يعتبر التفكير في المشروعات الكبري، وتنفيذها، والإشراف عليها، ومتابعتها، دائماً من المهام الأصيلة للحكومات وللقطاع العام.. ومن المسئوليات الكبري الملقاة علي عاتقها.. التي في الغالب تستهلك جزءاً كبيراً من الموازنة العامة، وتمثل عبئاً ثقيلاً علي موارد الدولة وقدرتها علي مواجهة التزاماتها المتعددة.. ومن هنا يكون التفكير في حل هذه المعضلة، وفي قيام الدولة بهذه المسئوليات دون أن يؤثر علي مواردها والتزاماتها الأساسية، عملاً إبداعياً، يحتاج إلي ذكاء اقتصادي، ومهارة استثمارية، وقدرة علي استقراء الواقع واستنباط الحلول الملائمة. وخلال الأسبوع الماضي، وافقت لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب علي مشروع القانون الذي تقدمت به حكومة الحزب الوطني، والخاص بمشاركة القطاع الخاص في مشروعات المرافق الأساسية باعتبارها يسهم في تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين وصيانتها، وكذلك يسهم في زيادة السقف المالي للاستثمارات العامة في هذا المجال، ووفق هذا المشروع يقوم القطاع الخاص بتكليف من الحكومة بإنشاء بعض المشروعات الخدمية التي يحتاجها الجمهور.. وتقوم الحكومة بتحمل الفرق بين السعر الذي يتم تحديده عن طريق المناقصات والسعر الذي تقدم فيه الخدمة. ويثير مشروع هذا القانون، وتلك المبادرة التي قدمها الحزب الوطني وأعدتها وزارة المالية، عدة نقاط لابد من تسجيلها، والإشارة إليها.. أولها هو أن الحزب الوطني، من خلال لجانه الاقتصادية، دائم الفكر والبحث عن مشروعات، جدية ومبادرات حقيقية، من أجل مواجهة المشكلات القائمة في مصر.. ولا شك أن هذه المبادرة ترفع العبء عن كاهل الميزانية العامة للدولة، وتجعلها قادرة علي التفرغ لمواجهة كثير من القضايا الأخري مثل تشغيل الشباب، ومواجهة البطالة وغيرها. ثانيها هو ذلك الاتجاه الذي بدأ القطاع الخاص يدرك أهميته.. والخاص بمسئولية القطاع الخاص جزئياً ومشاركته الدولة في النهوض بقطاع الخدمات والمشروعات الخدمية.. والعمل علي رفع كفاءة هذه الخدمات.. ليس باعتبارها واجباً وطنياً، ولكن باعتبارها استثماراً طويل الأمد في البنية التحتية. وفي المرافق الحيوية، وهو ما يعود بالنفع في نهاية المطاف علي هذه الشركات، وعلي القطاع الخاص. وثالثاً: إدراك الحكومة والقطاع الخاص أنهما ليسا متنافسين، وليسا طرفين متناقضين، وإنما هم شركاء في بناء هذا الوطن وفي تحمل مسئولياته، وفي القيام بأعباء مواطنيه.. وهذه العلاقة بشكلها الحالي تعتبر علاقة مستحدثة.. فبعد أن كان القطاع الخاص هو المسيطر علي قطاع الاستثمار في مرحلة ما قبل الثورة، حل القطاع العام مكانه في فترة الخمسينيات والستينيات، ثم ما لبث القطاعان العام والخاص أن تجاورا في السبعينيات وحتي التسعينيات.. ثم ها هي العلاقة الجديدة المستحدثة تظهر في هذا العقد. ورابعاً، فإن قيام وزارة المالية بالتفكير في هذا المشروع، وفي تجهيزه، وتهيئة المناخ الملائم لتفعيله، يشير إلي أن الوزارة تتجاوز وظيفتها التقليدية والمحدودة، والخاصة بجمع أكبر قدر من الأموال إلي الميزانية العامة، إلي وظيفة ابداعية ولها أبعادها الثرية، والخاصة بالاشتراك في خلق المناخ الملائم للاستثمار، وفي العمل علي فتح مجالات استثمار حقيقية للقطاعات المختلفة من المستثمرين، بما يؤدي في النهاية إلي زيادة موارد الدولة الحقيقية، وفي معالجة كثير من القضايا الاقتصادية. وأخيرا، فإن أعقد القضايا الاقتصادية يمكن حلها، ومواجهتها، لو تم التفكير فيها بذكاء، وبطريقة ابتكارية، فالحلول التقليدية، والطرق التقليدية لا تسهم إلا في زيادة الأمور تعقيداً.. وهو ما أدركته وزارة المالية، وهو ما واجهه بذكاء ومهارة وبعد نظر اقتصادي الدكتور يوسف بطرس غالي الذي تم اختياره، عن حق، أفضل وزير مالية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، للمرة الرابعة علي التوالي.