مع بزوغ الفجر الكاذب للأصولية الرأسمالية في ثمانينيات القرن العشرين وانطلاق فكر اليمين المحافظ الانجلوسكسوني تحت رايات التاتشرية والريجانية تحكم في مصير العالم فكر أصولي اقتصادي. يرفض رفضا باتا وقاطعا كل ما أنجزته الرأسمالية الحديثة من بنيان تشريعي ومؤسسي يستهدف ترشيح الأبعاد الاجتماعية والانسانية للتنمية والنمو بالسعي لمراعاة الأقل دخلا والأقل قدرة حفاظا علي الاستقرار وتجنبا للفوضي والقلاقل التي دفعت بالأحزاب النازية والفاشية الي الحكم عن طريق صناديق الانتخاب وكان أحد الحصون المنيعة التي عجزت الاصولية الرأسمالية عن دك قلاعها حصن التأمينات الاجتماعية وحقوق أصحاب المعاشات في ظل موجة من الرفض الشعبي القاطع والغاضب, وعلي امتداد ثماني سنوات تشكل فترتي الرئاسة الأمريكية لجورج بوش الابن سعي الفريق الحاكم صاحب الايديولوجية الأصولية المسيحية الصهيونية وصاحب الأغلبية في السلطة التشريعية الكونجرس الي أن ينقض علي المزايا الثابتة الأساسية لأصحاب المعاشات ويستبدلها بنظام الاشتراكات المحدودة, فقط لاغير دون الالتزام القاطع والصريح بمزايا محددة وكانت النتيجة فشلا تاما وذريعا وبقي نظام التأمين الاجتماعي علي ما هو عليه في أمريكا كما بقي في بريطانيا وغيرها من الدول الصناعية الكبري. وعلي الرغم من الفشل المروع في خصخصة نظام التأمين الاجتماعي بالدول الغنية فان اليمين المحافظ الأمريكي أصر علي تصدير بضاعته الفاسدة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا الي الدول النامية ووضعها كأحد بنود روشتة الاصلاح ونجح في الضغط علي عدد من دول امريكا اللاتينية لتنفيذها وكان في مقدمتها دولة شيلي التي طبقت روشتات الإصلاح اليمينية المحافظة بالحرف الواحد وتدفع حاليا الثمن الغالي لهذا التطبيق المتهور خاصة فيما يتعلق بنظام التأمين الاجتماعي للمواطنين الذي توسع أول ما توسع في استثمار أموال التأمينات عن طريق الشركات الخاصة في استثمارات ترتفع درجة المخاطرة بالنسبة لها من خلال البورصات والمشتقات المالية الحديثة وارتبطت العقدة الرئيسية بارتفاع تكلفة استثمار وادارة هذه الأصول بصورة عالية للغاية استوعبت جانبا رئيسيا من الأرباح والعوائد, ووصلت إلي أرقام فلكية تبلغ نحو19% من قيمة أصول الأموال المستثمرة مما حول خصخصة نظام التأمينات الاجتماعية الي عبء ثقيل علي أصحاب الاشتراكات وعرض المزايا الممنوحة لهم عند التقاعد للتقلص والانخفاض. وفي ظل خبرات العالم شديدة البشاعة عن توظيف الأموال واستثمارها في البورصات والمشتقات المالية وغيرها من صور الاستثمار مرتفع المخاطر وما أفرزته الأزمة المالية العالمية الأخيرة من خبرات كارثية مفزعة لصناديق التقاعد في أمريكا والدول الأوروبية ومجمل الدول الصناعية الكبري وتعرضها لخسائر فلكية أدت لتلاشي وضياع الجانب الأكبر من أموال أصحاب المعاشات ونتج عنها التخفيض الحاد والمؤلم لمزايا المعاشات وقيمتها ومنافعها كان من الضروري ان يكون الدرس واضحا وظاهرا للكل والجميع وأن يتعلموا الحكمة من رأس الذئب الطائر ووفقا للمؤشرات الأمريكية الرسمية فإن صناديق التقاعد والمعاشات الخاصة خسرت خلال الربع الأخير من عام2008 ومع تصاعد الأزمة واشتعالها مايساوي تريليوني دولار, ورصدت مجلة الايكونوميست البريطانية الشهيرة أن أصحاب المعاشات في الدول الأوروبية خسروا مايزيد وما يفوق العوائد والأرباح التي تحققت لصناديق التقاعد والمعاشات علي امتداد السنوات العشر السابقة علي الأزمة, وأن أصحاب المعاشات لو وضعوا مدخراتهم في منازلهم بدون توظيف واستثمار لكان الوضع أفضل وأحسن لهم وبقيت لهم أصول أموالهم ومدخراتهم بغير تخفيضات وبدون خسارة. خصخصة التأمينات الاجتماعية.. وضياع الحقوق الأساسية للعاملين ويكشف الخراب الذي حل بأصحاب المعاشات نتيجة للأزمة العالمية عن الأسباب الحقيقية للإصرار الشعبي الجارف في الدول الصناعية الكبري بعدم المساس بنظام التأمين الاجتماعي الأساسي الذي تديره الحكومات وتضمنه وهو نظام المزايا المحددة باعتباره ضمانا للحصول علي الحد الأدني من المعاش اللازم لمواجهة مستلزمات الحياة عند الخروج للمعاش, اما صناديق التقاعد والمعاشات التي تخضع للاستثمار والتوظيف عالي المخاطرة ولا تضمنها الحكومات ولا تتحمل الخزانة العامة للدول مسئولية النقص في حصيلتها وعجزها عن مقابلة المزايا المحددة فهي بمثابة نظم مكملة ونظم إضافية تتيح للعاملين الفرصة للحصول علي معاشات اضافية وتحقق لهم مزايا إضافية لاتشمل فقط التعويض المادي والمقابل المالي بل تشمل أيضا مزايا تغطي الجوانب الصحية والعلاج وتغطية متطلبات الشيخوخة والعجز والرعاية, وهو نظام يعتمد بالأساس علي مقدرة العاملين المالية وطموحاتهم المستقبلية ويشكل من الأول والآخر نظاما إدخاريا شخصيا يرتكز علي التفضيلات والقدرات الشخصية ولا يرتبط بالبعد الاجتماعي والانساني ولا يستند الي المفهوم التكافلي للتأمين الاجتماعي. وما حارب من أجله المواطن في أمريكا كان يشكل وعيا جديدا بالمصلحة في مواجهة الأصول الرأسمالية التي تعتمد في الترويج لمفهوم الرأسمالية المتوحشة علي الخوف المتنامي والشائع في أمريكا تحديدا من هيمنة الحكومة علي حياة البشر وتدخلها في تفصيلات حياتهم, حيث اعتبرت الغالبية العظمي حتي لو صوتت فئات عريضة منها لليمين المحافظ الاصولي.. ان التأمين الاجتماعي الاساسي بمزاياه المحددة خط أحمر لايمكن الاقتراب منه ولا يمكن المساس به وصنع ذلك تيارا عاما قويا يساند بشدة توسيع مظلة التأمين الصحي الأساسي الذي تديره الدولة بمزايا محددة, وكان هذا الأمر أحد الأسباب الرئيسية لنجاح باراك أوباما رئيسا للجمهورية, ويفسر ذلك ان معركة أوباما الكبري في السنة الأولي لحكمه هي معركة قانون التأمين الصحي الجديد الذي لايقتصر علي توفير مزايا صحية محددة لكل مواطن أمريكي بل يستهدف التوسع في المزايا ورفع جودتها وتحسينها حتي يكون الحق في العلاج حقا يتلاءم مع الاحتياجات الفعلية وحقا لايقل كثيرا في المستوي عما يحصل عليه المرضي أصحاب المقدرة المالية العالية والمرتفعة. وتعتمد نظم المعاش المكملة والإضافية علي دعم ومساندة أصحاب الأعمال والشركات في جانب مهم منها وكانت الشركات الأمريكية الكبري تقدم حوافز للعاملين بها خاصة طبقة الإدارة العليا في صورة جزء من أسهم هذه الشركات يضاف اليها جزء من الأرباح السنوية الموزعة علي العاملين, ووفقا للنظم المتفق عليها في كل شركة كان يخصص جزء من هذه الحوافز والأرباح لصناديق التقاعد الخاصة ويتم استثمارها في البورصات والمشتقات المالية وغيرها وهي الصناديق التي تعرضت توظيفاتها لخسائر ضخمة ومروعة خلال الأزمة المالية العالمية, كما ان شركات التأمين تصدر بوالص تأمين علي الحياة بصور وأشكال مختلفة ومتعددة في الدول الصناعية الكبري منذ وقت طويل وتضمن مزايا مالية وصحية وكان جزء رئيسي من ثقافة المجتمعات الغربية في أوروبا وأمريكا يدفع لاتجاه أصحاب الياقات البيضاء من أصحاب الدخول والمرتبات العليا للاشتراك علي نطاق واسع في هذه النظم التأمينية الاضافية باعتبارها وعاء ادخاريا وهو ما يخالف ثقافة الادخار في غالبية الدول النامية التي تعتمد علي ثقافة الادخار الشخصي لمواجهة جزء من احتياجات الزمن القادم. ووفقا لقواعد التحضر المعاصرة وما تتضمنه من حقوق اقتصادية واجتماعية للمواطنين فإن كافة القوانين الاجتماعية التي تنظم حياة المواطنين يجب أن تلتزم بالتأكيد علي البعد الاجتماعي والانساني باعتباره مسئولية رئيسية من مسئوليات الدولة يندرج في النسيج الأصيل للعقد الاجتماعي الذي ينظم العلاقة بين الحاكمين والمحكومين ولا يمكن تجاوزه أو الخروج عليه وإلا تسبب في الفوضي والاضطراب وقد كانت مصر سباقة دائما في بناء الأسس الاجتماعية القومية وارتبط ذلك ببناء الدولة الحديثة في عصر محمد علي وعرفت مصر صورا وأشكالا مختلفة للتأمين الاجتماعي منذ منتصف القرن التاسع عشر في عام1854, وكان هناك نظام للمنح السنية من قبل أفندينا الخديوي, يمنح بناء عليها العاملون أراضي زراعية تختلف مساحتها وفقا للمرتبة الوظيفية التي يشغلها الشخص ثم تطورت الأمور بعد ذلك من خلال نظم ادخارية للعاملين ترتبط بالحسابات المالية الشخصية وفقا للقانون316 لسنة1952 والقانون419 لسنة1955 ولعدم ملاءمته وعدم كفايته لتوفير المعاش الملائم والمناسب انتقلت مصر عام1962 الي النظام الأكثر تطورا وحداثة وهو نظام التأمين الاجتماعي المرتكز علي قاعدة المزايا المحددة لأصحاب المعاشات تأكيدا علي الأبعاد الاجتماعية والانسانية للتنمية وتوسيعها القاعدة للاستفادة من ثمارها وعائدها. تجارب عالمية مريرة مع تطبيق نظام الاشتراكات المحددة وتثبت تجارب العالم الارتفاع المروع لتكاليف إدارة نظم التأمينات الاجتماعية مع تبني نظام الخصخصة كما تثبت أيضا اتساع نطاق التهرب من الخضوع للنظام بقواعده المستحدثة وفقا لفكر اليمين المحافظ, والأصولية الاقتصادية, وكانت النتيجة العملية لتطبيق نظام يماثل ما يقترحه مشروع قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات الجديد الذي أعده الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية أن نصف قوة العمل في شيلي بعد أكثر من عشر سنوات من التطبيق إما لم تشترك في النظام أو ان التراكمات المالية في حساباتها الشخصية لم تحقق المدخرات الكافية لتوفير مزايا ملائمة عند التقاعد مما أدي الي الاقتناع بعدم صلاحية تطبيق نطام خصخصة التأمينات الاجتماعية خاصة في ظل ارتفاع التكاليف الإدارية للنظام وما تحصل عليه الشركات الخاصة القائمة علي توظيف واستثمار المدخرات والتي بلغت19% في المتوسط, من اجمالي قيمة الاشتراكات وكان ذلك أحد الأسباب الرئيسية لتراجع وفشل الأحزاب اليمينة المحافظة في الانتخابات العامة, وتوجه المواطنون لتفضيل الاحزاب اليسارية وانتخاب رئيس جمهورية جديد من بينها وهو ما حدث بالفعل في عام2006 وترتب عليه القيام بإصلاحات جذرية في نظم التأمينات الاجتماعية استهدفت التأكيد علي البعد الاجتماعي والعودة لنظام المزايا المحددة لأصحاب المعاشات. وفي نظم التأمين الاجتماعي التي تتحمل الدولة مسئوليتها بشكل مباشر وتلتزم الحكومات بالاستثمار الآمن للأموال والتوظيف البعيد عن المخاطر ومثاله ما يحدث في أمريكا وغيرها من الدول الأوروبية والدول الصناعية الكبري فإن المصارف الإدارية للنظام منخفضة للغاية ولا تشكل عبئا علي النظام وتصل في أمريكا الي1% فقط من قيمة الاشتراكات المحصلة سنويا ويتم التوظيف والاستثمار أساسا في سندات الخزينة الأمريكية وهي نظم تلتزم بنظام المزايا المحددة لأصحاب المعاشات ولا تعترف بنظام الحسابات المالية الشخصية الذي تخضع مزاياه لظروف الاستثمار والتوظيف للمدخرات. وعقدة العقد ترتبط بفلسفة مشروع قانون التأمين الاجتماعي والمعاشات الجديدة التي تنحاز الي الرؤية الأصولية الاقتصادية للتيارات اليمينية المحافظة علي الرغم من أن الأزمة المالية العالمية الكارثية قد أفرزت وعيا عالميا واسع النطاق بين السياسيين والخبراء والمختصين وفي قطاعات الرأي العام بالدول الصناعية الكبري بفساد هذه الرؤية والنتائج المأساوية التي تتسبب فيها علي أرض الواقع وفيما يخص التأمينات الاجتماعية فإن العالم يملك نموذجين من التطبيق أولهما النموذج الذي يعكسه نظام التأمين والمعاشات المطبق في مصر كما في أمريكا وأوروبا والدول المتقدمة القائم علي نظام المزايا المحددة للتأكيد علي البعد الاجتماعي والانساني, وفي مقابلته النموذج الثاني الذي طبق بالفعل في عدد من الدول النامية وفشل فشلا ذريعا ومدويا بكل الحسابات والمعايير الاقتصادية والاجتماعية والسياسية, وتسعي وزارة المالية الي تطبيقه وفرضه في مصر بالمخالفة لأبجديات الخبرة العالمية بحكم انه يقلب الأمور رأسا علي عقب, حيث يدفع نظام التأمين الاجتماعي إلي خانة التأمين التجاري ويعود به الي الوراء والخلف ليفرض نظاما للادخار الشخصي بديلا عن نظام التأمين الاجتماعي التكافلي المضمون من الخزانة العامة بمزايا محددة لاتقل بل تزيد, حيث يعتمد علي حسابات ادخار شخصية مرتبطة بكل شخص بما يخرجه تماما عن كونه نظاما للتأمين الاجتماعي. شبهات الانقضاض علي الاحتياطيات الضخمة للتأمينات الاجتماعية وفي الحالة المصرية فإن هناك اتهاما محددا للمشروع بأنه يسعي بالأساس لحل جانب من مشكلة الخزانة العامة وجانب من مشكلة العجز بالموازنة العامة علي حساب البعد الاجتماعي وعلي حساب أصحاب المعاشات, وان بداية التحايل كانت في ضم التأمينات الاجتماعية الي وزارة المالية وما يتبعها من إجراءات لضم أموال التأمينات الي الخزانة العامة للدولة بالرغم من أنها أموال خاصة وليست أموالا عامة, فهي ملك لأصحاب الاشتراكات من العاملين, وهي بعد ذلك ملك لهم كأصحاب معاشات وملك للمستحقين عنهم وفقا للقواعد السارية والمحددة بالقانون, وتشكل أرصدة أموال التأمينات والمعاشات قيمة بالغة الضخامة في الوقت الراهن مما يشكل إغراء شديدا للاستيلاء عليها أو علي الأقل الجزء الأكبر منها وتبلغ تقديرات القيمة الإجمالية للاحتياطيات والأرصدة المملوكة لنظام التأمينات الاجتماعية نحو400 مليار جنيه تشكل الجزء الأكبر من الدين العام الداخلي المستحق علي الخزانة العامة وقد تحققت هذه الأرصدة علي الرغم من سطوة وسيطرة الخزانة العامة علي أرصدة واحتياطيات التأمينات الاجتماعية وفرض سعر فائدة متدن للغاية كعائد سنوي عليها وهو السعر الذي ارتفع نسبيا مع انشاء بنك الاستثمار القومي وقيامه باستثمار أموال التأمينات الاجتماعية من خلال إقراضها للهيئات الاقتصادية والخدمية والشركات العامة وكان دائما السعر المحدد يقل كثيرا عن سعر الفائدة السائد في الجهاز المصرفي للقروض المثيلة وهو ما يعني دائما ان أصحاب المعاشات كانوا يدعمون بشكل مستمر ومتواصل الموازنة العامة للدولة ويدعمون استثمارات خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكل واضح وملحوظ, ويكشف الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري العليا بتاريخ15 فبراير2010 برفض الطعن المقدم من الحكومة ومن وزير المالية علي الحكم الصادر بعدم قانونية قرار وزير المالية رقم272 لسنة2006 بشأن تعديل اللائحة التنفيذية لمشروع الموازنة العامة للدولة والذي تم بمقتضاه ضم أموال التأمين الاجتماعي للخزانة العامة عن جانب مهم من الأبعاد الخفية والمستترة لمشروع القانون الجديد وأهدافه ومراميه حيث قضت المحكمة بأن هذا القرار يشوبه عدم الدستورية, وأحالت القضية للمحكمة الدستورية العليا للفصل النهائي فيها ثم فصل التأمينات الاجتماعية عن وزارة المالية بحكم أن التعديلات علي لائحة الموازنة العامة للدولة تستهدف ان تذوب فيها الأرصدة المتراكمة لنظام التأمين الاجتماعي. *** بالقطع هناك مشكلات في نظام التأمينات الاجتماعية القائم بالرغم من ثرائه الفاحش واحتياطياته بالغة الضخامة, وهي مشكلات تستوجب تعديل القانون الحالي في بعض مواده وفقراته فقط لاغير ولكنها لاتستوجب علي الإطلاق الانقضاض علي فلسفته الاجتماعية والانسانية وهدم أركانها وتقويض دعائمها بما يضير بمصالح المواطن المصري ويدفع الي الفوضي والاضطراب وإشاعة القلق والتوتر وعدم الرضا بين القاعدة العريضة من المواطنين في وقت تحتاج فيه مصر إلي الاستقرار والهدوء والطمأنينة وتدعيم المكاسب الاجتماعية المحققة بتوسيع نطاقها وتحديثها وتطويرها بما يتلاءم مع متغيرات العالم وخبراته وتجاربه الناجحة وعدم الوقوع في فخ التجارب الفاشلة والمهلكة. هناك مشكلة ترتبط بالعلاوات الاجتماعية التي تقررت للعاملين بالدولة منذ عام1987 وما ارتبط بها من زيادة في المعاشات تقرر أن تتحملها الموازنة العامة للدولة وتراكمت قيمتها علي امتداد السنوات الماضية وأصبحت تشكل عبئا علي الموازنة حتي أصبحت الخزانة العامة تتحمل نحو70% من اجمالي المعاشات والتعويضات المنصرفة وهي مشكلة قابلة للحل والعلاج من خلال برنامج زمني طويل الأجل يأخذ في الاعتبار الفوائض الضخمة المتراكمة لأصحاب المعاشات ويأخذ في الاعتبار تزايد قيمة الفوائض التي تحققها صناديق المعاشات عن نشاطها الجاري التي بلغت18.6 مليار جنيه عام1999/98 وارتفعت الي28.2 مليار جنيه عام2004/2002 وتصل في الوقت الحالي لنحو35 مليار جنيه وهو ما يحتاج الي هندسة مالية جديدة لاحتياطيات النظام والعائد, مع توظيفها في النطاق الآمن والمأمون حتي لا تشكو وزارة المالية من الأعباء التي تنتج أساسا من سوء الإدارة والافتقار الي بديهيات الرشاد. ومع ضرورات الارتفاع والزيادة لقيمة المعاشات ليس فقط بما يعادل معدلات التضخم السنوية كما يتم علي امتداد السنوات الماضية ولكن ايضا بما يتوافق مع الاحتياجات الحقيقية لمتطلبات المعيشة الكريمة واللائقة لأصحاب المعاشات فإن تعديلات لابد وأن تتم للقانون الحالي بما يسمح باستخدام منظم لجزء من الاحتياطيات القائمة التي تزيد علي400 مليار جنيه لمنح مزايا إضافية تتضمن بالدرجة الأولي رفع الحد الأدني المتدني وربع الحد الاقصي المنخفض بشكل ملحوظ وملموس. ولابديل من اجتهاد سريع وعاجل للتوسع في نظام التأمين الاجتماعي المكملة والأضافية والتي هي أساسا اختيارية وهي كذلك قائمة علي قاعدة الحسابات المالية الشخصية ويصلح مشروع القانون المقترح ان يكون قاعدة انطلاق للتفكير المجتمعي المعمق والدقيق في الشكل الأفضل والأسرع لتحسين أوضاع اصحاب المعاشات بمنطق يزاوج بين المنطق التجاري والمنطق الاجتماعي التكافلي ويسعي في نفس الوقت الي التأكيد علي المسئولية الاجتماعية لمجتمع الأعمال الخاص وشركاته ومنشآته ويضع لبنة رئيسية لثقافة مجتمعية لازمة وضرورية لتوسيع نطاق الادخار المنظم لمواجهة احتياجات المستقبل ومتطلباته وهو ما يطلق في النهاية نشاطا كبيرا لقطاعات كثيرة في مقدمتها قطاع التأمين وقطاع الخدمات الصحية والعلاجية وقطاعات رعاية الشيخوخة وتوفير احتياجاتها. لا يمكن الهروب من المشاكل عن طريق صناعة المزيد من المشاكل, ونظام التأمينات الاجتماعية الراهن مشكلته الكبري شيوع التهرب التأميني في القطاع الخاص ومنشآته وشيوع التأمين علي العاملين بحدود دنيا من الأجر في ظل غياب شبه كامل للأجهزة المسئولة وعجزها وعدم قدرتها علي فرض هيبة القانون واحترامه, ولايمكن ان يكون الحل الأمثل بالهدم الكامل للنظام القائم وبناء نظام افتراضي يضر بمصالح الغالبية العظمي ويهدر حقوقهم الدنيا ولا يفيد إلا القادرين, وهو بذلك نظام يفتح أبواب الجحيم التي فتحها من قبل في الدول التي تجرأت وطبقته إرضاء لنزوات اليمين المحافظ والأصولية الرأسمالية العالمية؟!