أعد الندوة : مصطفى عدلى - حسن الكيلانى - أمنية أبوكيلة - أحمد عدوى مدرستى لا تعترف بالارتجال.. والجمهور ينقب عن العمل الجاد فى رحاب جريدة «الأخبار»، وبين جدران مبنى «موسى صبري» الذى ظل شاهدًا على قصص ونجاحات صحفية مدوية عبر تاريخ طويل، كانت خلاله دائمًا «الأخبار» هى بيت الصحافة الذى يحتضن رموز الفن والأدب من المبدعين فى مختلف المجالات، إيمانًا بدورهم فى بناء الإنسان المصرى عبر العصور، واليوم يتواصل هذا الدور، حيث تستضيف «الأخبار» على مائدتها المستديرة المخرج والمؤلف والإدارى النجم، فيلسوف المسرح المخرج خالد جلال، الذى فتح خزائنه ليروى حكايات عن الماضى ويكشف واقع المسرح الذى يعشقه، ويسرد كواليس لم تسجلها الكاميرات. نخوض معه بين السطور التالية لنسجل حدوتة مختلفة لمخرجٍ صاحب حضور طاغٍ بين الجمهور، وتخطت شهرته أبطال أعماله، فكان دومًا بمثابة «جواهرجي» تلمع بين يديه المواهب الحقيقية ليقودها بحرفية لتتصدر المشهد الفني. د. أسامة السعيد: خالد جلال «صلاح جاهين هذا الجيل» بتعدد مواهبه بدأت الندوة بترحاب الكاتب الصحفى د. أسامة السعيد، رئيس تحرير «الأخبار»، بالمخرج خالد جلال، مؤكدًا أنه يعد بالنسبة لهذا الجيل بمثابة «صلاح جاهين» متعدد المواهب بين التأليف والإخراج، فهو إدارى بدرجة فنان ومبدع حقيقي، نجح فى خلق مساحة خاصة لنفسه جعلت من إبداعاته حدوتة تستحق أن تُروى وتُكتب، واستحق إعجاب وتقدير الجمهور عبر مسيرة طويلة زاخرة بالنجاحات.. ليعقب تلك الكلمات سؤال يدخل مباشرة إلى قلب الحوار: هل توجد لدينا أزمة مسرح الآن؟ فى البداية، أعرب خالد جلال عن سعادته بالتواجد داخل هذا المبنى الذى يمثل حقبة مهمة فى تاريخ الصحافة المصرية، وسعادته بالتواجد وسط تلك الأقلام الصحفية التى تمثل ذاكرة حقيقية وفريدة لكل الأحداث التى تجرى حولنا، ليجيب بعدها عن السؤال قائلاً وبدون تردد: «قطعًا لا توجد لدينا أزمة مسرح، لقد كنت رئيسًا لقطاع الإنتاج الثقافى لأكثر من عشر سنوات، وأؤكد أننا ننتج فى العام أكثر من 4 آلاف مسرحية، وهذا الأمر لا يمكن أن يحدث فى معظم بلاد العالم»، مضيفًا: «لدينا روافد إنتاج كثيرة ومتنوعة وثرية، وأقرب مثال المسرح الجامعى ينتج العديد من المسرحيات، ويمنحنا كمًّا هائلاً من الفنانين الشباب، هذا إلى جانب مسرح الدولة الذى يملك 9 فرق مسرحية تنتج بشكل حقيقي، فأنا لا أرى أزمة فى القطاع المسرحي. فالمسرح هو رافد يغذى الثقافة بشكل واضح وحقيقي، لكن حالياً لم يعد الاهتمام بنقل التجربة الحقيقية أولوية». ويضيف خالد جلال: «للعلم لدينا دائمًا حضور كثيف للجمهور ولا يوجد كرسى فارغ فى المسرح القومي، والأمر نفسه مع مركز الإبداع الفنى والهناجر والسلام، وما ينقصنا فقط هو تسليط الضوء على المسرح بالقدر الكافي، والترويج الإعلامى لما يُقدَّم، وقتها ستنتقل التجارب الجادة للجمهور وليست تلك التى تعتمد على «الإفيهات» فقط». ■ هل الجيل الجديد بعيد عن المسرح أم مازال يبحث عنه؟ الجيل الجديد ليس بعيدًا عن المسرح، بل يبحث عنه بطرق أخرى، فهناك جيل من الشباب يسعى لإحياء المسرح من خلال وسائط أخرى مثل استخدام المنصات الرقمية والتلفزيون. العمل الجيد دائمًا ما يفرض نفسه، وذلك ما حدث مع مسرحية «قهوة سادة» التى عُرضت على خشبة المسرح القومى عام 2008 ثم عُرضت على قناة القاهرة والناس، ورغم ذلك استمرت بعدها لمدة 6 أشهر على المسرح القومي، ووصل الأمر لحضور رجال الشرطة لتنظيم الحضور الجماهيرى من كثرة التزاحم، ثم تمت إعادة عرضها فى 2013 و2018. وأذكر أنه بعد عرض هذه المسرحية فى التلفزيون طلب د. صابر عرب، وكان وقتها وزيرًا للثقافة، عرض المسرحية فى معرض الكتاب فى تونس. ■ هل نحتاج مسرحًا يناسب الجيل الجديد؟ - الطبيب الذى يتوقف عن المذاكرة وتطوير نفسه يفشل فى وضع العلاج ويتسبب فى موت المرضى، كذلك المبدع. وأقولها بصدق: يجب على المبدعين أنفسهم أن يتطوروا بنفس تطور الحياة ومواكبة العصر، ومن لا يستطيع تحقيق تلك المعادلة فعليه أن يجلس فى بيته. ومؤخرًا اكتشفت عددًا من المخرجين الشباب منهم هانى عفيفى ومحمد الحسينى وأحمد فؤاد الذى قدم عرض «أم كلثوم»، بالمناسبة جميعهم تلاميذى من خريجى مركز الإبداع الفني ■ تصادف هذا الأسبوع عيد ميلاد صلاح جاهين، فكيف تأثرت به؟ - أول عرض مسرحى أخرجته فى حياتى كان «أفيش» يحمل رباعيات صلاح جاهين، لأننى متيم بهذا الرسام، الشاعر، الرجل العظيم، والذى أشعر بأنه كان ممثلاً عظيمًا أيضًا. فالجمهور أحب صلاح جاهين فى كل حالاته ومواهبه المتعددة، فمثلاً عندما شارك بالتمثيل فى فيلم «لا وقت للحب» علق مع الجمهور الذى أحبه مثله مثل الفنان رشدى أباظة والفنانة فاتن حمامة، رغم أن دوره فى الفيلم لم يتعدَّ بعض المشاهد، وهو ما يعكس مكانته الكبيرة للغاية عند الجمهور. فصلاح جاهين بالنسبة لى «أيقونة» فنية عالمية. ■ هل هناك آلية أو اتفاقات لتصوير العروض المسرحية لتوثيقها؟ - نعم، وتتركز حول تصوير المسرحيات الفنية وإنشاء أرشيف، وفى الماضى كانت هناك عدة محاولات وبعض التجارب المحدودة مع شركة صوت القاهرة، والآن هناك أيضاً خطط ومحاولات لتصوير الأعمال المسرحية باستخدام أحدث أساليب التصوير مع الشركة المتحدة، وهو ما سيضيف للفن المسرحى ويجعله أطول عمرًا وأكثر انتشارًا، وأتمنى أن يزداد هذا التوثيق فى الفترة القادمة. فمازال المسرح قادرًا ومطلوبًا ومبهرًا. ■ ما رؤيتك للعلاقة بين الناقد الفنى والعمل المسرحي؟ - فى الماضى كان الناقد الفنى دومًا يمنحك رؤية موضوعية ويجعلك تسعى جاهدًا لمعالجات مستمرة للعمل الفني، وكان الجميع يتعاون من أجل خروج منتج يليق بتاريخ مصر الفنى دون حسابات شخصية. وأقول بمنتهى الحيادية: لو لم نستفق وندرك الفخاخ التى تدفعنا للسقوط فى معارك وهمية ومحاولات لخلق حالة من الفرقة الفنية، فسنحقق ما يطلبه أعداؤنا. أما ما نحتاجه دائمًا للسمو بالفن من كل العناصر فهو وجود أشخاص تُصدق ما تنتج وتُنتج ما تُصدق، سواء فى الحركة النقدية، أو فى الكتابة، وإن لم نتكاتف فلن ننجو. هل تواجه صناعة المسرح أزمة مالية؟ «قدمت «قهوة سادة» بتكلفة 22 ألف جنيه على مدار 365 ليلة، وأخرجت كمًّا هائلاً من النجوم. بينما كلفتنى مسرحية «حواديت» فى 2025 ما يقارب 68 ألف جنيه بسبب فروق الأسعار. فالأهم من المال الموهبة وهى متوافرة وبكثرة فى مصر، وهى أساس الإبداع». لماذا لا نستغل المسارح الرومانية لتقديم العروض للجمهور؟ هذه المسارح أنسب للحفلات الغنائية وليس العروض المسرحية، فعندما تتابع حفلاتها تشعر وكأن المطرب يغنى فى استاد القاهرة. فظروف الأماكن المفتوحة تليق بالموسيقى، لكن المسرح الدرامى يحتاج تجهيزات صوتية خاصة، حتى فى الأماكن المغلقة الواسعة. ■ هل ترفض تقديم المسرح التجاري؟ هذا غير صحيح، عملت فى المسرح التجارى لكن بشرط أن أقدمه بطريقتى لا بطريقتهم. كانت هناك صدامات فى البداية لأن معاييرى مختلفة. أنا أبحث أولاً عن مسرحية، لا عن شو راقص أو استعراضات، فالمسرح له ضوابط تحكمه بدقة ليكون هناك عرض مسرحي. ■ هل تسمح بأن يخرج الممثلون عن النص؟ - إن حدث ذلك أترك العرض فوراً وأسمّى ذلك مسئولية، والناس تدخل لأنها ترى اسم المخرج. وإذا لم يكن للمخرج اليد العليا فعليه أن يرحل فورًا. وأثناء البروفات أكون دائمًا مستمعًا جيدًا وديمقراطيًا جدًا حتى نستقر على الشكل النهائى للعمل، ومع بداية العرض أمام الجمهور أتحول لشخص ديكتاتورى ■ كيف ترى رسالة الفن ومسئولية الفنان؟ - أقول دائمًا: يوم القيامة سأُحاسب، لأن الفنان إما أن يبنى أو يهدم، إما أن يرفع الإنسان أو يظلِمه، وهذه هى خطورة مهنتك. أنت قادر على إنارة الطريق للملايين، وأن تحسن سلوكهم، أو تخدعهم بنشوة زائفة ومؤقتة مثل المخدرات التى تشعر من يتعاطاها بسعادة زائفة لكنها تقتله ولو ببطء، فالأمر فعلاً جلل ولا يوجد وقت لنهدره. فالاهتمام بالعملية الفنية يحتاج تضافر الجميع، وأعتقد أن الفترة الحالية تشهد اهتماماً كبيرًا من الدولة بالفنون وتقديرًا كبيرًا لدورها وتأثيرها. ■ هل ندمت على أعمال قدمتها كممثل أو مخرج؟ - طوال حياتى لم أفعل شيئًا وندمت عليه. ولو ظهرت فى مشهد واحد فالمهم أن يترك علامة ويتحدث الناس عنه. مثلاً فى مسلسل «عايزة أتجوز» مع هند صبري، الحلقة التى ظهرت فيها أصبحت «تريند» ضمن الحلقات الأكثر مشاهدة بعد أحمد السقا ونضال الشافعي، مع أننى لست ممثلاً محترفاً فالتمثيل ليس مهنتى الأساسية. وكذلك مشهدى فى فيلم «حرامية فى تايلاند»، إلى اليوم يتذكره الناس، ويقابلوننى قائلين (عيل بس مش عيل) التى رددتها فى المشهد الذى لم يستغرق ثوانى معدودة ومع ذلك يذكره الناس. ■ هل يحمل «الممثل» داخلك غيرة من «المخرج»؟ كنت أنا وماجد الكدوانى دفعة واحدة فى المعهد العالى للفنون المسرحية، مع د. عاصم نجاتى ود. عبير منصور، وكان ترتيبى دائمًا الأول أو الثانى فى قسم التمثيل.. لكن الإخراج والتدريب والكتابة والإدارة أخذونى من التمثيل، ولم أعد أمارسه إلا إذا طلبنى صديق، مثل المخرج رامى إمام.. أو الأستاذ وحيد حامد رحمه الله الذى اتصل بى يومًا وقال: يا خالد، أنت بتمثل؟ قلت: أحيانًا. قال: أريدك أن تأتى لتمثل دور الشيخ محب الدين الخطيب فى مسلسل «الجماعة»، حكى لى تفاصيل الشخصية التى تدور فى سبع حلقات فوافقت. وبعدها اتصلت بالفنان أحمد حلمى مداعبًا وسألته: أنت ظاهر فى كم مشهد بالمسلسل؟ قال: مشهد واحد. وسألت الفنان كريم عبد العزيز قال: مشهد أو اثنين. قلت لهما: أنا سبع حلقات! وكان ذلك على سبيل المزاح معهما، فأنا فخور جدًا وسعيد بما أقدم سواء كمؤلف أو مخرج. ■ هل وجودك فى المناصب الإدارية أضاف لعملك كمبدع؟ - أنا أرى أن خالد الفنان أفاد الإدارة لا العكس. تَرَبيْت فى مسرح الجامعة، حيث تُصنع المعجزات بقلة الإمكانات، وتعلمت الإدارة من التجارب الفنية الصعبة. وأذكر أننى فى روما أخرجت مسرحية «ليلة صيف» باللغة الإيطالية بفريق إيطالى كامل، كنت المصرى الوحيد. وصمم الأفيش للعمل وقتها د. أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة الحالى من شدة إعجابه بالعمل. كما عملت مع المراكز الثقافية الفرنسية والإيطالية، وأتذكر عندما عدت بعد دراستى للمسرح بالخارج توليت إدارة مسرح الشباب وأنا فى الثامنة والعشرين من عمري، ولم يأتِ مدير مسرح بهذا العمر حتى اليوم. وهنا أتذكر بكل تقدير الوزير الفنان فاروق حسنى صاحب الفضل فى ذلك، حيث دعمنى كثيرًا فى بدايتي. ولقد سعدت كثيرًا بتكريمه وتقديره من الدولة بوجوده فى صدارة الحضور لحفل افتتاح المتحف المصرى الكبير، وهى واحدة من لمسات التقدير لقيمة الفن والفنانين الذين قدموا لمصر الكثير. فنحن محظوظون فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى بتقديره للفن والفنانين لأنه رئيس يؤمن بقوة مصر الناعمة، وهذه الفترة هى الأكثر اهتمامًا بالقوة الناعمة. فأنا شخصيًا قدمت أمام الرئيس أكثر من عشرة عروض. ■ ما آلية الاختيار للالتحاق بمركز الابداع؟ - نجرى امتحانات ستة أشهر لاختيار 200 شخص، من بين آلاف المتقدمين ثم يتم اختبارهم ستة أشهر أخرى على ثلاث مراحل: مرة يأتون بمشاهد، ومرة نضع لهم المشاهد، لنرى هل الموهبة حقيقية أم لا، لأن هناك من يكون بارعًا فى الامتحان فقط ثم يقدم شيئًا مختلفًا بعد ذلك. وخريجو المركز من الدفعات المختلفة أصبحوا نجومًا فى التمثيل والإخراج والكتابة. وحلمى أن يكون هناك مركز إبداع فيه كل المجالات لاكتشاف المواهب الكثيرة فى مصر. ■ ما سر استمرارية نجاح مركز الإبداع حتى اليوم؟ - عُرض عليَّ مناصب كثيرة ورفضتها جميعًا، إذ فرضت على أن أتخلى عن مركز الإبداع، فهو بيتى الحقيقى الذى لا يحقق الأموال والمكاسب المالية لكنه مليء بالنجاح والولاء. الطلاب مرتبطون بالمكان وأنا مرتبط بهم فى علاقة إنسانية ودفء يدفعنى دائمًا لاستكمال المسيرة. ■ هل أثرت المجاملات على جودة الفن المصري؟ - المجاملات موجودة دائمًا لكن لا أحد يستمر بالمجاملة.. يمكن أن تفرض ممثلاً مرة أو مرتين، لكن إن لم يكن موهوبًا فلن يستمر وسيموت مع أول مشهد، لأن الناس لا يمكن إجبارها على أكل وجبة لا يحبونها. ■ حدثنا عن تجربة برنامج «كاستينج»؟ - لم أدخل فى حياتى عملاً تجاريًا، وبرنامج «كاستينج» يبحث عن المواهب فعلاً، ويرعاهم داخل الشركة المتحدة لأننا نعمل بإيمان وتصديق حقيقي، وهو ما حرصت على ضمان وجوده فى هذه التجربة، وهو ما سيُثبته المستقبل إن شاء الله، فهناك خطط لاستثمار ورعاية المواهب التى ستخرج من هذه التجربة. كان تكريمك بالمسرح القومى يومًا حافلاً.. ماذا يمثل لك هذا اليوم؟ فى حفل التكريم لم أستطع السيطرة على نفسي. دخلت المسرح القومى ووجدت طلابى من كل الدفعات يصفقون، بكيت بصدق لأن هؤلاء هم كنزى الحقيقي. لم أسعَ لمنصب أو ثروة، فالثروة الحقيقية هم البشر. وسعيد جدًا بلقب الأب لمئات المبدعين من كل المحافظات.