فى ظل ضغوط الحياة من الطبيعى أن يصاب الكبار بالاكتئاب ولكن المثير للدهشة أن يصاب الأطفال بهذا المرض الخطير حتى يصل الأمر للشعور بكراهية الحياة ورغبة شديدة فى الموت. وأحيانا محاولة الانتحار في سن صغيرة.. فما أسباب هذه الظاهرة؟ وكيف يمكن القضاء عليها؟ أم تشكو من أن صغيرها البالغ من العمر3 سنوات أصبح فجأة متعثرا في الكلام كثير البكاء يرفض اللعب مع الكبار والصغار ويتكرر معه التبول اللا إرادي وبعد عمل كل الفحوص الطبية يقرر الاطباء أنه مصاب بحالة نفسية! طفل في الثامنة من عمره يرفض الطعام والذهاب الي المدرسة والحديث مع زملائه وأشقائه وأسرته ويعيش منطويا ويغلق الباب علي نفسه ولاتعرف أسرته سبب هذا التغيير المفاجئ فيتوجهون به إلي طبيب نفسي لمعرفة أسباب رفضه للحياة فيقرر أنه الاكتئاب! ثالث يلقي بنفسه في النيل لخصام والده له ورابع بالابتدائي يشنق نفسه في تقليد لمشهد تليفزيوني وطفلة تلقي بنفسها من الطابق الرابع لرسوبها في الامتحان.. وأخري تحاول الانتحار لكثرة توبيخ أسرتها لها لتعثرها في الدراسة. هؤلاء وهناك غيرهم الكثير من البراعم البريئة الذين لاتتحمل مشاعرهم ضغوط البيئة المحيطة بهم فيدخلون في حالة الاكتئاب المرضي ومحاولة الانتحار في غفلة من الاسرة! تقول الدكتورة عزة كريم أستاذة علم الاجتماع: للأسف الشديد.. لايوجد بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية دراسة أو إحصائية عن حالات الاكتئاب لدي الأطفال برغم أنها أصبحت ظاهرة واضحة في مجتمعنا الآن ومع ذلك لم يتم تسجيل الحالات المترددة علي الأطباء النفسيين. فما يحدث لأطفالنا شيء غريب من الامتناع عن الطعام والانطواء والعزلة والعنف والكراهية للدنيا والتبول اللاإرادي والسير في أثناء النوم وكلها أعراض بل أجراس خطر تدق في مجتمع الطفولة البريئة فالأطباء النفسيون يؤكدون أن نسبة كبيرة من المترددين عليهم في عياداتهم أطفال. الطفولة المحرومة فالطفل الان حرم من طفولته وانتزعت منه براءته تضيف نتيجة للظروف والأوضاع المختلفة التي يعيشها. فقد نجد الام تتهرب من طفلها بوضعه أمام التلفاز فترات طويلة كنوع من الهروب حيث يستمع الطفل في هذه السن الصغيرة للكثير من المشاحنات والمشاجرات بين الأم والأب في الواقع وأمام التليفزيون. وتشير أستاذة علم الاجتماع إلي أنه للاسف في مصر كل أنواع الحضانات التي لاتقدر الاحتياجات الفعلية للطفل في هذه السن فنجد الحضانات تبدأ في إعطاء مواد دراسية وكتابية صعبة ومكثفة ويبدأ الطفل في التعرض للعقاب عند الخطأ أو اللعب وبالتالي تضغط الأم علي طفلها الصغير في المذاكرة وأداء الواجبات المدرسية وهذا يعتبر قيدا لايتناسب مع هذه المرحلة من الطفولة ويبدأ إحساسه بالاكتئاب نتيجة لحرمانه من طفولته, وعدم الحصول علي احتياجاته في هذه المرحلة, ومن هنا تشكو الأم من أن طفلها غير طبيعي فهو عدواني عنيف ضعيف دراسيا وبدلا من أن تبحث الام عن الأسباب وكيفية علاجها تقوم بالمزيد من العقوبات والشدة لإجبار الطفل علي الالتزام وسماع الكلام فيحاول الطفل استفزاز الأشخاص من الذين يعاقبونه فيعاقبونه أكثر فيستفزهم أكثر فأكثر ويزداد شعور واحساس الطفل بالاكتئاب والضيق والتمرد ويتحول الي طفل كذاب أو لص أو يوقع بين الكبار وإذا ما استمر العقاب وزاد استمر الاكتئاب واشتد وقد يصل بالطفل إلي رغبته الشديدة في الانتحار والتخلص من حياته أو أن تخلق شخصية مرضية مملوءة بالسلبيات وسوء الاخلاق لتصل الي الانحرافات في سن المراهقة فقد يتجه الي ارتكاب الجريمة أو الجنس أو المخدرات نتيجة لإحباطاته وهو طفل صغير. وللأسف الشديد تضيف النظام التعليمي أفسد الأسرة وبالتالي التعليم والأسرة أفسدوا أولادنا وأطفالنا فلابد من إلغاء نصف المناهج حتي يعش أطفالنا طفولتهم الطبيعية الجميلة. من جانبه يري الدكتور عبدالمنعم عاشور أستاذ الطب النفسي بكلية الطب بجامعة عين شمس أن إصابة الأطفال بالاكتئاب ليست بجديدة وانما تتزايد بشكل ملحوظ فلا يمر أسبوع علي طبيب الأمراض النفسية إلا وقد عرض عليه من حالة إلي ثلاث حالات من الأطفال الذين يعانون من مشاكل نفسية. فهناك اعتقاد شائع بأن الاكتئاب مرتبط بكبار السن وهذا خطأ كبير فالاكتئاب قد يصيب الشخص في الطفولة أو المراهقة أو البلوغ أو في مرحلة عمرية ويرجع إلي أنه مرض نفسي موروث فالاطفال المصابون بالاكتئاب قد يكونون قد ورثوا الاكتئاب عن أحد والديهم فالأطفال حتي صغار السن يشاركون الكبار في حملهم لجينات الاكتئاب البيولوجي. أعراض مدمرة يؤكد أستاذ الطب النفسي أن هناك نحو40 نوعا من أنواع الاكتئاب وجميعها مرتبطة بعوامل نفسية واجتماعية منها حرمان الطفل من الجو الأسري الدافيء والحنان والحب سواء لغياب الأب أو لغياب الأم أو كليهما. فالبعد الاجتماعي مهم جدا وهو من الاسباب الرئيسية للاصابة بمرض الاكتئاب لذا نجد جزءا كبيرا من أولاد الشوارع فاقدين البعد الاجتماعي. وأعراض الاكتئاب كثيرة لدي الاطفال منها فقدان الشهية والامتناع عن تناول الطعام والتهتهة أو الصمت الدائم والانطواء والتبول اللا إرادي والعنف والعدوان وإدمان المخدرات والتجوال في الشوارع والانحرافات الجنسية وعدم النوم والانتحار وهذا لايعني أن كل مكتئب منتحر وكذلك ليس كل منتحر بسبب إصابته بالاكتئاب. فكل حالة إكتئاب تختلف عن الاخري من حيث المسببات والضغوط وبالتالي فالعلاج هنا يختلف بإختلاف الموقف ونوع الاكتئاب فهناك أطفال مصابون بالاكتئاب البيولوجي الوراثي وهناك أطفال مصابون بالاكتئاب الاسري الخاص بالأبعاد الاجتماعية والظروف الصعبة المحيطة بهم. * ولكن كيف نحمي اطفالنا من مرض الاكتئاب؟ يشير الدكتور عاشور إلي أهمية الرضاعة السليمة للصحة النفسية حتي10 سنوات بمعني تهيئة بيئة طبيعية سليمة وغير ضاغطة وعدم حرمانهم من الدفء الأسري والحنان والحب فليست المادة والأموال كل شيء فلاغني عن ارتباط الوليد بوالديه الأم والأب حتي سن10 سنوات وهي أخطر مرحلة من المراحل العمرية للطفل لإرتباطها والالتصاق الشديد بالأسرة. من جهتها, تفسر الدكتورة هبه عيسوي أستاذة الطب النفسي بكلية طب عين شمس أعراض الاكتئاب لكل مرحلة عمرية في الأطفال من حديثي الولادة ثم الطفولة المبكرة ثم المتأخرة والمراهقين والبلوغ, فلكل مرحلة من هذه المراحل شكل وأعراض مختلفة للاكتئاب فهي تختلف حسب مرحلة النمو النفسي للطفل. وقد أثبتت الدراسة العلمية والبحث المقارن أن الأطفال الذين تم إرضاعهم رضاعة طبيعية أكثر ثباتا من الناحية النفسية وسعادة وهدوءا من خلال معدلات النوم والقلق والتوتر وحركة أطرافه سواء يداه أو قدماه وهذا يعني أن الطفل من أول يوم من الولادة يمر بمزاج نفسي سواء كان سعيدا أو مكتئبا بمعني أن هناك مؤشرات واضحة علي الطفل منذ أول دقيقة في حياته يشعر بمشاعر السعادة أو الحزن وله أسلوبه في التعبير. أعراض الاكتئاب تؤكد الدكتورة هبة ظهور اعراض الاكتئاب علي الاطفال بصفة مستمرة لمدة اسبوعين متتاليين أو اكثر وبعدها تتوجه الاسرة بالطفل الي الطبيب النفسي لأن الاطفال مزاجهم متذبذب ويختلف من يوم لآخر ولكن إذا استمرت الأعراض لمدة أسبوعين فأكثر هنا نقرر علاجه نفسيا. وتعترف استاذ الطب النفسي بأن نسبة الاكتئاب لدي الأطفال في تزايد مستمر خاصة في الآونة الأخيرة لتصل إلي9% وقابلة للزيادة السريعة فآخر إحصاء تم لدي أطباء الطب النفسي لوجود اعراض الاكتئاب لدي الاطفال أثبت أن كل100 طفل هناك10 أطفال يصابون بالاكتئاب النفسي الذي تم تشخيصه ولكن قد يكون هناك أطفال مرضي لم يتم تشخيصهم لأن هناك أعراضا أخري لبعض الامراض النفسية مثل القلق مثلا تتلازم مع اعراض الاكتئاب وفي حالات كثيرة يصعب التفرقة بين الاكتئاب والقلق ولابد أن نفصل بينهما. ويتم العلاج كما تقول الدكتورة هبة عيسوي بأسلوبين حسب قوته فهناك إكتئاب بسيط لايحتاج لعلاج دوائي وإنما يتم بالارشاد النفسي وجلسات العلاج المعرفي, وهناك الاكتئاب المتوسط أو الجسيم ويحتاج إلي العلاج الدوائي مع العلاج المعرفي السلوكي.