ولذلك فقد دعا في المقدمة إلي أن يقرأه الناس "بنفوس طيبة سمحة زايلها التعصب"، لقد اقتضت هذه الدراسة من الباحث عشر سنوات لإتمامها، اعتمد فيها مناهج تاريخية غير تقليدية منها فهم النفس البشرية كمدخل لفهم التاريخ، باعتبار أن الإنسان هو الخالق للتاريخ والأحداث وليس العكس، ثم هناك مصدر آخر - غير المصادر التاريخية التقليدية - لجأ إليه الباحث في موضوع دراسته، هو كتب الأدب ودواوين الشعر، فضلا عن الاستعانة بالقرآن الكريم والحديث الشريف، وأخيرا الطبري "تاريخ الأمم والملوك" . يستعرض الكتاب صورا حية من صدر الإسلام، عن أعنف نشاط سياسي شهدته الجماعة الإسلامية، لكنه بالتأكيد - كغيره من المؤلفات في نفس المجال - لم يحسم الجدل النظري بشأن مسألة الدور السياسي للمرأة، بدليل أن كلية دار العلوم أجازت منذ أعوام قريبة رسالة ماجستير ناقضت ما جاء به الأفغاني بالتحديد، حيث استعانت الباحثة صاحبة الرسالة بكتابه "عائشة والسياسة" للتدليل علي الفكر الرجعي بخصوص المرأة ودورها السياسي في الإسلام، فالأفغاني يصور المشاركة السياسية القوية والتي قادتها السيدة عائشة - رضي الله عنها، من زاوية أنها "خطيئة" تؤكد عاقبة دس النساء أنوفهن في السياسة كما يقول، ففي رأي الأفغاني لم يمنع تمتع السيدة عائشة بمزايا عبقرية ورغبتها القوية المخلصة في الإصلاح وتعميم ما فيه خير للمسلمين من حدوث تلك العواقب الوخيمة نتيجة المشاركة السياسية للمرأة، وذلك لأن رغبة السيدة عائشة تلك كما رأها المؤلف امتزجت باندفاع بلا حكمة وبعد نظر، ومن هنا يفرق الأفغاني بين ممارسة المرأة للسياسة في الإسلام الذي هو أمر خارج عن المألوف وعن طبيعتها، وبين المشاركة بالجهاد، يقول إنه ليس لأحد أن يحرم المرأة شرف الجهاد عن طريق تمريض الجرحي، وينتهي في هذه النقطة إلي قول: "السياسة لمزالقها الخطرة حرام علي المرأة صيانة للمجتمع من التخبط وسوء المنقلب، أما الجهاد فطريق مضمونة الخير، وللمرأة أن تأخذ من هذا الشرف نصيبها الأوفي".