هيا بنا نتحاور حواراً ديمقراطياً راقياً في الأسلوب واللغة المستخدمة ووضوح المعني والهدف مع الإخلاص في الوصول إلي النتائج من أجل وطننا مصر وذلك طبقاً للقواعد المعمول بها في لغة الحوار وآدابه المعروفة وحسب ما تمليه علينا موضوعات النقاش والمجادلة وآراء الشخصيات المنوط بها تفعيل هذا الحوار وصولاً إلي تحقيق التوازن المطلوب في مجمل حياتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية وبالطبع الحياة العلمية والتعليمية ومعها الحياة الثقافية المصرية وعلاقة كل ذلك بالمحيط العربي الذي تطل عليه الحدود الجغرافية لمصر. يتبع كل ذلك الحياة في إطار الرياضة وفي عالم الفن وفي دنيا الإعلام، الواضح من الوهلة الأولي أن هناك عدم انسجام بين قطاعات مختلفة من شعب مصر حول كل - أو جزء من - تلك القضايا وأن هناك حالة من البلبلة تجتاح العقول والنفوس مما يؤدي إلي ارتفاع حدة الخلاف في الرأي وفي الفعل وردود الفعل بين أبناء الوطن الواحد وبين أبناء الجيل الواحد. ولقد كنت أتمني أن يكون هذا الحوار المفترض ضمن منظومة مجتمعية معروفة ولها حق الحوار في السياسة وليست ممنوعة عنه مثل النقابات والنوادي وبالطبع ستكون الأحزاب هي المكان الطبيعي لمثل هذه الحوارات بدلاً من مناقشات المترو والترام والمقاهي التي تشبه حوار الطرشان فالكل يتكلم ولكن لا أحد يسمع الآخرين حتي برامج الحوار في القنوات المرئية كلها ضجيج دون طحن!! حيث إنه من المفترض أن الحرية والديمقراطية جناحان لكل دولة متقدمة ولكنهما ترف بالنسبة إلي تلك الدولة النائمة تلك المسألة قد تم حسمها منذ قديم وتنطبق شروطها علي كثير من الدول التي نجحت في عمل التنمية والاستقرار وأحرزت التقدم في مجالات كثيرة أهمها الحالة السياسية والحالة الاقتصادية. ولكننا هنا في مصر في مجال السياسة لايزال الحوار يسير في اتجاه واحد ولا يشير إلي أي احتمالات تدخل في نطاق التوقع مثلاً فيما يخص انتخابات رئاسة الجمهورية للفترة المقبلة التي قاربت علي الأبواب ولقد ألمحت فيما سبق إلي ضرورة أن تتحد أحزاب المعارضة وتتوافق علي أي اسم وأي شخص له وزنه الوطني والسياسي كي يخوض الانتخاب أمام مرشح الحزب الوطني الذي يمتلك الأغلبية العددية ولديه الأسبقية الواقعية في تسيير الأمور منذ ثلاثة عقود واكتسب التعاطف الجماهيري الكبير كما أنه يحوز معارضة لا حدود لها ولا فاعلية لها أيضاً. لكن هيهات أن تتفاعل أحزاب المعارضة من أجل هدف تطلبه الجماهير بشكل قوي ضمن سلبية العمل العام، ولقد اكتشفت أن العلاقة بين المواطن وبين صندوق الانتخابات يحكمها الملف الأمني في ضرورة دخوله إلي قسم الشرطة لتسجيل الاسم وفي شهر ديسمبر من كل عام ونحن شعب يخاف من العسكري ولا يستحيي من الوزير! ولذلك نجد نتائج الانتخابات تأتي بما لا يقبله الناس. أما في مجال التجارة والاقتصاد فلا أظن أن الحالة التي تشبه أسواق الريف تظل سائدة إلي هذا الزمن من حيث فوضي التسعير وعشوائية التجارة وتري البضائع وتواطؤ الباعة والمستهلكين في نوعية المنتجات وكل ما يتعلق بعمليات البيع والشراء لجميع ما نستهلكه من أشياء مثل سوء التخزين والتداول وفساد الأطعمة والغش التجاري، مع استيراد كل الأغذية الرديئة وليست قضية القمح المستورد الفاسد ببعيدة. كما أن قضية الدعم يجب أن نصل فيها إلي حل يرضي جميع الأطراف، وهم الأفراد من الطبقات المتوسطة وما دونها ويرضي ميزانية الدولة التي يتسرب فيها الدعم بشكل مستمر يفوق قدرات الميزانية العامة لها، ومن هذا الدعم الذي يشمل رغيف العيش واسطوانة الغاز التي وصل ثمنها في الشارع إلي أربعين جنيهاً ويزيد كما أن الدعم علي مواد التموين التي تصرف شهرياً لقطاع كبير من المواطنين حسب لون البطاقة التي يخرجها الحكم من جيبه أثناء طابور العيش وربما الزيت والسكر والفول والعدس حتي علبة الكبريت والمكرونة وما خفي كان أعظم! كذلك بعض المنتجات الأخري مع تغيير سياسة الدعم كل حين بشكل غير مفهوم حرصاً من كل وزير علي تنفيذ قرارات جديدة دون فائدة تذكر لصالح التجارة والاستهلاك بين الجماهير أو لصالح الموازنة العامة للدولة. كما أن أسلوب الحياة الاقتصادية المتأرجح بين القطاعين العام والخاص وما نتج عنهما من مشاكل مثل الاحتكار من ناحية أو الإغراق من ناحية أخري لهو دليل علي ما نحن فيه من التضارب في التوجهات المطلوبة للدولة مثل غيرها من الدول. لكن في مجال العلم والتعليم لابد أن يتطور التعليم بما يفي باحتياجات هذا المجتمع ولا داعي للضحك علي ذقون بعضنا البعض بالقول بأن التعليم مجاني لكنه يكوي كل الأسر بنار الدروس الخصوصية والكتب الخارجية مع ضعف مستوي جميع التلاميذ والطلبة من الابتدائي إلي الجامعة وما بعدها أيضاً. بالفعل وقعت الأسرة المصرية في الفخ منذ ثلاثة عقود بين التعليم الحكومي عديم الفائدة والمعني وبين التعليم الخاص الذي يحتاج إلي آلاف مؤلفة من الجنيهات كل عام، حتي التعليم الجامعي غاب عن أي تقييم في الداخل والخارج. من يتصور أن طلبة جميع الكليات بلا استثناء وفي جميع الأقسام والمراحل يلجأون إلي التعليم السري أي الدروس الخصوصية وهي ليست خصوصية بالمرة لأنها تضم عدداً من التلاميذ والطلبة يتراوح ما بين سبعة وسبعين في الجلسة الواحدة! وهي بالمناسبة بعيدة تماماً عن تدريس المنهج ولكنها فقط للتدريب علي أسئلة قد تجيء أو لا تجيء في الامتحان بإجابات مكتوبة في مذكرات من صفحة واحدة يمر عليها الطالب مرور الكرام عند دخول لجنة الامتحان. من يتخيل أن جميع شباب هذه الأيام يعتمد علي الدراسة المصطنعة أي الدروس الخاصة من المرحلة الابتدائية حتي التخرج وبعدها لا يصلح لأي عمل من الأعمال لأن الخريج فاقد الأهلية التعليمية، ولقد كان عباس العقاد حاصلاً علي شهادة إتمام الدراسة الابتدائية وكان يضاهي في معرفته حملة الدكتوراه في أي فرع من الفروع الأدبية والعلمية. ولا داعي لتكرار الحديث عن تطوير التعليم حيث إن الكلام وحده لا يكفي ولقد قلت قديماً إن الرجوع إلي نظام الكتاتيب في المرحلة الأولي سوف يفيد التلاميذ في معرفتهم اللغة العربية جيداً من خلال لغة القرآن ولا فرق في تلك المرحلة بين أبناء الوطن لأن اللغة العربية هي الأساس الذي تنبني عليه كل المواد الأخري بما فيها اللغات الأجنبية بدلاً من الفصل الحالي في نوعية التعليم بكل مفرداته المستوردة من الخارج.