لا أعرف الدكتور أحمد زكي بدر وزير التربية والتعليم إلا من خلال ما يكتب وينشر عنه منذ تولي منصبه قبل شهور!! وكان أغلب ما قرأته عن الرجل هجوماً كاسحاً ومتواصلاً حتي قبل أن يقول الرجل يا هادي ويكشف عن ملامح منهجه في وزارة التربية والتعليم. وتمادي البعض في الهجوم والسخرية حتي أطلقوا عليه لقب وزير الداخلية والتعليم وراحوا يتوقعون منه الكثير من القسوة والشدة في تعاملاته واستعادوا صورة والده الوزير اللواء زكي بدر وزير الداخلية الأسبق رحمه الله. ولعل أخطر الملفات التي وجدها الوزير أمامه وكانت حديث الرأي العام والصحف والفضائيات هو ملف الانفلات بين المدرسين والطلبة، أو الطلبة والمدرسين! ولم يكن يمر يوم إلا وتسمع عشرات القصص المؤسفة والمحزنة والمخجلة من حكاية الأستاذ والمعلم الذي كسر ذراع تلميذ، إلي الطالب الذي ضرب المعلم، ومن المعلم الذي يشتم ويسب التلاميذ، إلي الطالب أو الطالبة التي تشتم وتتهجم علي المعلم.. ومن ظاهرة الغش الفردي إلي ظاهرة الغش الجماعي إلي حكايات تسريب أسئلة امتحانات، وكان المؤسف والمخجل ألا تخلو صفحات الحوادث في الجرائد من تلك الحوادث المؤسفة. لقد وجد الوزير نفسه في أغرب معركة علي الإطلاق، لم تكن المعركة حول تطوير التعليم والمناهج وإعادة النظر فيه أو حول نظام الثانوية العامة عفريت وبعبع كل بيت مصري، بل كانت المعركة حول العلاقة بين المعلم والتلميذ، وكيف يعود المعلم معلماً، ويعود التلميذ تلميذاً، كيف يصبح المعلم قدوة ومثلاً أعلي لتلاميذه، وكيف يعود التلميذ إلي احترام وتبجيل معلمه، والعودة إلي بيت شعر رائع يقول: قف للمعلم وفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا. بصراحة شديدة وصدق أيضاً أقول إن البيت المصري لم يعد يهمه ما يتعلمه أولاده وما أهميته أو نفعه أو مواكبته للعصر بل كل ما يهمه هو الحصول علي الشهادة. نعم الحصول علي الشهادة وليذهب التعليم إلي الجحيم!! ليس المهم أن تفهم وتفكر وتتعلم فن الحياة وأهمية الثقافة، بل المهم أن تحصل علي الشهادة وبمجموع يقترب من الدرجات النهائية أو يفوقها أيضاً. المهم أن يكون في جيبك شهادة، ثانوية، ليسانس، بكالوريوس، لكن ليس مهماً علي الإطلاق أن جاهلاً بأولويات وبديهيات العلم والمعرفة، من الجملة الاسمية والفعلية وأخوات الست إن وكان إلي جدول الضرب لا ضرب التلاميذ أو المدرسين. كان الله في عون الوزير الدكتور أحمد زكي بدر، وأعانه الله علي إعادة الاحترام والانضباط والهيبة إلي مدارسنا في القري والنجوع والبنادر والمدن. أتمني أن يأتي يوم قريب جداً تختفي فيه من صحفنا ما قرأته يوم الجمعة الماضية في الزميلة الجمهورية وكان ما قرأته يدعو للأسف والمرارة والحزن أيضاً. كتبت الجمهورية تقول: قرر الدكتور أحمد زكي بدر وزير التربية والتعليم نقل رضا محمود عبد المطلب مدرس اللغة العربية بمدرسة النوبارية الثانوية الصناعية بمحافظة البحيرة إلي عمل إداري بمديرية التربية والتعليم بدمنهور مع حرمانه من البدل الخاص بكادر المعلمين وخصم راتب شهر منه، جاء القرار بعد تعدي المدرس بالضرب المبرح مستخدماً الحذاء وجلد الطالب علي حسين علي بالصف الثاني الثانوي في طابور الصباح، وأكد الوزير أن استخدام أي أساليب غير تربوية مرفوض وسوف تقف الوزارة منها موقفاً حاسماً. وفي البحيرة أيضاً وكما كتبت الجمهورية: قرر محمد نجيب البابلي وكيل وزارة التعليم بالبحيرة فصل الطالب أحمد بمدرسة محلة فرنوي التجارية بشبراخيت لقيامه بالتعدي بالضرب علي مدرس اللغة العربية محمد حافظ أثناء الحصة الأولي بالفصل لمطالبته له بعدم الحديث أثناء الحصة والشوشرة علي زملائه، حرر المدرس محضراً بنقطة الشرطة وأرفق به تقريراً طبياً بالإصابات التي لحقت به، كما تقرر فصل الطالب تامر بمدرسة حوش عيسي الثانوية الصناعية لقيامه بالتعدي علي المدرس أحمد مرسي مدرس العملي وذلك بالضرب وإحداث إصابات متعددة. أتمني أن تخلو صحفنا من مثل هذه الحوادث المؤسفة، وهي مسئوليتنا جميعاً، وإذا كنا ندين المدرس الذي اعتدي علي طالب بالحذاء، والطالب الذي يشتم أستاذه فلابد أن ندين ما يحدث في بعض اجتماعات لجان مجلس الشعب، وحوارات الفضائيات التي أصبحت الشتيمة فيها شيئاً عادياً، وقلة الأدب والحيا من ضرورات نجاح البرنامج. لقد زاد دلع الجميع عن حده: مدرسين وطلبة وأولياء أمور، ولن تنصلح أحوالنا إلا إذا انتهي زمن الدلع في المدارس، سواء دلع التلاميذ الذين يريدون النجاح ولو بالغش، ودلع المدرسين وتهاونهم ودلع أولياء الأمور الزائد عن الحد، حيث اشتكي أحدهم من أنه أتي بمدرس خصوصي يعطي ابنه دروساً في تحفيظ النشيد الوطني بلادي بلادي بعد أن قرر الوزير، عودة تحية العلم وترديد النشيد في طابور الصباح. يا دكتور أحمد زكي بدر أعانك الله علي ما يحدث ليس في مدرسة واحدة للمشاغبين بل مدارس المشاغبين!