دخلت الدراما السورية خلال الآونة الأخيرة إلي منعطف خطير حيث سيطرت عليها التوجهات السياسية وأصبح الفن الدرامي مسيساً بدرجة كبيرة حتي أن كل الأعمال التاريخية لم تعد توثيقاً لأحداث الماضي بقدر ما أصبحت تصنع نوعاً من الجدل مع الواقع الذي نعيشه وقد أدي هذا الشطح الدرامي المتعمد إلي خروج الأحداث من عباءة التاريخ والإشارة من قريب أو حتي من بعيد إلي أجواء التوتر في المنطقة وعلي الرغم من هذه البداية الخجولة في المسلسلات إلا أن الأمر قد تحول خلال السنوات الخمس الأخيرة إلي نوع من تحريض الشعوب العربية ضد انظمتها وزرع بذور شيطانية تنبت الكراهية وبدون أن يشعر بها الجميع وتجري حاليا الاستعدادات لتصوير مسلسلات كثيرة تجيد اللعب علي هذا الخط فبعد أن قدمت الدراما السورية سقوط ملوك الطوائف بدأ التفكير بوضوح في تقديم مسلسل آخر تحت اسم سقوط الخلافة تشارك في إنتاجه بعض الجهات السورية مع تليفزيون قطر ومنتج عراقي إلا أن العمل مازال يكتب وهو الأمر الذي جعل باسل الخطيب يعتذر عن إخراجه ليبدأ في مسلسل أنا والقدس وهو العمل الذي ألفه بنفسه وتم تأجيله منذ عدة سنوات لأسباب تتعلق بالتمويل فالمسلسل يحتاج إلي ميزانية ضخمة ويدور حول ضياع فلسطين بدءاً من وعد بلفور عام 1917 حتي سقوط القدس في أيدي اليهود عام 1967 . الفنانون السوريون يطلقون تحرير الجولان من الاستوديوهات وفي الحقيقة أن من حق الدراما السورية أن تعبر عن قضاياها المصيرية بالشكل الذي يروق لها ولكن السؤال الملح هنا هو كيف سيتم تناول الدور المصري في خدمة القضية الفلسطينية بعد أن خاضت من أجلها خمس حروب خلال 25 عاماً؟ - بالطبع فإن سرد الأحداث من وجهة النظر السورية سيكون لها إيقاعها الخاص الذي يميل بدرجة كبيرة إلي تبييض وجه النظام السوري الذي يكتفي بمواجهة إسرائيل في المسلسلات فقط ولا يطلق عليها رصاصة واحدة في الجولان منذ احتلالها عام 1967 وحتي الآن وشتان بين العجز السوري علي الجبهة العسكرية وبين لغة الشعارات التي تروجها الدراما فهي لا تناقش أسباب انكسار الإرادة السورية علي أرض الواقع وإنما تسدد سهامها المسمومة إلي صدور الآخرين وتلقي بكل المسئولية عليهم في تناقض واضح واتعجب من السوريين الذين ينسجمون بشكل ما مع الخطاب السياسي الذي يقول ولا يفعل ويتشدق بالشعارات بينما يخفي حالة من العجز والثبات فلا تجد أي حراك جماهيري من المثقفين لاستعجال تحرير الجولان مثلما كان يفعل المصريون مع الرئيس السادات حيث كانوا يشكلون ورقة ضغط كبيرة من أجل حرب التحرير أما في سورية فلا نجد إلا حرب الاستديوهات وكنموذج عليها هذا المسلسل الذي يتم تصويره حالياً وهو بعنوان العقبة السوداء والذي يقوم بإنتاجه التليفزيون السوري وتدور قصته حول الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 وتلعب بطولته الممثلة كندة علوش التي أدت دور الفتاة الفلسطينية في فيلم أولاد العم مع كريم عبدالعزيز. قمر الزمان يدخل التاريخ المصري من باب كليوباترا الدراما السورية لا تقدم رسالة لاستنفار الشعب السوري ضد إسرائيل وإنما توجه تحريضها للشعوب العربية عن طريق اللعب بالألفاظ السياسية حتي أصبح أكثر من 70٪ من المسلسلات السورية تعاني من إقحام الخطوط السياسية داخل السيناريوهات بغض النظر عن طبيعة العمل الدرامية أو الاتساق الفني للأحداث وكما يتم التعرض للتاريخ المصري في مسلسل أنا والقدس لباسل الخطيب يأتي مسلسل آخر ليمارس هذه اللعبة وهو مسلسل كليوباترا الذي تقوم ببطولته سولاف فواخرجي وكتبه قمر الزمان علوش والمخرج وائل رمضان حيث من المتوقع أن يشهد هذا المسلسل اعتراضا حادا من قبل المؤرخين حيث اعترض د.زاهي حواس رئيس المجلس الأعلي للآثار علي السيناريو بعد أن أطلع عليه ويبدو أنه لاحظ فداحة الأخطاء التاريخية التي لا تليق بمكانة كليوباترا أو تاريخها فالمسلسل لا يتناول قصة حب عاطفية بين الملكة المصرية وانطونيو وإنما يتوغل إلي حال الشعب المصري ويعيد قراءة التاريخ دون أن تخلو الأحداث من لعبة الاسقاطات المعاصرة والزج بالأزمات السياسية وهذا ما صرح به المخرج عندما قال في المؤتمر الصحفي الذي عقد في دمشق إن الأزمات السياسية التي نعيشها تتكرر وأنه يرمز لها في العمل ولا أعرف كيف سيتم العبث بهذه الفترة التاريخية لأن كلام المؤلف قمر الزمان علوش في المؤتمر وجه نوعاً من الاتهام للمؤرخين المصريين وكتب التاريخ المصرية وأكد أنها أغفلت تسليط الضوء علي الشعب المصري ويبدو أننا سنشاهد عملاً تتداخل فيه الفنتازيا بالحقائق التاريخية وهو ما اعتبره نوعاً من توفيق ما لا يتفق تماماً مثلما حدث في مسلسل باب الحارة في الجزء الرابع والذي صنع المؤلف بخياله الجامح أحداثاً مشابهة لما يحدث في قطاع غزة حيث قدم الحارة السورية وهي محاصرة ولا سبيل لها إلا الحصول علي المؤن والأغذية عبر الانفاق مع أن هذه الأحداث ليس لها أي سند تاريخي علي الإطلاق بل إن هذه التدخلات تخل بشروط البيئة والزمان والمكان داخل السياق الدرامي وتفقده المصداقية وقد سألت جمال سليمان خلال حوار سابق معه لماذا لم يتم إطلاق رصاصة واحدة في الجولان فأكد لي أن الحرب ليست في المجال العسكري فقط وإنما تكون المواجهة بطرق أخري مثل الفن والدراما والشعر وأن هذه الوسائل لها دورها في التأثير علي الكيان الصهيوني ويبدو أن رأي جمال سليمان لا يعبر عنه فقط وإنما يعكس منظومة فكرية سورية تلقي بظلالها علي الجميع. وقد أكد أيضًا فراس إبراهيم أن الفن سلاح في الحرب إذا ما غابت الحلول السياسية والعسكرية تجاه القضية الفلسطينية وكان ذلك في معرض حديثه عن أوبريت غنائي للقدس ولكن علي الرغم من حرص فراس إبراهيم علي التأكيد بأنه لا يتعرض للساسة والسياسيين في مسلسله الجديد عن الشاعر محمود درويش إلا أن المسلسل يقحم عملية اغتيال ناجي العلي وروافدها السياسية وزواج محمود درويش من ابنة شقيق نزار قباني ليكون الجانب الاجتماعي السوري موجوداً في إطار الأحداث غير أن الأكثر الحاحاً في هذا الإطار هو حرص السوريين علي أن تكون أعمالهم الدرامية مليئة بهذا الزخم السياسي الذي يفضل النضال علي الشاشة فبالتأكيد هناك العديد من الأسباب وراء هذا التوجه الذي لا يمثل خطاً عفوياً وإنما رؤي مسيسة مع سبق الإصرار. آراء المحللين السياسيين تكشف بدقة كيف يستغل النظام السياسي السوري الفن لصالحه وخاصة في الدراما التي تدخل إلي كل البيوت وتحظي بأعلي نسبة مشاهدة حيث إن ظهور السوريين في المسلسلات علي أنهم جبهة صمود وتصدي لأمريكا وإسرائيل ما هو إلا خدعة لقلب الحقائق والتلاعب بالعقول فهو يبرر عجزه عن تحرير الأرض بتصعيد لهجة العداء في المسلسلات تحت شعار أن هناك مؤامرة عالمية تتصدرها إسرائيل في الظاهر إلا أن أمريكا هي التي تتزعم كل شيء بما يعني أنه لا قبل له بالمواجهة ضد أمريكا لذلك فإن من مصلحة النظام السوري أن يظل العداء قائماً بينه وبين أمريكا وكان ذلك في أعلي معدل له في خلال مرحلة حكم الرئيس بوش. حيث نادراً ما تجد مسلسلاً سورياً واحداً يخلو من اقحام شخصية فلسطينية يتم من خلالها التطرق إلي طرح ابعاد القضية والاحتلال والتشتت بدءاً من التغريبة الفلسطينية حتي رجال مطلوبون الذي يتم تصويره حالياً ويتولي مهمة الإشراف عليه المخرج حاتم علي. إن ما يجب أن نركز عليه هو أن الاسقاطات السياسية في الدراما السورية تعكس نوعاً من الهروب علي مستوي الواقع لأن هذه الاسقاطات تعمل علي تشويه العمل وتقلل من قيمته الفنية فهي تحول الدراما إلي وسيلة للحرب الإعلامية لا أكثر ولا أقل ويصبح النضال أسطوانة مشروخة فاقدة لمعناها في ظل الهيمنة الإسرائيلية علي أرض الجولان. لجوء الدراما السورية إلي التاريخ لتعويض اخفاقات الواقع وجمود الأوضاع العسكرية يؤدي إلي نتيجة أساسية وهي ضياع المصداقية وسوف يدرك المشاهدون زيف الشعارات العنترية.