تأتي هذه السطور كنوع من المشاركة الوطنية لتخليد ذكري شهداء الوطن الذين استشهدوا لتحيا الأمة، ويومها ودعتهم الأمة، وهي تغني بلادي... بلادي، فإلي أرواحهم الطاهرة نهدي هذه الكلمات: تخليدًا لوفائهم العظيم، وتقديرًا واعترافًا بدورهم البطولي لما قدموه لوطنهم فداء له، ولحياتنا وكرامتنا وعزتنا في كل الحروب التي خاضوها ، لرد العدوان عن تراب مصر وعن أمتها العربية. وهم بذلك يضربون أروع المثل في التضحية والفداء، ويقدمون الدرس للأجيال لاستمرارية الأرواح فداء للوطن، والدفاع عنها، وبذل أقصي الجهد من أجل النهوض والتقدم. ومن المعروف أن اتخاذ التاسع من شهر مارس من كل عام يومًا للاحتفال بالشهيد والمحارب القديم، إنما هو اليوم الذي استشهد فيه البطل التاريخي، والفارس النبيل الفريق أول عبدالمنعم رياض وسط رجاله، وفي قلب المعركة (صباح الأحد 9 مارس 1966). واختيار يوم استشهاد هذا البطل المغوار يومًا لكل شهداء مصر، وفي كل المعارك التي خاضتها، وللمحاربين القدماء، إن دل علي شيء إنما يدل علي مدي روعة وعظمة وخلود هذا الشهيد، وما قدمه لوطنه، فكان القدوة والمثل والنموذج الحي والمبتغي والمنتظر من كل مصر الاقتداء به في التضحية والفداء ونكران الذات، مهما كان المنصب، ومهما كانت الأخطار. وفيما يلي بعض من رياض الشهيد البطل عبدالمنعم رياض نطرحها للأجيال الصاعدة استلهاما لروحها وأخذ الدرس والعبرة في كيفية التضحية من أجل الوطن، ولن نطيل ويكفي أن نشير إلي: - أن هذا الفارس النبيل، والبطل المغوار، والمولود في الثاني والعشرين من أكتوبر عام 1919، قد عاش حتي يوم استشهاده في التاسع من مارس عام 1969 - كما جاء في الكتاب الذي أصدرته إدارة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة في أعقاب استشهاده - عاش بسيطًا في حياته، عظيما في مماته، رمزا في خلوده، باختصار كان الإنسان بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان نبيلة خالدة. - إن هذا البطل قد ضرب المثل لجنوده وضباطه، فلقد قرر - وهو رئيس أركان حرب القوات المسلحة يومها - أن يتوجه بنفسه إلي الجبهة ليري علي الطبيعة، وأرض الواقع تنفيذ خطة القوات المسلحة لتدمير خط بارليف الذي أقامه الصهاينة لحماية جنوده من الضربات المتتالية لجنودنا البواسل، وليكون المانع الذي يجعل من عبور القناة وتحرير سيناء من الأمور المحالة في العرف العسكري. واختار شهيدنا البطل، ورئيس أركان القوات المسلحة أن يكون بين جنوده وضباطه في الموقع نمرة 6 علي الجبهة، وبالتحديد في منطقة الإسماعيلية، وهو الموقع الذي لم يكن يبعد عن مواقع نيران العدو الصهيوني علي الضفة الشرقية من قناة السويس بأكثر من 250 مترًا، أي أنه في مرمي نيران العدو، وبالفعل وهو في هذا الموقع بين جنوده، بدأ التراشق بنيران المدفعية بين قواتنا الرابضة علي الضفة الغربية من القناة، وبين مدفعية العدو علي الجبهة الشرقية. ومن الأمور الجديرة بالتسجيل أن الشهيد البطل رئيس أركان القوات المسلحة هو الذي قاد معركة المدفعية من موقعه ضد نيران العدو ولمدة استمرت أكثر من الساعة والنصف الساعة بل وأكثر من هذا فقد نسي أنه رئيس الأركان، حيث أخذ يداعب الأولاد وهو الوصف الذي كان الأحب إليه، والذي يصف به جنوده، وضباطه، ويتباسط معهم، ويحرص علي شرب الشاي معهم، وأثناء الضرب، أخذ يتنقل بين المواقع، وبين دشم الأسلحة، ويلتقي بأفراد أطقمها، وفجأة انهالت نيران مدفعية ودبابات العدو علي النقطة التي كان يقف فيها الشهيد البطل، وتم التبادل وبعنف للرد علي العدو، متخذا مكانه في خندق قريب متتبعا سير المعركة، وتوجيه النيران وإلي جانبه في نفس الحضرة قائد الجيش في هذه المنطقة، وفي حوالي الساعة الرابعة إلا ثلث بعد ظهر يوم 9 مارس، سقطت دانة في الحفرة التي كانت تضم الشهيد البطل وقائد المنطقة، فأحدثت تفريغا في الهواء وتناثرت شظاياها، التي أصابت قائد المنطقة بجروح، ولكنها كانت بالنسبة لعبدالمنعم رياض الإصابة قاتلة وعلي الفور فارق الحياة في هذه الحفرة الصغيرة، لكن كانت لحظة الحياة عند الله مصداقا لقوله تعالي: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون صدق الله العظيم. كما كانت لحظة الخلود للبطل، الذي استشهد ومن حوله جنود من رجال وطنه ورجال البطل، الذي ضرب المثل وأروعه في شجاعة القائد بتواجده بين جنوده في الخطوط الأمامية أثناء القتال، مقدما أقوي الأدلة علي حب الوطن، وعمق عقيدة الدفاع عنه وهي الروح التي كانت تغلف - وماتزال - أبناء قواتنا المسلحة الباسلة، والذين كانوا عند حسن ظن الشهيد البطل بهم، فقدموا أروع الأمثلة تضحية وفداء أثناء حرب الاستنزاف والتي توجت بيوم النصر العظيم، يوم العبور، وتدمير خط بارليف، وهذا وليس غيره يوم السادس من أكتوبر عام 1973 . فهنيئًا لهذا البطل العظيم ولكل أبطالنا الذين نالهم شرف الشهادة من أجل تحرير التراب الوطني من دنس الصهاينة، تهنئة لهم في يوم الشهيد، وكل الأيام، وتحية لقواتنا المسلحة الباسلة، خير أجناد الوطن، والتي تضرب في كل الأوقات أروع الأمثلة في الدفاع عن الوطن، والحفاظ علي استقراره، بل وتعدت الدور الرئيسي المنوط بها وهو الدفاع إلي المشاركة في البناء والتعمير من أجل المواطنين، في الحياة المدنية. وهذه هي الدروس المستفادة من الاحتفالات بأيام العطاء، والاستشهاد، ومن المواقف البطلة لقواتنا المسلحة عسكريا ومدنيا، نقول هذه هي الدروس التي ينبغي أن نستقيها من هذه المواقف البطلة، بعثا للأمل، وحفزا للعطاء وضربا للمثل، والنموذج والقدوة للأجيال القادمة، وللشباب الذي بات يعاني - وبفعل فاعل - اليأس والإحباط، ومن قبل ومن بعد نقول للفاسدين والمفسدين، وأدعياء الزعامة علي الفضائيات، هؤلاء أبناء مصر، وها هي مصر التي ستظل بمشيئة الله الآمنة المستقرة، القادرة علي التغلب علي كل الأزمات بقوة وعزم أبنائها المخلصين لوطنهم، الباذلين أقصي الجهد، الغالي والنفيس من أجل مصر، رغم أنف دعاة الزعامة، والجهلاء والعملاء، لأنها مصر، وكفي هذا مبررًا.