سؤال كثيرا ماتردد في المرحلة الأخيرة: قبل وبعد زيارة جورج ميتشيل المبعوث الشخصي للرئيس باراك أوباما إلي المنطقة... وقناعتي أنه يلزم إعادة صياغة السؤال ليكون أكثر إقناعا وواقعية ليصبح: فشل ميتشيل, فماذا نحن فاعلون؟ وأؤكد أن تقويمي لهذا الموقف ليس وليد الأمس, وإنما هو ابن اليوم, فالصورة لم تكن بهذه الضبابية عندما تولي باراك أوباما مقعد الرئاسة, للعديد من الظواهر أهمها: أولا: أن الرئيس باراك أوباما كان في تقدير غالبية المحللين السياسيين, مقتنعا بأن اقتحام الوضع الجامد والمجحف بل والمتفجر للموقف الفلسطيني الإسرائيلي خاصة بعد أحداث غزة الدامية, والتي سبقت توليه الحكم بأيام معدودة هو مفتاح تصحيح صورة الولاياتالمتحدة في المحيط العربي والإسلامي, وسبيل لتقليص النفوذ الإيراني المتنامي في منطقة الشرق الأوسط. ثانيا: أنه كانت هناك دلالات أخري, تؤكد أن الرئيس أوباما جاد في موقفه, وأهمها ملابسات زيارة بنيامين نتيانياهو للولايات المتحدةالأمريكية, والتي تمسك فيها الرئيس أوباما بكل جدية بمبدأ وقف التوسع الاستيطاني, والتأكيد علي هذا الموقف في مواجهة منظمة الايباك اللوبي الصهيوني الأمريكي في اجتماعها السنوي, كما أكدو ثني علي الموقف نفسه, وبصورة حادة في ذات الاجتماع, جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي. ثالثا: أن أسلوب تولي الرئيس باراك أوباما لرئاسة الولاياتالمتحدة, وكاريزماته العالية, وآثار مذبحة غزة في يناير2009 علي صورة إسرائيل دوليا وإقليميا, وما نتج عنها من تداعيات بعد تفجر تقرير جولدستون, كانت عوامل ضغط تمكن الرئيس أوباما أن يمارسها علي اللوبي الصهيوني في الولاياتالمتحدة, لحثهم علي إقناع بنيامين نيتانياهو بدفع عجلة المفاوضات. والبدء بخطوة إيجابية تقوم علي وقف الاستيطان, لتأكيد صدق النوايا الإسرائيلية لبدء محادثات جادة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطينيي للوصول إلي اتفاق سلام وترسيم حدود لدولتين إسرائيلية وفلسطينية, وحصول إسرائيل علي الموافقة الدولية علي يهودية الدولة الإسرائيلية, بما تحمله من تجميد لورقة حق العودة, والمحافظة علي النقاء العرقي الإسرائيلي, وترحيل فلسطيني إسرائيل, إلي دولة فلسطين الناشئة, وتلازم ما تقدم مع قدر من التطبيع الجزئي والمتصاعد بين الدول العربية وإسرائيل. رابعا: بدا واضحا في خطاب الرئيس باراك أوباما في جامعة القاهرة في يونيو2009 تمسكه بالربط بين السلام في الشرق الأوسط ومحاربة الإرهاب, والتقريب بين الولاياتالمتحدة والمسلمين. وكان ما دعاني إلي اتخاذ هذا الموقف المتشائم, هو هبوط إيقاع الولاياتالمتحدةالأمريكية, وعدم قدرتها علي الصمود أمام صلابة الموقف الإسرائيلي والصهيوني الأمريكي, وبدا ذلك واضحا عندما اعلن نيتانياهو موقفه في26 نوفمبر2009 من قبول وقف الاستيطان لمدة عشرة أشهر, مع الإصرار علي ألا يسري ذلك علي القدسالشرقية وهو تحد بالمطلق لموقف الرئيس أوباما. وازداد الأمر وضوحا بعد أن صرح الرئيس أوباما في حديث له لمجلة التايم الأمريكية بمناسبة مرور سنة علي توليه الرئاسة أنه كان مخطئا عندما رفع سقف توقعاته في بداية ولايته حول إمكانية حل الصراع الشرق أوسطي الصعب جدا, موضحا أنه كلما سعي لحل الموقف إزداد الأمر صعوبة, وأقر أنه لو كانوا قد توقعوا آنذاك مدي صعوبة المشكلات السياسية لدي جانبي الصراع, فلربما كانوا قد هبطوا بسقف توقعاتهم الكبيرة, واللافت للنظر أن هذه التصريحات قد جاءت مواكبة لزيارة جورج ميتشيل الثالثة عشرة للمنطقة. أكثر من هذا فإن خطاب الاتحاد الذي ألقاه الرئيس أوباما يوم الأربعاء الماضي قد خلا من أية إشارة إلي المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية أو العربية. إضافة لما سبق فإن ميتشيل لم يعط, ولو مجرد دلالات علي الهدف من هذه الزيارة, وما تم إنجازه خلالها, وجل ما ذكره أنه يتوقع التوصل إلي اتفاق سلام بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني في غضون عامين, وربما أقل من ذلك... وهو ما لا يتسق مع القياسات المنطقية للموقف, للعديد من الاعتبارات أهمها: 1 أن موقف الرئيس أوباما آخذ في الهبوط, خاصة بعد أن ضعف موقف الديموقراطيين في مجلس الشيوخ بعد فوز المرشح الجمهوري سكوت براون بمقعد السناتور تيد كنيدي في ولاية ماساتشوسيتس بعد وفاته والذي جاء عقب خسارة الديمقراطيين منصب حاكم ولاية نيوجرسي والمعروف أن عائلة كنيدي الديمقراطية قد احتفظت بهذا المقعد لمدة47 عاما متتالية, وبهذا الفوز يصبح للجمهوريين في مجلس الشيوخ41 مقعدا من100 مقعد, مما يمكنهم بأساليب الممارسة البرلمانية من عرقلة مشاريع القوانين التي ستطرح علي المجلس ومنها مشروع قانون الرعاية الصحية الذي يراهن الرئيس أوباما عليه علاوة علي ما تقدم فإن التجديد النصفي لمجلس الشيوخ سيحين في الخريف المقبل, وربما استطاع الجمهوريون إحراز نجاحات أخري, وضعا في الاعتبار أن بعضا من الديمقراطيين اليساريين والليبراليين قد بدأوا يعلنون تشككهم بقدرات الرئيس أوباما. 2 بعد سنتين من الآن سيكون الرئيس أوباما مشغولا بقضية إعادة ترشيحه للانتخابات الرئاسية المقبلة, ولن تكون قضية الشرق الأوسط علي قمة أولوياته في نهاية ولايته الأولي. 3 إن الوضع الاقتصادي والمالي وارتفاع نسبة البطالة إلي10,5% وزيادة القوات الأمريكية في أفغانستان, وعدم وجود تغير جوهري في العراق, وما بدا من دخول الولاياتالمتحدة في معاقل اليمن... كل هذا قد أدي إلي انخفاض شعبية الرئيس أوباما من74% عند بدء ولايته إلي56% الآن. والسؤال الذي يفرض نفسه الآن هو: هل نظل نراهن علي الرئيس باراك أوباما وممثله في الشرق الأوسط جورج ميتشيل, أم أن علينا أن ننحو نحوا جديدا؟ وقناعتي الذاتية أنه قد حان الأوان لطرق باب جديد لتحريك الموقف, بعد أن تبين لنا وبجلاء أننا نسير في طريق خاطيء: فالتفاوض من موقف الضعف هوان سياسي, والسير وراء السلطة واتفاق أوسلو قد أثبت فشله... وأري العودة بالقضية الفلسطينية مرة أخري إلي الأممالمتحدة, مع إحياء منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني, وجسد وروح المقاومة الشعبية الفلسطينية, والتي تضم تحت لوائها كل فيالق الفلسطينيين بمن فيهم فلسطينيو الشتات... مع تحميل إسرائيل مسئوليتها كدولة احتلال, ومحاسبتها دوليا وفقا لاتفاقية جنيف الرابعة, واستعادة الشعب الفلسطيني المحتل حق المقاومة من أجل تحرير أرضه.