سوف نفترض أن المفاوضات غير المباشرة التي اقترحها الأمريكيون علي الفلسطينيين مع الإسرائيليين قد بدأت بالفعل.. فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو ماذا سيفعل الأمريكيون إذا انتهت الفترة المقترحة لهذه المفاوضات غير المباشرة دون التوصل إلي اتفاق حول الحدود؟.. وحتي لا يتهم أحد الفلسطينيين بأنهم يضعون العقدة في المنشار، فإن هذا السؤال الذي طرحه الفلسطينيون علي الأمريكيين قبل أن يوافقوا بشكل نهائي علي اقتراح المفاوضات غير المباشرة ضروري، لأن احتمال إخفاق هذه المفاوضات غير المباشرة هو الاحتمال الأرجح حتي الآن وأسباب ذلك عديدة. أولاً: أن الإسرائيليين يرفضون وقبل بدء هذه المفاوضات أن تكون القدسالشرقية موضعا لها، لأنهم يعتبرونها مع القدسالغربية مدينة موحدة ولا يقبلون بالانسحاب منها.. بالإضافة إلي أنهم قرروا سلفا عدم الانسحاب من غور الأردن حتي تبقي قواتهم محتلة الشريط الحدودي للضفة مع الأردن.. وفوق ذلك فإنهم أعلنوا أيضا الاحتفاظ بمساحات كبيرة من الضفة الغربية المقام عليها المستوطنات الإسرائيلية الكبيرة.. وكل هذا يرفضه الفلسطينيون ولن يقبلوا به.. ولذلك لن تنتهي المفاوضات إلي اتفاق ما دام الإسرائيليون يصرون علي الاستيلاء علي الأراضي الفلسطينية. ثانياً: أن الإدارة الأمريكية ذاتها لا تريد أن تمارس دوراً أكبر من دور ساعي البريد حتي الآن بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.. وهي تعلن علي لسان مسئوليها أنها تساعد فقط علي جمع الطرفين علي مائدة المفاوضات ولا تريد أن تكون وسيطا فعالا يطرح حلولا ويسعي إلي إقناع الطرفين بها.. ولذلك سوف يتم استهلاك الثلاثة أشهر المحددة للمفاوضات غير المباشرة دون التوصل إلي اتفاق حول الحدود وسيجد الفلسطينيون أنفسهم وقد أضاعوا ثلاثة أشهر في مفاوضات غير مباشرة دون فائدة تذكر. ثالثا: أن الوعد المطروح بأن يلتزم الإسرائيليون بتجميد غير معلن للاستيطان في الضفة والقدس خلال فترة الثلاثة أشهر، ليس مضمون التنفيذ من قبل الإسرائيليين.. بل أن الإسرائيليين قد يلجأون لإحراج المفاوض الفلسطيني للقيام بعمليات علنية للبناء في المستوطنات، وذلك حتي يضطر المفاوض الفلسطيني لإيقاف المفاوضات ليبدو في النهاية وكأنه هو الذي تسبب في فشلها، أي أنه من المتوقع تفجير المفاوضات غير المباشرة هذا من جانب الإسرائيليين دون التوصل إلي أي اتفاق. لكل هذه الأسباب الاحتمال الغالب لهذه المفاوضات غير المباشرة هو الفشل وعدم التوصل إلي اتفاق حول الحدود الفلسطينية، وبالتالي عدم الاتفاق علي تحويل هذه المفاوضات غير المباشرة إلي مفاوضات مباشرة.. لذلك فإن الفلسطينيين محقون لأن يسألوا الأمريكيين ماذا سوف يفعلون إذا حدث ذلك؟ وأعتقد أن هذا ما سمعه ميتشيل في القاهرة أيضاً فنحن لا نبغي مفاوضات من أجل المفاوضات، أو مجرد استهلاك للوقت، واعطاء انطباع بأن عجلة العملية التفاوضية تدور وليست متوقفة.. نحن نريد مفاوضات محددة سلفاً أهدافها وهو إقامة الدولة الفلسطينية علي حدود 1967 وتكون القدسالشرقية عاصمة لها، وتكون المقدسات الإسلامية تحت سيطرة وإشراف العرب. وإذا ما بدأت هذه المفاوضات المباشرة في هذا الإطار فسوف تكون واشنطن ملتزمة إذا ما انتهت الفترة المقترحة لها، وهي ثلاثة شهور، بأن تتخذ موقفا هي والرباعية الدولية بما فيها مجلس الأمن. أما الدوران في حلقة مفرغة هكذا.. فإنه لن يثمر شيئاً.. وإذا كان الأمريكيون يريدون بالفعل حلا لمشكلة الملف النووي الإيراني فإن ذلك لن يتم إلا من خلال حل المشكلة الفلسطينية.. فمثل هذا الحل سوف يفقد الإيرانيين كثيرا من أوراقهم التي يشهرونها في وجه الأمريكيين الآن.