منذ اللحظة الأولي لإعلان نبأ إسناد منصب وزير التربية والتعليم للدكتور أحمد زكي بدر وقبل أن يجلس الوزير الجديد علي مقعده بالوزارة ثار الخلاف حول شخصه وهل هو عنيف أم لطيف؟! سريع الغضب أم طويل البال؟! دون أن نسأل عن القضية الأساسية وهي: ماذا ينتظر التعليم وما مستقبله مع وزير جديد؟! وقبل أن نتناول مستقبل التعليم, الذي يرتبط في مصر وحدها بشخص الوزير وأفكاره ورؤيته يجب أن أوضح في البداية أنه رغم اختلافي الذي استمر سنوات مع سياسات وقرارات الدكتور يسري الجمل وزير التربية والتعليم السابق فإن الأمانة تقتضي أن نشهد له بسعة الصدر وتقبل النقد حتي لو كان لاذعا أو قاسيا وبلا توقف تقريبا.. كما نشهد له- رغم الاختلاف مع ما طرحه من سياسات وأفكار وقرارات وصلت بالتعليم المصري إلي أسوأ مراحله- بأنه علي المستوي الإنساني شخص أكثر من محترم ويتسم بدماثة الخلق وفرط الأدب, وقد أشرت لذلك أكثر من مرة في ذروة الاختلاف مع سياساته.. وربما كان هذا الأدب والخلق الرفيع هو الذي دفع الوزير الجديد الدكتور أحمد زكي بدر إلي أن يقول متعجبا ما معناه أنه يدهشه أن يجلس مكان هذا' الرجل الطيب الأمير' قاصدا الدكتور الجمل!! وفي رأيي أن الوزير السابق الجمل قد تحمل فوق طاقته من النقد ولكن السبب هو أن اختياره لهذه الوزارة كان بالقطع فوق قدراته وإمكانياته وقد دفع التعليم المصري ثمن ذلك بقرارات متضاربة وسياسات عشوائية.. حاول الوزير الجمل ولكن كان الأمر يفوق طاقته ولم يكن منتظرا منه بالطبع أن تسند إليه الوزارة فيعتذر لأنه ببساطة' لا يعرف'!! فقبلها علي بركة الله شاكرا نعمة جاءته من حيث لا يدري. ويظل من حق الدكتور الجمل التقدير علي محاولاته رغم فشلها ولكن التقدير الأكبر علي تقبله لكل ألوان النقد. علي أي حال تولي الدكتور أحمد زكي بدر فجأة منصب وزير التربية والتعليم بعد أن تردد اسمه مرشحا وزيرا للتعليم العالي, وقبل أن ينطق بكلمة واحدة عن التعليم أو غير التعليم انقسمت الآراء حوله إلي قسمين.. القسم الأول يتهمه بكل ما يمكن تصوره من اتهامات حتي وصف بأنه وزير داخلية التعليم في إشارة لوالده الراحل وزير الداخلية الأسبق وبأنه سوف يدير وزارة التربية والتعليم بالحديد والنار وأقسم البعض خلال رئاسته لجامعة عين شمس أنه كان يضرب العاملين والطلاب بالشلوت وأنه سريع الانفعال والغضب والاندفاع وغير ذلك من الاتهامات.. في حين راح القسم الثاني يدافع باستماتة عن الوزير الجديد مؤكدين كذب مزاعم الذين يتهمونه وخرج الوزير بدر بنفسه في عدة لقاءات تليفزيونية مثل البيت بيتك وأخري جماهيرية مثل الصالون الثقافي بالأوبرا ليؤكد أن من يعرفونه يتهمونه بأنه طويل البال أكثر من اللزوم وواسع الصدر أكثر مما ينبغي وأنه تقريبا كالنسيم البديع في أيام الربيع ونفي الوزير قطعيا كل الاتهامات التي وجهت إليه. كل ذلك والوزير لم ينطق حتي ساعتها بكلمة واحدة عن التعليم.. رغم أن البداية المنطقية للحوار حول الوزير الجديد للتعليم كان يجب أن تدور حول ما يمكن أن يقدمه للتعليم, خاصة وأن علينا أن نعترف مرة أخري بأن التعليم في مصر يسير علي الخطوط التي يرسمها وزير التعليم.. أي وزير للتعليم.. ومرة أخري أحذر ياعزيزي المواطن أن تصدق أي وزير للتعليم يؤكد لك حتي لو اقسم بالطلاق أنه سوف يواصل تنفيذ الاستراتيجية التي وضعها الوزير السابق والمدموغة بأختام مؤتمرات وهمية تسمي قومية وأن هذه الاستراتيجية تحظي بإجماع أو توافق المعنيين بالتعليم. فقد علمتنا تجارب نصف قرن من الزمن أن كل وزير يهبط فجأة علي كرسي وزارة التربية والتعليم يبدأ علي الفور في البحث عن مكان يضع فيه البصمة الخاصة بسيادته والتي لن تتحقق إلا باستراتيجية جديدة وإلي أن ينجح في ذلك لا بأس من إعلان أنه يسير علي استراتيجية الوزير السابق. وبعيدا عن الصفات الشخصية للدكتور أحمد زكي بدر وما إذا كان سريع الغضب والانفعال أم شديد الهدوء وطول البال.. وبصرف النظر عن أسلوبه في الإدارة سواء كان ضرب المخطئ بالشلوت أو معاملته بحنان يفوق حنان الأم فإن ما يهمنا في الأساس هو مستقبل التعليم مع الوزير الجديد, خاصة أن كل ما طرحه الوزير لا يقدم ملامح متكاملة لما ينتظر التعليم في عهده.. فهو غير راض بصفة عامة عن حالة التعليم!! وغير راض عن سياسة الامتحانات التي ترفع دائما شعار الأسئلة في مستوي الطالب المتوسط ويمتد عدم رضائه إلي الكتب والمناهج وكثافة الفصول وغيرها. ونحن في انتظار الوزير بدر وسياساته واستراتيجيته وبصمته علي التعليم.. هذا إذا وجد مكانا شاغرا لهذه البصمة بعد أن تداخلت بصمات الوزراء السابقين مع بعضها البعض!! [email protected]