لماذا لا يحق للبنان أن يعمل من أجل حماية مصالحه ومصالح شعبه؟ لماذا عليه الادعاء أنه يؤدي الدور الذي لا يستطيع أحد غيره تأديته وهو دور الجبهة العربية الوحيدة المفتوحة مع إسرائيل، فضلا عن إنه قاعدة انطلاق للمواجهة مع الإمبريالية العالمية؟ هل واجب لبنان أن يكون هانوي العرب في وقت صار طموح هانوي أن تتحول إلي سايغون (قبل تحريرها) أو ما هو شبيه بهونج كونج؟ ألا يحق للبنان الاكتفاء بالمطلوب منه عربيا بصفة كونه عضوا في جامعة الدول العربية عليه الحقوق والواجبات المترتبة علي أي من أعضاء الجامعة... أم عليه التعويض عن التقصير العربي في كل المجالات؟ ألا تكفي لبنان أربعون سنة من العذابات ومن السلاح غير الشرعي الذي حوله إلي مجرد "ساحة"، تستخدم لابتزاز العرب الآخرين، مثل مصر، أحيانا والقوي الغربية، علي رأسها الولاياتالمتحدة وأوروبا، في أحيان أخري؟ ليس طبيعيا أن يكون هناك في لبنان من يدافع عن السلاح غير الشرعي. نتيجة وجود هذا السلاح كانت الاحتقان المذهبي الذي يحاول "حزب الله" تحويله إلي احتقان طائفي ولكن من دون تحقيق الأهداف المرجوة. وهذا يفسر إلي حد كبير التركيز علي مسيحيي الرابع عشر من آذار عموما في الخطب الأخيرة التي يطلقها هذا القيادي أو ذاك في الحزب. إنه تهديد مباشر يتخذ شكل نصائح إلي المسيحيين. ينسي "حزب الله" أو يتناسي أن مسيحيي لبنان ليسوا مسيحيي العراق وأن كل ما قيل ويقال عن أن مسيحيي لبنان طلبوا حماية السوري في العام 1976 ليس صحيحا. كل ما في الأمر أن النظام السوري راهن منذ البداية، منذ ما قبل توقيع اتفاق القاهرة في العام 1969 علي السلاح غير الشرعي وعلي أن هذا السلاح سيفجر لبنان من داخل وعلي انه الوسيلة التي ستمكنه من وضع الوطن الصغير تحت الوصاية. ولا بد من الاعتراف بأنه نجح في ذلك إلي حد كبير. وكانت ذروة نجاحه دخوله قصر بعبدا ووزارة الدفاع في أكتوبر من العام 1990 بعدما وفّر له العماد ميشال عون كل المبررات التي تساعده في اتمام هذه الخطوة. في ظل السلاح غير الشرعي، لا مجال للحديث عن أكثر من هدنة في لبنان. إن دعوة الأمين العام ل"حزب الله" في خطاب حديث له إلي هدنة، هي دعوة في مكانها. لكن السؤال هدنة من أجل ماذا؟ هل يستطيع اللبنانيون أن يتحاوروا خلال هذه الهدنة وأن يكون محور الحوار السلاح غير الشرعي لدي "حزب الله" وغير "حزب الله"، داخل المخيمات الفلسطينية وخارجها. في حال كان لدي "حزب الله" حساسية تجاه كلمة السلاح، بدليل الحملة غير المبررة التي يشنها علي الرئيس امين الجميل، في الإمكان المباشرة بحوار في شأن كيفية التوفيق بين القرار 1701 الذي يؤكد لبنان كله تمسكه به، علما انه يستند إلي القرار 1559 وكل القرارات اللاحقة بما فيها القرار 1680 فائق الأهمية، من جهة وسلاح الحزب وغيره من جهة اخري. بعض المنطق ضروري، بل ضروري جدا. انتهت وظيفة سلاح "حزب الله" بعد قبوله بالقرار 1701 ومجرد مشاركته في حكومة يأتي البيان الوزاري الذي نالت علي أساسه الثقة علي ذكر هذا القرار. منطق اللامنطق يدعو إلي التمسك بالسلاح غير الشرعي. منطق اللامنطق هو الذي أدي إلي فرض السلاح الفلسطيني علي اللبنانيين في العام 1969 منطق اللامنطق هو الذي أدي إلي استقواء الميليشيات الطائفية والمذهبية علي الجيش اللبناني وإلي تدمير مؤسسات الدولة اللبنانية. نقطة البداية لأي حوار هي سلاح "حزب الله" وكل سلاح آخر ليس في إمرة الشرعية اللبنانية. من حق لبنان أن يبحث عن مصلحته. تكمن مصلحة لبنان في السنة 2010 في هدنة تخصص لكيفية التخلص من السلاح غير الشرعي في منطقة تبدو مقبلة علي تطورات كبيرة. لن يحمي لبنان سوي القرار 1701 عليه احترام القرار بحذافيره، حتي لو كانت هناك استفزازات من جانب العدو الإسرائيلي. بغض النظر عما إذا كانت خطوة حزب الكتائب التي قضت بعرض البند السادس من البيان الوزاري علي المجلس الدستوري صائبة من الناحية القانونية أم لا، المهم أن يكون هناك دائما صوت لبناني يؤكد أن السلاح غير الشرعي اسمه سلاح غير شرعي. مطلوب دائما صوت يقول إن الوقت حان كي تتوقف لعبة التذاكي التي يمارسها بعضهم. في العام 1969 لم يتجرأ سوي العميد ريمون اده علي قول الحقيقة إلي اللبنانيين فوقف وحيدا في وجه اتفاق القاهرة المشئوم. أما هناك دولة لبنانية تعمل من أجل اللبنانيين ومستقبل ابنائهم... وأما هناك شبه دولة عليها أن تصرف جهدها في مراعاة السلاح ومداراة حملة السلاح. في النهاية، ليس مطلوبا انتزاع سلاح "حزب الله" بالقوة. أكثر من ذلك، ليس هناك من هو قادر علي ذلك. كل ما هو مطلوب أن يتعلم اللبنانيون شيئا من دروس الماضي القريب بدل استمرار بعضهم في ممارسة لعبة التذاكي. من يريد أن يتعلم شيئا يستطيع أن يسأل نفسه: لماذا اضطر لبنان إلي قبول القرار 1701 صيف العام 2006 ولماذا سبق قبوله القرار موافقة "حزب الله" علي النقاط السبع لحكومة بطل وطني اسمه الرئيس فؤاد السنيورة؟ هل من يريد أن يتعلم، أم أن هناك من يريد الاستمرار في لعبة السلاح التي لا تخدم سوي من يعتقد أن لبنان لا يصلح لأن يكون أكثر من "ساحة"؟ لعلّ آخر دليل علي ذلك، الانفجار الذي تعرض له أخيرا مكتب ل"حماس" داخل المربع الأمني ل"حزب الله". ما الذي يبرر وجود هذا المكتب الفلسطيني في هذا المكان بالذات إلا السلاح غير الشرعي الذي لا يقيم أي أهمية للبنان وسيادته ومصلحة أبنائه؟