معجون يوسف رخا بالجنون الأدبي، يكتب شعرا، ونثرا، ويرسم أعماله، ويصمم أغلفة كتبه، ويعمل في الصحافة باللغة الإنجليزية، في كتابه الجديد "كل أماكننا" دعوة شمولية هذه المرة للتجوّل بعيني رخا في المدن التي زارها وأقام فيها، كان قد صرّح عن عزمه بإنهاء الكتابة في هذا المجال، يصحح بأنه لن يترك الكتابة عن المكان، لكنه سيغير طريقته في التناول: "انتهيت من الكتابة بتقنية تكرار العناوين والصوت الواحد المتحدث بأكثر من نبرة، لا لشيء سوي لأنها انتهت فعلا، و"مش هتجيب" أكثر من ذلك". الكتاب الصادر عن دار العين، هو تجميع لديوانين وتنويعات علي نصوص شاردة بحسب وصفه، يكتب رخا في المكان عن علاقة العربي بالعربي: "ما يعنيني هو العالم العربي، لكن الغرب بشكل عام فهو حاضر رغما عني، أعني حضوره الثقافي المسيطر، لكن ما أطرحه هو فكرة العروبة كهوية ثقافية بكل تعددها، وليست العروبة بمنطق سياسي، أما في روايتي القادمة "الطغري" اتحدث بالأساس عن الهوية الإسلامية". يشرح رخا أن ما أراد تأكيده من خلال "كل أماكننا"، هو كسر الحاجز بين الشعر والنثر، أو السرد كما يفضل أن يطلق عليه، والمراهنة علي التنويع في الأشكال والأجناس بدون إحداث ترهّل، بل علي العكس بإمكانه أن يكون متماسكا ويحقق التطلعات المرغوبة، بغض النظر عن القواعد الشكلية: "لا أشعر بمسافة بين النوعين في كتاباتي علي الأقل، لما لا نجرب أن نضع الأشياء التي تبدو متناقضة بجوار بعضها، وننتظر النتيجة، التي قد تكون في صالحنا، النص بإمكانه أن يكون متماسكا "، من هنا يؤكد رخا أن التمسك والاتفاق عربيا علي قدم وأصالة الرواية العربية أمر غريب، رغم أن وجودها كشكل أدبي غير متأصل في التاريخ العربي، فالرواية في العالم العربي وفق رخا عمرها أقل من مائة سنة، وعلاقتنا بها مازالت في طور التكوين: "كثيرون لا يستوعبون أن الرواية كشكل ارتبطت بشرط تاريخي، فقد نشأت الرواية الكلاسيكية في روسيا وفرنسا القرن ال19بمنطق التسلية، مثلها مثل التليفزيون، كان ينظر للرواية علي أنها متعة رخيصة". يقول رخا إن ما مكّنه من الكتابة عن مدن مثل بيروت وتونس أنها مدن صغيرة بالمقارنة بالقاهرة، بدليل أنه عندما قرر الكتابة عن تاريخ القاهرة جاءت الرواية القادمة ضخمة، وعموما هو يشعر بطمأنينة حسب قوله في ظل غياب مرجعيات كبري بخصوص المكان، مما يعني غياب الفكرة الكبيرة المؤرقة دائما: "ليس في غيابها مصيبة، أحيانا يحتاج المرء إلي التماس ولو حتي فكرة تافهة أو صغيرة". نرجع للحديث عن المشروع القادم، فيخبرنا صاحب "بيروت شي محل" بأنها عبارة عن رحلات داخل القاهرة، وفيها تلامس مع الفترة العثمانية، وأنه اكتشف أن عدد الكلمات في أحد فصول تلك الرواية يتجاوز مجموع صفحات آخر كتابين له "بورقيبة علي مضض" و"شمال القاهرة شرق الفلبين"، والأهم من ذلك أنه اشتغل فيها علي درجة عالية من التخيل، صحيح أنها رواية عن التاريخ، لكنها - كما يري - ليست بحثا تاريخيا بالمفهوم الذي يتبعه جمال الغيطاني مثلا. في هذه الرواية أيضا كعادته لا يتخلي يوسف رخا عن لغته المحيرة، المراوغة والموسوعية، يعترف رخا أنه خائف من ردود الفعل تجاه لغة الكتاب خصوصا في العواصم العربية المتأثرة بالثقافة الفقهية، وبالتالي تنزعج من العامية المصرية، والتي تسرد في الرواية كما يوضّح حكاية خيالية غير واقعية وغير عقلانية بالمرة، وتحيلنا تقنية الأسلوب الذي يستخدمه فيها - أتيح التعرّف علي أجواء الرواية من إيميل كان رخا قد أرسله عبر مقتطف من الرواية ليقرأه الأصدقاء - إلي الكتابات التراثية التاريخية لدي الجبرتي بالتحديد وابن إياس، يقول: "استوحيت من هذه مثل الكتابات تكنيك تركيب الجمل والتدفق وروح الشفاهية الأسلوبية وليست اللفظية، خاصة أن كتابات الجبرتي مثيرة بالنسبة لي، لا أحاكيها ولا أتناص معها، بل بإمكان القول أنني استحضرها وأعيد إنتاجها"، إلي جانب ذلك يذكّر رخا بفترة ابن إياس بالتحديد والتي كانت متهمّة بتراجع الأدب فيها، وهو ما لا يراه رخا ويناقضه: "كانوا يكتبون بأسلوب الصحفيين مع غياب مفهوم الصحافة وقتها". بعد إدراج اسمه ضمن قائمة أدباء مسابقة بيروت 39 صرّح رخا بأنه يعيش مرحلة انتقالية في مساره، جعلته يلتفت إلي الأدب أكثر من ذي قبل، أسأله عن السبب، يحكي لي أنه إلي حد ما شعر بالتحقق علي المستوي الصحفي - التحق بهذا المجال منذ 1998- وقد شغله عن الكتابة الإبداعية لاعتبارات أكل العيش، أما بعد ذلك فيعتقد أنه انفتحت له مجالات للكتابة، لها علاقة بإحساس انتظار الناس لما سوف يصدره، يقول: "الكتابة طريقة حياة، ثم هي بالأساس مهنة، وبالنسبة لي كان مهما أن تمنحني شغلة الكتابة في الصحافة عائدا ماديا". c.v مواليد 1976 يعمل صحفيا بالأهرام ويكلي يكتب الشعر نشر له "بيروت شيء محل" 2006- "بورقيبة علي مضض" 2008 "شمال القاهرة غرب الفلبين" 2009 وكتابه الأخير "كل أماكننا" صادر عن دار العين يعمل حاليا علي رواية بعنوان "الطغري"