إنشاء المحاكم المتخصصة والتوسع فيه أمر تقتضيه ظروف الحال لما سيحققه ذلك من سرعة للفصل في القضايا وتنوع جهات التقاضي والتزام التخصص في مجال التقاضي وصيانة حقوق المواطنين في المجتمع وللتخفيف والتقليل من عدد القضايا أمام المحكمة الواحدة ولا شك أن الدولة ومنذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي قد بدأت تحذو هذا الحذو من إنشاء نيابات متخصصة في بعض نوعيات القضايا "نيابة المخدرات - نيابة الآداب - نيابة أمن الدولة - نيابة المرور - نيابة البلدية..." حتي وصل النظام القضائي في مصر أخيراً إلي إنشاء المحاكم الاقتصادية وقبل ذلك محاكم الأسرة ولا شك أنها تجربة ناجحة بكل المقاييس وهو ما يدعو إلي تعميم الفكرة والتوسع في مجال إنشاء محاكم متخصصة وتحقيق الغرض الذي قام علي أساسه النظام القضائي في مصر وما نصت عليه المادة 68 من الدستور المصري من أن "التقاضي حق مصون ومكفول للناس جميعاً ولكل مواطن حق الالتجاء إلي قاضيه الطبيعي وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا" وما نصت عليه المادة 69 من الدستور المصري أيضا من أن يكفل القانون لغير القادرين الالتجاء إلي القضاء والدفاع علي حقوقهم هو وكل ذلك لا تحققه إلا العدالة السريعة الناجزة لأن المبدأ في القضاء أن العدالة البطيئة هي والظلم سواء ولن تتحقق العدالة السريعة الناجزة إلا بالتوسع في مجال التقاضي وزيادة عدد القضاة وإنشاء المزيد من المحاكم والتوسع في مجال المحاكم المتخصصة فلا شك أن إنشاء المحاكم الاقتصادية قد حقق طفرة كبيرة في هذا المجال إذ شهدت هذه المحاكم جيلاً جديداً من السادة القضاة وأعضاء النيابة العامة والمحامين والموظفين الإداريين ممن تلقوا دورات قانونية متخصصة في المجال الاقتصادي ونوعية القضايا الاقتصادية كما أن ذلك ساهم في بناء وافتتاح محاكم جديدة لهذا الاختصاص من القضايا، إضافة إلي تحديث أسلوب العمل وأسلوب الفصل في قضايا تلزمها ثقافة متخصصة ونوعية وليتنا نري محاكم متخصصة في جرائم النفس "القتل والضرب والخطف والاغتصاب وغيرها" ومحاكم متخصصة في جرائم الأموال "الاختلاس والاستيلاء والسرقة والتبديد" ومحاكم متخصصة في الجرائم الصحفية وهو اقتراح نادي به بعض المسئولين في مصر وأنا أؤيده في ذلك، إذ لا يعقل أن يقف رئيس تحرير صحيفة أو صحفي في قفص الاتهام مع المجرمين والمتهمين في قضايا المخدرات والدعارة رغم أنه يحاكم علي رأي أو فكر أو خبر نشره في صحيفته. إن النظام القضائي في مصر ونحن قد بلغنا التسعين مليوناً يحتاج إلي هذا التخصص وهذا الفكر القضائي النوعي فلا يعقل أن نضع أمام قاضي الجنح عشرات ومئات القضايا في يد واحدة ليفصل في موضوعات مختلفة ومتناقضة ونفترض في القضاة - خاصة الجدد من القضاة - الإلمام بكل القوانين وكل النزاعات علي اختلاف أنواعها ويطلب من القاضي الجزئي الذي لم يمارس العمل سوي عدة سنوات قليلة أن يفصل في قضايا السرقة والنصب وخيانة الأمانة والآداب والضرب وكل ما هو جنح فكيف يكون القاضي مختصا بكل شيء وبأي شيء إن التخصص مطلوب في المواد النظرية شأنه شأن الأمور الفنية إذ كيف تطالب الطبيب أن يختص بكل شيء وكل الأمراض ويختص المدرس بكل أنواع الدراسات والمواد التعليمية فلو أردنا عدالة سريعة وناجزة فلابد من المحاكم المتخصصة ولنا في المحاكم الاقتصادية ومحاكم الأسرة ما يطمئن لنجاح الفكرة.