بعد مرور عام علي دخوله البيت الأبيض، أقر الرئيس باراك أوباما في مقابلة له مع مجلة "تايم" الأمريكية، في الحادي والعشرين من يناير 2010، بفشله في إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط، معترفا بأن توقعاته السابقة كانت مرتفعة أكثر مما ينبغي إزاء ذلك الصراع المستحكم. وحقيقة الأمر، أن هذا الإقرار يمثل اعترافا بواقع يلمسه الجميع؛ حيث مثل ملف الاستيطان في الضفة الغربيةوالقدس، وفقا لتصريحات الرئيس الأمريكي، أكبر عائق أمام استئناف المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية؛ نتيجة لتمسك السلطة الفلسطينية بالوقف التام للاستيطان بما في ذلك النمو الطبيعي، ليس كشرط مسبق وإنما كتنفيذ لما نصت عليه خطة خارطة الطريق التي وافق عليها كل من الطرفين واستندت إليها عملية التفاوض خلال أعوام سبقت عقد مؤتمر أنابوليس، وتم التأكيد خلال "مؤتمر الخريف" علي ضرورة تنفيذ الأطراف لالتزاماتهم وفقا لها، وأن توكل للولايات المتحدة مهمة الإشراف علي ذلك. وإذا كانت تصريحات الرئيس الأمريكي تعكس شجاعته في الاعتراف بالفشل وليس السعي لإيجاد مبررات تسمح بالتهرب منه، فإن الخطوة المنطقية التالية تتمثل في أن يكون ذلك نقطة بداية لمراجعة حقيقية وتقييم واقعي للموقف من الصراع وسبل التعامل معه، خاصة مع تأكيد الرئيس الأمريكي علي أنه لن يتخلي عن محاولاته لتسويته، الأمر الذي يفتح الباب أمام التساؤل حول مستقبل الدور الأمريكي في المنطقة بصفة عامة، والمسارات التي يجب إتباعها لتأمين نجاحها في تحقيق السلام بها علي وجه التحديد، وفي محاولة لتحديد بعض عناصر الإجابة علي هذا السؤال المحوري، يمكن الإشارة إلي ما يلي: 1- إن خطاب الرئيس أوباما في جامعة القاهرة في يونيو عام 2009 قد عكس إدراكا بضرورة تطبيع علاقات بلاده مع العالم العربي والإسلامي الذي تآكلت فيه بشكل كبير مصداقية السياسة الأمريكية خاصة في ظل إدارتي الرئيس السابق جورج بوش، وقد مثل الموقف الذي أعلنه آنذاك من ضرورة وقف الاستيطان بكافة أشكاله، بما في ذلك النمو الطبيعي، مدخلا مناسبا لتغيير صورة الولاياتالمتحدة في ذهن الشعوب العربية والإسلامية المطالبة بتطبيق قواعد الشرعية الدولية والابتعاد عن سياسة الكيل بمكيالين، إلا أن التطورات التي حملتها الشهور التي أعقبت إلقاء هذا الخطاب، وما أظهرته من عدم قدرة واشنطن علي التأثير في القرار الإسرائيلي في هذا الملف، كان من شأنه أن يدعم مواقف الأطراف المشككة في توافر النية الحقيقية أو القدرة الفعلية للإدارة الحالية علي التصدي الحازم للسياسات الإسرائيلية التي تذهب في اتجاه يتعارض مع توجهات الحليف الرئيسي للدولة العبرية، بل أن الأمر قد وصل إلي حد تعزيز الأصوات المتشككة في قدرة الرئيس أوباما علي إحداث التغيير المطلوب، والتي رأت في عباراته حول الصراع العربي-الإسرائيلي، بصفة عامة، وحول الاستيطان، بصفة خاصة، تعبيرا عن "السذاجة" السياسية من قبل رئيس لا يملك أدوات التغيير حتي وإن كان يرغب في تحقيقه، وذلك علي خلفية علاقة تاريخية تربط بلاده بإسرائيل، تم توصيفها من قبل وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جورج بال "بالتبعية دون تحمل المسئولية"، وفي سياق خبرة سابقة كشفت عن قدرة إسرائيل، كدولة، علي تحدي مواقف حليفها الأمريكي، فضلا عن الدعم الكبير الذي تحظي به لدي اللوبي اليهودي في أروقة صنع القرار الأمريكي، والذي يتحرك في الوقت المناسب لممارسة الضغط من الداخل علي الإدارة للدفاع عن الخيارات الإسرائيلية. 2- أن تصريحات الرئيس الأمريكي جاءت في وقت تواجد فيه مبعوثه الشخصي، جورج ميتشل، في جولته العاشرة، بالمنطقة في مهمة صعبة تمثلت في السعي لإطلاق المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية دون "شروط مسبقة"، ومن المؤكد أن توقيت هذه التصريحات لم يكن من شأنه أن يسهل مهمة السيناتور ميتشل في اقتناع السلطة الفلسطينية بالعودة إلي مائدة المفاوضات، حتي وإن كان ذلك مقابل تعهد أمريكي بإطار زمني محدد للعملية التفاوضية، ففي ضوء عجز واشنطن عن التأثير علي إسرائيل فيما يتصل بتجميد الاستيطان، كان من الصعب علي رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية أن يتماشي مع قدرة مفترضة علي الوفاء بالتزام أكثر صعوبة يتصل بمخرجات مفاوضات حول قضايا شائكة حددت إسرائيل مسبقا خطوطا حمراء لا يمكنها التراجع عنها بشأنها، وفي وقت تقف قوي فلسطينية لا يستهان بها تترصد خطواته في هذا المجال، لتضعها في خانة التنازلات والخضوع للضغوط الأمريكية. 3- إذا كان لجوء الدبلوماسية الأمريكية لمقترح البدء في التفاوض علي الحدود قد شكل مقتربا عمليا للخروج من المأزق الذي وجدت نفسها فيه من جانب، ولإخراج جهود السلام من حالة الجمود التي تحيط بها من جانب آخر، تظل الشكوك تحيط بمدي جدية الولاياتالمتحدة ومصداقية الضمانات التي يمكن أن تقدمها. وفي محاولة لتسويق هذا المقترب ركزت وزيرة الخارجية الأمريكية علي ضرورة النظر إلي "الغابة"، في إشارة إلي قضيتي الحدود والقدس، وليس إلي "الأشجار" والتي ترمز بها إلي المستوطنات، ودافعت المسئولة الأمريكية عن مقولة أن الوصول إلي تسوية حول كل من مسألة الحدود ووضع مدينة القدس من شأنه أن يحسم ملف الاستيطان. ومع التسليم بمنطقية الطرح الأمريكي، فإن إضفاء المصداقية عليه يتطلب قيام واشنطن بتحديد موقفها من نقطتين رئيسيتين علي صلة وثيقة بهاتين القضيتين بما يمكن الأطراف العربية من دعم مقتربها الجديد، وتتمثل هاتان النقطتان فيما يلي: * خطاب الضمانات الذي وجهه الرئيس جورج دبليو بوش في الخامس عشر من إبريل عام 2004 إلي رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون والمتضمن موقفا أمريكيا واضحا يؤيد عدم العودة إلي حدود عام 1967 في ضوء اعتبارين رئيسيين هما "الكتل الاستيطانية" الإسرائيلية من جانب، ومفهوم "الحدود التي يمكن الدفاع عنها" من جانب آخر. وفي هذا الخصوص، أعطي الخطاب ضمانات بتأييد أمريكي لبقاء الكتل الاستيطانية داخل حدود الدولة الإسرائيلية. * التفسير الذي تتبناه الإدارة الحالية لمضمون قرار مجلس الأمن رقم 242 والذي يقضي بعدم شرعية الاستيلاء علي الأراضي عن طريق الحرب من جانب، وينص علي حق دول المنطقة في حدود آمنة ومعترف بها من جانب آخر، خاصة في ضوء المعطيات الحالية علي أرض الواقع والتي تلاشت فيها صورة دولة إسرائيل الضعيفة المهددة من قبل جيرانها العرب، وأضحي ميزان القوة العسكرية يميل - بفضل الدعم الأمريكي أساسا- لصالح الدولة العبرية، في وقت أبدي فيه العرب رسميا- من خلال مبادرة السلام التي تم إقرارها في بيروت عام 2002 وأعيد التأكيد عليها في القمم اللاحقة- استعدادا للاعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها شريطة العودة إلي حدود الرابع من يونيو عام 1967، بما في ذلك القدسالشرقية، والتي أظهرت المفاوضات السابقة صعوبة الوصول إلي اتفاق تفاوضي حولها بين الأطراف المباشرة المعنية، في ضوء إعلان إسرائيل للقدس الموحدة عاصمة أبدية لها، ومطالبة الفلسطينيين باستعادة القدسالشرقية، باعتبارها أرضا محتلة، وإعلانها عاصمة لدولتهم المستقلة.