في بعض الأحيان تنتاب من يتصدون للكتابة اليومية حالة من الزهق والملل قد تتطور إلي نوع من أنواع الاكتئاب الذي قد يستمر طويلاً ما لم يقم المصاب "اكتئاب الكتابة المتواصلة" بعملية تغيير سريعة. البعض يتخذ قراراً صعباً جداً، وهو الانفصال السريع عن حياته اليومية العادية، ومحاربة الرتابة بالتوقف عن الكتابة لبعض الوقت، والبحث عن مكان أو حدث أو حالة يعيشها مغايرة، يعيد بها شحن بطارياته الداخلية للعودة من جديد. والبعض الآخر يحاول تجاوز هذه الحالة النفسية المبررة بمواصلة "الكتابة من تحت الضرس" أي يبذل مجهوداً مضاعفاً حتي لا يتوقف عن المسئولية الملقاة علي عاتقه، لأن هناك من ينتظره كل يوم حتي ولو كان قارئاً واحداً. مشكلة "الكتابة من تحت الضرس" أنها تفتقد في بعض الأحيان الروح فتبدو وكأنها عملية آلية، أو كان من كتبها كمبيوتر وليس إنساناً وهذا أسوأ ما يفعله كاتب بنفسه، أن يترك مشاعره وعقله جانباً ويمكن يديه من التحرك علي سجيتها وقيادته. الكتابة عملية معقدة جداً فهي تبدأ عبر تفاعلات معقدة في المخ حيث تولد الفكرة وتتوالي الكلمات والجمل والعبارات ثم تصدر إشارات من المخ تنتقل عبر وسائل موصلات إلي يد تمسك بالقلم أو أصابع علي لوحة مفاتيح الكمبيوتر. "الكتابة من تحت الضرس" عكس هذه العمليات بالغة التعقيد، فهي تبدأ وتنتهي بأصابع اليدين، وأحيانًا قد يتقبلها القارئ وفي أحيان أخري قد تبدو مقبولة ومعقولة لكنها في الغالب الأعم كتابة بدون لحم ودم وروح. لذلك أتفهم جدًا قرار بعض الكتاب بالتوقف لبعض الوقت وأحاول أيضاً القيام بذلك لكن غالباً لا أنجح في "تغيير النشاط" وإعادة شحن البطاريات وأواصل الكتابة. ويبقي أن يميز القارئ هل ما أكتبه هو "من تحت الضرس" أي بأصابع اليدين فقط أم إنه خلاصة تجربة وتركيز وحياة فيها ما هو أفقي، وما هو رأسي.. وتجارب أشخاص عديدين قابلتهم في الحياة وتركوا بصمات علي القلب والمخ. أنا شخصياً لا أعرف إجابة هذا السؤال.. ولا أعتقد أن هناك كاتباً يستطيع الحكم علي ما يكتبه وأحمد الله أن نشر الصحف علي الإنترنت قد مكننا من معرفة ردود أفعال وتقييم القراء بأشكال سريعة وهو ما افتقدته أجيال عديدة قبلنا. .. وتحيا التكنولوجيا.. وتسقط الرتابة والملل.. والكتابة بدون روح!