في كل دورة من دورات مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما يزداد إعجابي الشديد به، رغم أنه لا يزال وليدا ولم يمر عليه سوي أربع دورات فقط لكنها دورات أربع نتعلم منها الكثير، ففي الوقت الذي راحت فيه مهرجانات مسرحية عربية كثيرة تهتم بالتكريم فقط دون البحث عن عوامل القصور لتلافيها ومعالجتها - والتي أدت بالطبع إلي إحداث شروخ في البناء المسرحي العربي مما أثر علي عملية التطوير المسرحي التي نرنوا إليها جميعًا في عالمنا العربي لخلق عالم مسرحي ناهض يواكب الحركة المسرحية العالمية التي سبقتنا بآلاف الخطوات لا المئات نري مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما يطل علينا شاهرًا سلاحه ذا الحدين التكريم والتطوير حيث حرص علي أن يكون التكريم أمرًا طبيعيا لمهرجان عربي ينطلق تحت مظلة واحدة من أهم الكيانات العربية كرما وإنسانية ومودة إمارة الفجيرة الرائعة التي تخطو خطوات واثقة نحو تأكيد دورها الإنساني والثقافي في العالم العربي والتي حرصت أن يصاحب التكريم عملية تطوير شديدة القوي لصناعة مسرح حقيقي بعيدًا عن زيف الأعمال المصطنعة وسهولة الإختيارات والوقوع في فخ المجاملات. الدورة الرابعة لمهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما جاءت حاملة معها نسائم المحبة والود بين كل المشاركين حيث تم اختيار عنوان مناسب لهذا المعني ليكون غطاءً لمهرجان هذا العام وهو الفجيرة مسرح وحب وهو أيضًا نفس عنوان الاستعراض الذي قدمه المخرج ماهر الصلي بمشاركة فرقة سمة للسمرح الراقص بسوريا في حفل الافتتاح. هذه الدورة شارك فيها 15 عرضًا مسرحيًا من مختلف الدول العربية والأجنبية هي: مصر، الإمارات، فلسطين، لبنان، الأردن، تونس، السعودية، البحرين، سويسرا، روسيا لوكسمبورج، ليتوانيا، اليابان، أمريكا، إلي جانب مشاركة 400 ضيف من 40 دولة ويعد الوفد المصري من أكبر الوفود التي شاركت في هذه الدورة حيث مثلها عدد كبير من نجوم المسرح هم: محمد صبحي، سعيد صالح، طلعت زكريا، فردوس عبدالحميد، صابرين، عبير صبري، سامح الصريطي، داليا مصطفي، شريف سلامة، وقد اعتذر نور الشريف في آخر لحظة بسبب إجراء عملية جراحية لابنته سارة في فرنسا. المهرجان أقيم تحت رعاية وبحضور صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلي حاكم الفجيرة وسمو الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي العهد وسمو الشيخ راشد بن حمد الشرقي رئيس هيئة الثقافة والإعلام، وسعادة الأستاذ محمد سعيد الضماني نائب رئيس هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام ورئيس المهرجان وسعادة المهندس محمد سيف الأقحم مدير المهرجان. العرض المسرحي المصري أنا كارمن من تأليف وإخراج سماء إبراهيم الذي شارك في هذه الدورة تألق بشكل ملحوظ ونال استحسان كل ضيوف المهرجان والذين اعتبروه علامة فارقة في العروض المسرحية التي قدمت هذا العام سماء، قدمت في هذا العرض الأوبراي المينودرامي لوحة معاناة صادقة تعكس واقع الكثير من بنات جيلها التائهات بين الحلم والواقع، بين رومانسية الحلم وإزدواجية الواقع بين همس الحلم وقهر الواقع من خلال عاملة في مسرح يعرض عليه مسرحية لكارمن فتستعرض تلك العاملة حياة كارمن من خلال حوار أحادي بين العاملة وملابس كارمن أثناء تنظيفها لكارمن قبل مجيئها إلي المسرح. يكشف الحوار وتعليقاتها وتناقضاتها وغيرتها مما حققته كارمن، المهرجان حظي علي مدار دوراته الأربع بحضور فني نوعي دولي متزايد فيه قيمة عالمية وأصداء وصلت إلي أقطاب المسرح ورواده في شتي أنحاء العالم ولعل الحدث الأبرز علي مدي دورات المهرجان تكريم المنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO لصاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي وتقليده الميدالية الذهبية للملكية الفكرية كما تم تكريم سموه من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم الأليسكو. العلاقات الجيدة بين الهيئة الدولية للمسرح ITI اليونسكو وبين هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام دفع المجلس التنفيذي للهيئة الدولية لاعتماد إمارة الفجيرة مقرًا عالميًا ثانيًا للهيئة بعد مكتب اليونسكو في باريس ليعمل علي تمكين وتقوية نشاطات الهيئة الدولية للمسرح من خلال موقع الفجيرة المتوسط بين قارات أفريقيا وآسيا وأوروبا. كما تم علي هامش المهرجان تكريم الفائزين في المسابقة الدولية لنصوص المونودراما التي نظمتها هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام والمكتب الإقليمي للهيئة الدولية للمسرح بالفجيرة بحضور الفائزين في المسابقة باللغات الثلاث العربية والإنجليزية والفرنسية وقد تكونت لجنة تحكيم النسخة العربية من يسري الجندي - مصر، أسعد فضة - سوريا، حاتم السيد - الأردن، عبدالعزيز السريع - الكويت. وقد تم إعلان انضمام المخرج المسرحي المغربي الكبير عبدالكريم الرشيدي إلي اللجنة اعتبارًا من مسابقة الدورة القادمة. وقد فاز في هذه المسابقة لهذا العام كل من فيصل جواد من العراق بالمركز الأول عن نص ذاكرة الوجع والحسرة وخلف علي الخلف من سوريا بالمركز الثاني عن نص جلجامش بحذاء رياضي وناهض الرمضاني من العراق بالمركز الثالث عن نص جوف الحوت ومحمد الشربيني من مصر بالمركز الثالث مكرر عن نص الدكتوره وقد لعب القدر لعبته مع محمد الشربيني مرتين المرة الأولي عندما منعه - أي القدر - من حضور تلك اللحظة الفارقة في حياة أي فائز بأي جائزة حيث تعثرت إجراءات سفره لاستلام الجائزة بالمهرجان بشكل غير مقصود نتيجة عدم وصول صور جواز سفر الشربيني لإدارة المهرجان نتيجة بعض الأخطاء التي وقع فيها الشربيني عند استخدامه للإنترنت، أما المرة الثانية وهي التي لم يرتكب فيها أحد أي خطأ ولكنه أمر الله، حيث وافته المنية بعد استلامه قيمة الجائزة في مصر والتي قمت بتسليمها له بنفسي بعد أن استلمتها له من الفجيرة لتوصيلها إليه، الغريب أنه خلال مقابلته في مقر المجلة هنا وهي المرة الأولي التي أقابله فيها ولم أكن أعلم أنها أيضا ستكون المرة الأخيرة اكتشفت شخصًا دمث الخلق محب للحياة ومقبل عليها طموحاته بلا حدود، ولم أكن أدري أن الموت ينتظره بعد أقل من 72 ساعة من هذه المقابلة. خبر الوفاة جاءني عبر الهاتف عندما حدثني عمنا يسري الجندي الذي كنت قد اتصلت به عندما جاءني الشربيني لاطمئنه علي استلام الشربيني لجائزته، بصوت متحشرج تغلبت عليه الدموع ابلغته أن الشربيني قد مات، الشربيني المتفائل الذي زفته الدنيا في آخر أيامه وتوجته بتلك الجائزة لم يكن يعلم أنها الجائزة الأخيرة عن إبداعه الأخير الدكتوره والذي كتب في مقدمته وهي كلماته الأخيرة مع الحياة وكأنه يستشعر الموت: كانت لحظة.. كانت شهرا أم بعد الشهر الثالث تتحرر.. هل هي تجربة خصبة.. أم عمر مفقود ننساه أو نتناساه.. هي في الواقع معني أكبر.. معني أدركه.. أتداركه في رحلة عمري. ما من أحد يملك أن يسجنني الآن.. الحرية لاحت توا.. تبدو كاملة لا منقوصة، هكذا كان يستشعر الشربيني الموت وكأنه الحرية الكاملة غير المنقوصة.. رحم الله محمد الشربيني وكانت هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام قد جمعت أفضل عشرة نصوص مسرحية في كتاب وهو تقليد سيتبع مع كل دورة. علي هامش المهرجان أيضا أقيمت ندوة عن تاريخ المونودراما أدارها المهندس محمد سيف الأحجم - مدير المهرجان - وشارك فيها كل من محمد صبحي من مصر وعبدالعزيز السريع من الكويت وعبدالكريم برشيد من المغرب وفاضل خليل وعزيز خيون من العراق وأسعد فضة من سوريا وفاليري كازنوف من روسيا، وقد أثارت الندوة العديد من التساؤلات والمناقشات حول تاريخ ومفهوم المونودراما. إن مفهوم المونودراما هو الممثل الواحد للشخصية الواحدة وشبه محمد صبحي ذلك بأن كل إنسان فينا في الحياة يمثل المونودراما، كما تطرق محمد صبحي لتاريخ المونودراما في مصر والذي بدأ مع بداية الخمسينيات وأعطي مثالا لتجربة سناء جميل عندما قدمت مسرحية الحصان لكرم النجار وإخراج د. أحمد زكي، وأكد أنه نفسه قدم المونودراما وغيره من الممثلين المصريين واستغرب من تهميش المونودراما في مصر الآن أمام ما يسمي التخريبي - يقصد التجريبي. العروض المسرحية التي قدمت كانت بها بعض الأعمال القليلة التي لا تنتمي إلي المونودراما وهو ما كان مثار انتقاد الكثيرين حيث اعترضوا علي وجود أعمال تنتمي إلي مدرسة ألوان مان شو والتي الصقوها بفن المونودراما وهي بعيدة كل البعد عنه مثل العرض الأمريكي صراخ العالم أو عروض البانتومايم مثل العرض الياباني الصوت الذهبي وطالبوا بأن تكون الدورة القادمة - الخامسة - كلها مونودراما، كما أعترض البعض علي عدم وجود ترجمة مصاحبة للعروض الأجنبية التي تقدم بلغة بلادها سواء الياباني أو السويسري أو اللتيواني وطالبوا إما بأن تكون الترجمة مصاحبة عبر السماعات أو تكتب علي الحائط المجاور للمسرح.. في كلمته للدورة الرابعة للمهرجان أكد محمد سعيد الضماني رئيس المهرجان أن الفجيرة ستواصل قياس الطقس المسرحي من خلال فن المونودراما الذي وصفه باللعبة وأن هذه اللعبة المسرحية هي لعبة العظماء وأكد محمد سيف الأقمم الذي تولي منصب رئيس الرابطة الدولية للممثل الواحد أن المهرجان مساحة جيدة لتبادل الإبداع وتشاطر السحر مؤكدا أن المونودراما هي عشقه الأول وكاشفا عن إطلاق كتاب عالم المسرح برعاية الهيئة العالمية للمسرح. من كواليس المهرجان عندما صافح الشيخ حمد بن محمد الشرقي حاكم الفجيرة الفنان طلعت زكريا في حفل الافتتاح قال له: طابخ لنا أيه النهارده؟ - إشارة إلي فيلم طباخ الرئيس - رد عليه زكريا: يا فندم قعدوني عندكم وأنا أطبخ لكم كل يوم. الصحفية اللبنانية ديما جراح بكت بكاء حارا عند لقائها بطلعت زكريا وقالت له لم يكن 80 مليونا فقط هم الذين يدعون لك في محنتك بل كل الوطن العربي كان يدعو لك وأوصته بالاستمرار في اضحاك الناس. محمد صبحي كان يستخدم كلمة سر طوال وجوده في المهرجان كلمة السر هي فهم فكلما احتاج صبحي شيئًا قال: فهم - مثلما كان يفعل إسماعيل يس في فيلم المليونير عندما كان يستخدم كلمة جزر ككلمة سر لانقاذه من المواقف الصعبة - وبالفعل كان يتحقق لصبحي ما يتمناه. في النهاية علمنا أن فهم هذا هو الصديق الأنتيم لصبحي المقيم في الامارات. صابرين اضطرت لمغادرة المهرجان بعد خمسة أيام من بدايته لارتباطها بالعرض المسرحي خالتي صفية والدير.