رئيس جامعة المنوفية يشارك فى افتتاح النسخة التاسعة لمعرض أخبار اليوم التعليمى    رئيس الوزراء: "مصر لن تغفل حقها في مياه نهر النيل فهي مسألة حياة للمصريين"    تعديل قواعد تنظيم إدارة حساب تمويل مشروعات الإسكان الاقتصادي    مدبولي يوضح حقيقة تعديل صفقة استيراد الغاز مع "نيو ميد": الاتفاقية قائمة منذ 2019 وموقف مصر ثابت    خطوة تفصل رودريجو من الانتقال إلى مانشستر سيتي    الداخلية تضبط شخصا سرق هاتف محمول من إحدى الفتيات بالشرقية    حبس "البرنسيسة نوجا" 4 أيام لعدم دفع الكفالة في قضية خدش للحياء    المسلماني : صنع الله إبراهيم كان جديرا بالترشح لجائزة نوبل    هذه الأبراج دائما مشغولة ولا تنجز شيئا ..هل أنت واحد منهم؟    ب 34 مليون جنيه.. روكي الغلابة يحقق إيرادات عالية خلال أسبوعين    ليلة استثنائية في حب فيروز وزياد رحباني علي أوتار ثنائي العود    كيفية تحسين جودة النوم والتخلص من الأرق    تطبيق خارطة الطريق في أسرع وقت.. رئيس الوزراء: ملف الإعلام أولوية قصوى    فضيحة اسمها الانتخابات    مؤتمر الإفتاء يحذر: فتاوى الذكاء الاصطناعي تشوه الدين    "إيه الجمال ده".. ميرنا جميل تخطف الأنظار في أحدث ظهور لها    "تراجع المستعمل لا يتوقف".. بيجو 301 موديل 2020 ب570 ألف جنيه    بعد صرف 800 مليون إسترليني.. هل نشهد أقوى سباق على الإطلاق للفوز بلقب الدوري الإنجليزي؟    عارضة أزياء عن أسطورة ريال مدريد السابق: «لا يستحم».. ونجم كرة القدم: انتهازية (تفاصيل)    المصري يختتم تدريباته لملاقاة طلائع الجيش في الدوري    نور وغزل تحرزان ذهبية تتابع ببطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 سنة بالإسكندرية    «أتعرض لحملة تشويه».. الشناوي يوجه رسالة حادة ل مسؤول الأهلي (إعلامي يكشف)    جامعة الجلالة توجه الشكر لأول مجلس أمناء بعد انتهاء بعد دورته    مجلس الوزراء يوافق على إعفاء سيارات ذوى الإعاقة من الضريبة الجمركية    "المتحدة" تطلق حملة توعية بمخاطر حوادث الطرق للحفاظ على الأرواح    3 أيام من البحث.. انتشال جثة مندوب أدوية غرق بعد انقلاب سيارته في ترعة بسوهاج    فكك 6 شبكات تجسس.. قصة خداع «ثعلب المخابرات المصرية» سمير الإسكندراني للموساد الاسرائيلي    القائمة بأعمال وزيرة البيئة تتابع آخر مستجدات العمل بمصرف المحيط بالمنيا    رئيس الوزراء يوجه الوزراء المعنيين بتكثيف الجهود لتنفيذ الوثائق التي تم توقيعها بين مصر والأردن وترجمتها إلى خطط وبرامج على الأرض سعياً لتوطيد أطر التعاون بين البلدين    ترامب وبوتين يلتقيان في ألاسكا التي اشترتها أمريكا من روسيا.. فما قصتها؟    مجلس الوزراء يستهل اجتماعه بدقيقة حدادا على روح الدكتور علي المصيلحي    الاحتلال يستهدف منتظري المساعدات ويواصل قصف المناطق السكنية    رغم انخفاض الأمطار وسد النهضة.. خبير يزف بشرى بأن مياه السد العالي    أكاديمية الفنون تكشف عن موعد انطلاق «مهرجان مسرح العرائس».. بالتفاصيل    «مصر وطني الثاني».. راغب علامة ينهي أزمته مع نقابة الموسيقيين بعد لقاء مصطفى كامل    "خايف عليك من جهنم".. مسن يوجه رسالة مؤثرة لشقيقه من أمام الكعبة (فيديو)    كيف نخرج الدنيا من قلوبنا؟.. علي جمعة يضع روشتة ربانية للنجاة والثبات على الحق    بشروط صارمة.. «الإدارة الروحية الإسلامية» بروسيا يُجيز استخدام حقن «البوتوكس»    أوقاف سوهاج تختتم فعاليات الأسبوع الثقافى بمسجد الحق    وزارة الرياضة: نسعى لمنظومة خالية من المنشطات.. ونراقب عقوبات الجماهير وعقود اللاعبين    تخفيف الزحام وتوفير الأدوية.. تفاصيل اجتماع رئيس "التأمين الصحي" مع مديري الفروع    محافظ المنوفية يفاجئ مكتب صحة الباجور ويحيل عاملا للتحقيق- صور    رئيس منطقة سوهاج الأزهرية يتفقد اختبارات الدارسين الخاتمين برواق القرآن    وكالة الطاقة الدولية تخفض توقعاتها لنمو الطلب على النفط في 2025    وزارة الزراعة: إجراء التلقيح الاصطناعي لأكثر من 47 ألف رأس ماشية    "قيد الإعداد".. الخارجية الأمريكية تقترب من تصنيف الاخوان منظمة إرهابية    إنهاء إجراءات فتح حساب بنكى لطفلة مريضة بضمور النخاع الشوكى بعد تدخل المحافظ    جهاز تنمية المشروعات وبنك القاهرة يوقعان عقدين جديدين بقيمة 500 مليون جنيه لتمويل المشروعات متناهية الصغر    اتصالان لوزير الخارجية مع نظيره الإيراني والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية    رئيس جهاز مدينة دمياط الجديدة يتفقد أحد مشروعات الشراكة مع القطاع الخاص    وزير التربية والتعليم يكرم الطلاب أوائل مدارس النيل المصرية الدولية    وزير الخارجية يبحث مع نظيره السعودي تطورات الأوضاع في غزة    الصحة: حريق محدود دون إصابات بمستشفى حلوان العام    قافلة المساعدات المصرية ال 14 تنطلق إلى قطاع غزة    البيضاء تواصل التراجع، أسعار الدواجن اليوم الأربعاء 13-8-2028 بالفيوم    مواعيد مباريات اليوم.. قمة باريس سان جيرمان ضد توتنهام بالسوبر الأوروبي    كسر خط صرف صحي أثناء أعمال إنشاء مترو الإسكندرية | صور    الحماية المدنية تنقذ أهالي عقار قديم بعد سقوط أجزاء منه بالجمرك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إصلاح التعليم بين منتجعات القطامية وعشوائيات الخنازير
نشر في الشروق الجديد يوم 26 - 09 - 2010

قضية التعليم واحدة من أخطر وأهم قضايا هذا العصر فلا مكان فى المستقبل القريب أو البعيد لشعوب تعيش خارج هذا العصر.. ومهما حققت الشعوب من إنجازات فى مجالات التنمية المختلفة سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية فإن التنمية البشرية ستبقى أهم عناصر التقدم لأن صناعة البشر هى القضية الأهم فى مقاييس التقدم الحضارى.. ولأن التعليم هو أهم عناصر التنمية البشرية فإن دول العالم تسعى لتوفير أكبر قدر من الموارد والإمكانات لتحقيق أعلى معدلات التنمية فى عناصرها البشرية.
هناك دول تضع التعليم فى مقدمة أولوياتها رغم أنه استثمار طويل المدى إلا أنه من أكثر أنواع الاستثمار أمانا.. فى دول العالم المتقدم تأخذ قضية التعليم أهمية خاصة رغم كل ما وصلت إليه هذه الدول من مظاهر الرخاء والتطور.. ولقد أصبح هناك ارتباط وثيق بين عناصر التنمية المختلفة ومعدلات النمو فيها وبين قضايا التعليم لأنها أفضل أبواب التنمية الحقيقية.
فى أمريكا واليابان تحتل قضية التعليم أهمية خاصة.. وفى معسكر الدول الناشئة قامت كل إنجازاتها على العملية التعليمية كما حدث فى ماليزيا وتركيا ودول شرق آسيا، ولهذا فإن مستقبل الإنسانية يرتبط فى الأساس بمدى قدرة المجتمعات على توفير عنصر بشرى أكثر كفاءة وقدرة على مواكبة العصر بكل مجالات التفوق والتميز فيه..
من هنا تأتى أهمية قضايا التعليم فى مصر كعنصر من أهم عناصر البداية الصحيحة وللأسف الشديد فإن هذه القضية خضعت زمانا طويلا لمنطق التجارب وتحول أبناؤنا فى أحيان كثيرة إلى حقول للتجارب تشبه ما يجرى على الفئران فى المعامل ومراكز الأبحاث.. فى فترة من الفترات تم إلغاء السنة السادسة من المرحلة الابتدائية وارتبكت مسيرة التعليم الابتدائى.. وبعد سنوات قليلة عادت السنة السادسة ولم نعلم حتى الآن لماذا ألغيت ولماذا عادت.. وشهدت المرحلة الإعدادية أكثر من تجربة ما بين الإبقاء والإلغاء.. ثم انتقلت معامل الفئران إلى المرحلة الثانوية ما بين سنة واحدة للثانوية العامة وثلاث سنوات عجاف.. كان الخطأ الاساسى فى كل هذه التجارب العشوائية أنها لم تقم على دراسات حقيقية ولكنها كانت مجرد اجتهادات شخصية أو أفكاراً طافت فى رأس مسئول..
عبرت الثانوية العامة بين تجارب كثيرة ولم تصل إلى شىء حتى الآن.. ومازالت تخضع لمنطق التجارب فى مناهجها وسنوات الدراسة فيها وأساليب الالتحاق بالجامعات بعد الانتهاء منها..
على جانب آخر، بقيت مناهج التعليم واحدة من أهم ثغرات العملية التعليمية فى مصر لقد تعرضت المناهج لمتغيرات كثيرة ولم نستطع حتى الآن أن نصل إلى منهج دراسى عصرى يقدم أجيالا قادرة على التفكير السليم ومسايرة العصر فى أساليبها وقدراتها.. بقى المنهج التعليمى عندنا يقوم على الحفظ ويقدم لنا أجيالا خارج سياق العصر.. إن اخطر ما فى المناهج الحالية فى التعليم المصرى أنها تقدم نسخة وحيدة من البشر تعتمد على أساليب الحفظ والتلقين دون أن تحاول تجاوز ذلك كله إلى آفاق من البحث والفكر والمعرفة..
بقيت مسافات كبيرة بين الطالب المصرى وزميله فى مدارس العالم المتقدم من حيث استخدام التكنولوجيا الحديثة وتنمية القدرات الذهنية والقدرة على الاستنتاج والتحليل..
وأمام هذه النوعية التقليدية الثابتة من المناهج تجمد دور المدرس المصرى أمام عجز الإمكانات وعدم توافر الوسائل الحديثة وتخلف العملية التعليمية بصفة عامة.. وترتب على ذلك كله ظهور مملكة الدروس الخصوصية وهى من اخطر الأمراض التى لحقت بالعملية التعليمية فى مصر.. إن الدروس الخصوصية فى مصر الآن هى مفتاح النجاح ووسيلة التفوق وأكبر ضمان للحصول على مقعد فى إحدى الكليات الجامعية وليس من الضرورى بعد ذلك أن يكون الطالب صالحا للتعامل مع عصره أم أنه سيعيش خارج نطاق هذا العصر..
وما بين مناهج متخلفة.. ومدرس تجمدت قدراته العلمية والتربوية ودروس خصوصية ظهر الكتاب الخارجى وكان أكبر وسيلة لتأصيل كل مظاهر العجز فى العملية التعليمية حيث يقدم صيغة ثابتة للمناهج وطريقة التدريس وأساليب الفهم وكيف يكون الامتحان.. هذه السلسلة من الأخطاء هى التى تحكم الآن العملية التعليمية ولنا أن نتصور نتاجا بشريا يقوم على الحفظ والتلقين ويغيب فيه دور المدرس أمام مملكة الدروس الخصوصية ثم بعد ذلك نجد أنفسنا أمام صيغة ثابتة من الامتحانات لا تتغير..
ومنذ ثمانية شهور هبط على وزارة التربية والتعليم د. أحمد زكى بدر وظهر الرجل على الساحة يمتطى جوادا ويقتحم حجرات المدارس ويطارد المدرسين والطلاب والنظار.. ويخصم راتب هذا وينقل ذاك.. وبدأ مسلسلا من التحذيرات والتهديدات والوعيد حتى أن البعض تصور أن الرجل يطبق قواعد الشرطة وليس التربية والتعليم.. استوعب الشارع المصرى حماس الوزير الجديد وبعد فصل طويل من التحذيرات والتهديدات والوعيد بدأ وزير التربية والتعليم يمهد الطريق لأحلامه وهى بكل تأكيد أحلامنا جميعا.. فى المرحلة الأولى من النشاط البوليسى للوزير لم أحاول أن أتفهم ما يحدث وقلت إنها نشوة المنصب الجديد وعلينا أن ننتظر ما بعد سكون العاصفة..
فى لحظة واحدة بدأ الوزير الجديد يسدد الضربات فى أكثر من اتجاه..
بدأ معركة ضارية ليحقق قدرا من الانضباط داخل المدرسة.. أن تكون هناك مواعيد ثابتة وملزمة للحضور والغياب للطلاب والمدرسين وأن تكون هناك نسبة ثابتة للحضور حتى يمكن للتلميذ أن يؤدى الامتحان وهى لا ينبغى أن تقل عن 75%.
وعندما زار الوزير عددا من المدارس لم يجد المدرسين ولا النظار ولا التلاميذ وبدأ رحلة جديدة ليعيد كل هؤلاء إلى حوش المدرسة مرة أخرى..
فى نفس اللحظة بدأ د.أحمد زكى بدر معركة أخرى فى طبع الكتب المدرسية مع الناشرين وأصحاب المطابع.. واشتدت الأزمة بين الطرفين وقرر الوزير وضع سياسة جديدة لطبع الكتب المدرسية تعتمد فى الأساس على مطابع الحكومة رغم أن هناك عشرات الآلاف من العمال والموظفين الذين يعملون فى المطابع الخاصة وهؤلاء مهددون فى حياتهم وأرزاقهم..
لم يكتف الوزير بهذه الجبهات ولكنه سرعان ما اتجه إلى معركة أخرى مع أصحاب الكتب الخارجية حيث طالبهم بدفع رسوم للوزارة بمئات الملايين من الجنيهات.. واشتدت الأزمة بين الوزير وبين أصحاب الكتب الخارجية والأمر الآن معروض على القضاء.. الوزير يرى أن من حق الوزارة أن تضع ضوابط وتقرر رسوما وتراجع هذه الكتب علميا وأصحاب المكتبات يقولون إن المادة العلمية ملك للبشرية وليس لوزارة التربية والتعليم أى وصاية عليها..
وفى معركة واحدة وجد أحمد زكى بدر نفسه أمام أصحاب المطابع ودور النشر والكتب الخارجية وحالة الانفلات فى المدارس حيث لا حضور ولا انصراف ولا رقابة.. وهناك معركة أخرى ينتظرها الوزير مع مملكة الدروس الخصوصية فى كل محافظات مصر..
فى تقديرى أن د. أحمد زكى بدر قد وسع كثيرا دائرة مواجهاته.. سوف أفترض أن الوزير وضع بالفعل خطة مدروسة لتطوير العملية التعليمية ولكن الواضح أن الوزير بدأ بالشكل والمظهر فى حين أن الفساد الحقيقى فى جوهر العملية التعليمية..
إن الأزمة الحقيقية ليست فى حضور أو غياب المدرس ولكن المشكلة فى عقل وتكوين هذا المدرس وقدراته العملية والتربوية..
إن الأزمة الحقيقية ليست فى حضور التلاميذ أو غيابهم ولكن المشكلة الحقيقية فى المناخ الذى يتعلم فيه التلميذ ويتلقى دروسه..
إن الأزمة الحقيقية ليست فى توفير جهاز الكمبيوتر ولكن فى قدرات التلميذ والمعلم القادر على استخدام هذا الجهاز العصرى المتطور..
لقد أعلن وزير التربية والتعليم أنه قام بتدريب 800 ألف مدرس من بين مليون و200 ألف مدرس منذ تولى المسئولية الوزارية.. هل يعنى ذلك أن وزارة التربية والتعليم قامت بتدريب 100 ألف مدرس فى الشهر.. أى أكثر من 3000 مدرس فى اليوم.. وأين تدرب هؤلاء وعلى أى شىء تم تدريبهم؟، إن تدريب لاعب الكرة يحتاج إلى شهور وشهور ونحن أمام مدرس يحتاج إلى تدريب فى اللغة وطريقة التفكير واستخدام التكنولوجيا وأساليب التعليم الحديثة والوسائل النفسية والذهنية للعملية التعليمية فهل يعقل أن الوزير الحالم قام بتدريب 800 ألف مدرس منذ تولى الوزارة وفى 8 شهور؟.
إن الوزير يقول إنه قدم للمدرسين خبرات جديدة فى تكنولوجيا المعلومات والمعامل والكمبيوتر وهذه البرامج تحتاج إلى تدريبات عملية وهى أيضا تحتاج إلى عامل الوقت فكيف توافر ذلك كله فى 8 شهور لأكثر من 800 ألف مدرس؟..
نأتى إلى منطقة أخرى من الساحة الواسعة التى فتح فيها الوزير معاركه.. لقد أعلن الحرب مرة واحدة على جبهتين.. الجبهة الأولى هى أصحاب المكتبات والناشرين الذين يقومون بطبع ملايين الكتب المدرسية للوزارة.. كان ينبغى أن يتدرج الوزير فى خطوات استغناء الوزارة عن هؤلاء خاصة أن هناك آلاف الأسر التى تعيش من العمل فى هذه المطابع.. على جانب آخر فإن معركة الوزير مع الكتب الخارجية كان من الممكن أن تتم فى ظروف وأساليب أفضل خاصة أن الوزير رفض الحوار مع ممثليهم لتوضيح مواقفهم مما جعلهم يلجأون إلى القضاء..
إن الكتب الخارجية تباع الآن فى السوق السوداء فى كل المكتبات والوزير يعتبرها تجارة غير مشروعة وسوف يلجأ إلى قوات الأمن لمطاردة الكتب الخارجية ومصادرتها وإلقاء القبض على أصحابها..
وما بين معارك أصحاب المطابع ومطاردة أصحاب الكتب الخارجية واقتحام المدارس ونقل النظار ومعاقبة المدرسين والتلاميذ تبدو رحلة الدكتور أحمد زكى بدر لمرحلة جديدة لإصلاح أحوال التعليم فى مصر.. إن أخطر ما فى هذه الرحلة أنها بدأت بالمطاردات والمعارك فى مجال يحتاج إلى الفكر والعقل والفهم والتوافق..
إن فصل مدرس أو ناظر أو تلميذ ليس هو الحل الأمثل لتطوير التعليم فى مصر، ينبغى أن يسبق ذلك خطوات أخرى كثيرة..
كان ينبغى أن تتشكل لجان علمية لمراجعة جميع المناهج بالمراحل التعليمية المختلفة ليس من الضرورى أن نبدأ هذا العام ولكن المهم أن تتخلص المناهج من الحشو وأساليب الحفظ والتلقين وأن نقدم للتلاميذ مناهج عصرية تشجعهم على التفكير والتميز..
كان ينبغى أن نبدأ مرحلة جديدة لتطوير الأساليب التعليمية باستخدام التكنولوجيا الحديثة وأن تتوافر هذه الأساليب للتلاميذ بدرجة كافية أن جهاز كمبيوتر واحد لكل مدرسة لا يمكن أن يمثل تطورا حقيقيا كما أن مدرسا واحدا فى المدرسة قادر على استخدام هذا الجهاز لا يكفى..
كان ينبغى أن نضع أولوية خاصة للتكدس الرهيب فى الفصول الدراسية لأنها تحولت إلى ما يشبه علب السردين فى الزحام بين التلاميذ الذين يجلسون على الأرض أحيانا وفى الطرقات معظم الأحيان..
كان ينبغى أن نضع خططا للنهوض بالمواد الأساسية التى تشكل وجدان التلاميذ وتنمى إحساسهم بالانتماء وهى اللغة العربية والتاريخ والجغرافيا والتربية الوطنية والدينية.. لقد جاءت لنا الوزارة بمادة جديدة اسمها الأخلاق بدلا من التربية الدينية ولا أعتقد أن هناك فارقا كبيرا بين المادتين لأن الدين فى أساسه دعوة أخلاقية قبل أن يكون طقوسا وعبادات..
يجب أن نحافظ على ذاكرة الأجيال الجديدة فى تاريخها وأحداث وطنها وقضايا أمتها..
كان ينبغى أن نبدأ مرحلة جديدة لإعداد مدرس متميز فى فكره وأسلوبه وتعامله مع أدوات العصر، لقد أرسلت وزارة التربية والتعليم بعض البعثات لتدريب المدرسين بالخارج وهذه الأعداد لا تكفى لأن الفساد الذى لحق بمنظومة التعليم فى مصر يحتاج إلى أعداد رهيبة من المدرسين المدربين القادرين على النهوض بالتعليم فى مصر..
بعد ذلك فإن قضية الجوهر هى الأساس وليس الشكل..
لقد كان الوزير حريصا على تحقيق الانضباط فى وزارته وهذا أمر مطلوب ولكن هذا الانضباط لا يمكن أن يعطى نتيجة طيبة أمام جدران تتهاوى.. وزحام لا يطاق ومدرس يكره مهنته ومدرسة تسبح فى المجارى..
إننى أشفق على أحلام وزير التربية والتعليم لأننى أشاركه كل هذه الأحلام ولكن الوزير بدأ رحلته مع التطوير والتحديث بالمظاهر الخارجية رغم أن بيت الداء يكمن فى جوهر الرسالة التعليمية..
نريد المدرس الذى يؤمن بدوره ورسالته ولا يهرول إلى مملكة الدروس الخصوصية..
ونريد التلميذ الذى يحب مدرسته..
ونريد المدرسة التى توفر للتلاميذ قدرا من الإنسانية..
نريد مناهج تعيدنا إلى العصر ولا تجعلنا نهرب منه..
كل هذا يحتاج إلى الوقت والدراسة والإعداد وقبل هذا يحتاج إلى مجتمع يوفر قدرا من العدالة لأبنائه بحيث لا نجد تلميذا يدفع نصف مليون جنيه لكى يدخل المدرسة وآخر لا يجد رغيفا نظيفا يبدأ به يومه الدراسى..
وقبل هذا كله نريد تلاميذ يحبون هذا الوطن ويشعرون أنهم أصحاب حق فيه.. وهذا الإحساس لا يمكن أن يتوافر وهناك من يسكن منتجعات القطامية وآخر يعيش فى منتجعات الخنازير..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.