طبيعي أن ينهار النظام الإقليمي العربي في غير مكان. من العراق، إلي فلسطين، إلي اليمن، إلي جنوب السودان مرورا بالطبع بالصومال وصولا إلي شمال افريقيا حيث المحاولات مستمرة كي تكون هناك بؤرة توتر، اسمها الصحراء، تستخدم قاعدة لاستنزاف المغرب. لماذا يبدو طبيعيا وصول الوضع العربي إلي ما وصل إليه؟ الجواب في غاية البساطة. إنه يتمثل في غياب القدرة العربية علي اتخاذ موقف من أي موضوع ساخن كان، مهما كان هذا الموضوع مصيريا. ما نشهده حاليا يأتي نتيجة سلسلة من التنازلات العربية لمصلحة فوضي السلاح ناجمة أساسا عن حال العجز المترسخة داخل المؤسسات الحاكمة. حال العجز هذه المقرونة بالخوف، حتي لا نقول الجبن، باتت جزءا لا يتجزأ من تكوين هذه المؤسسات في معظم الدول العربية. ولذلك كان الطريق السهل، بل الأكثر سهولة، أمام الأنظمة العربية رفض اتخاذ موقف من أي قضية عندما كان هناك تهديد معروفة مصادره للتركيبة الداخلية لإحدي الدول العربية. إنها بكل بساطة عملية هروب مستمرة إلي أمام تختصرها كلمة واحدة. إنها كلمة المزايدة. تستخدم المزايدة تحت شعارات مضخمة من نوع "حماية المقاومة" أو "حق تقرير المصير للشعوب" من أجل تدمير المؤسسات داخل هذه الدولة العربية أو تلك، فيما العرب يتفرجون أو يتهربون من المسئولية عن طريق اقتراحات أو مصالحات أقل ما يمكن أن توصف به أنها لم تجلب سوي الكوارث. في البدء كان لبنان. ما يتعرض له الوطن الصغير منذ العام 9691 تاريخ توقيع اتفاق القاهرة المشئوم الذي فرضه العرب عليه فرضا، يشكل مثلا صارخا علي العجز العربي وغياب القدرة علي استشفاف المستقبل واستيعاب النتائج التي يمكن أن تترتب علي إجبار حكومة شرعية في إحدي الدول العربية علي التوصل إلي اتفاق مع فريق مسلح. خسر العرب الحرب في العام 7691 بسبب اتكالهم علي الشعارات. اعتقدوا أن الشعارات كفيلة بتحرير فلسطين. كانت النتيجة ترجمة هذا العجز بالتغاضي عن دخول مسلحين فلسطينيين وغير فلسطينيين وإرسال أسلحة عبر الأراضي السورية إلي الأراضي اللبنانية. بدل إدانة ما كان يتعرض له لبنان حماية للأمن العربي عموما، جاء اتفاق القاهرة ليكرس وجود جبهة عربية وحيدة مفتوحة مع إسرائيل. صار جنوب لبنان بمثابة "ساحة" للمزايدات العربية. صار ذريعة للذين يريدون القول إن العرب لم يهزموا في العام 7691 وأنهم مازالوا يقاومون إسرائيل علي حساب لبنان واللبنانيين. لم يفهم العرب وقتذاك أن واجبهم كان يقضي بحماية لبنان بدل فرض اتفاق القاهرة عليه. كان واجبهم يقضي، صراحة، باتخاذ موقف علني من محاولات القضاء علي مؤسسات الدولة اللبنانية عن طريق إرسال مسلحين وأسلحة إلي الأراضي اللبنانية انطلاقا من الأراضي السورية. كان واجبهم يقضي بإدانة كل من يرسل قطعة سلاح إلي لبنان بدل العمل علي إيجاد تفاهم بين مسلحين من جهة والحكومة اللبنانية من جهة أخري وفرض اتفاق ظالم عليها. من تهاون في العام 9691 أمام ما كان يتعرض له لبنان، لا بد أن يتهاون لاحقا مع كل المحاولات الهادفة إلي تفتيت المنطقة العربية بما يصب في مصلحة إسرائيل التي كان لديها في كل وقت من الأوقات مصلحة في إبقاء جبهة جنوب لبنان مفتوحة. من تهاون مع السلاح في العام 9691 لابد أن يتهاون حاليا مع ما يدور في اليمن حيث يستخدم السلاح لفرض التوصل إلي اتفاق بين الحكومة ومتمردين مدعومين من إيران. من تهاون مع السلاح في العام 9691 لايزال يتهاون مع تدفق السلاح الإيراني علي لبنان ومصر خدمة لإسرائيل. من تهاون مع السلاح الفلسطيني في لبنان والأردن في العام 9691 لن يجد غضاضة في الوقوف موقف المتفرج من الإمارة الإسلامية ذات الطابع الطالباني التي أقامتها "حماس" في قطاع غزة كي تبرر لإسرائيل كل ذلك الإرهاب الذي تمارسه في حق الشعب الفلسطيني. إنه ارهاب الدولة المتمثل بالإصرار علي الاحتلال والعمل علي تكريسه عبر الاستيطان. من حسن الحظ أن لبنان لا يزال يقاوم. إنه يقاوم ما يسمي "سلاح المقاومة" الذي لا يستهدف سوي إخضاع الوطن الصغير وتكريسه "ساحة" للمحور الإيراني- السوري ورأس حربة له، حربة موجهة إلي كل ما هو عربي في المنطقة. نعم لبنان يقاوم. لا يزال يقاوم منذ أربعين عاما. هل في استطاعة العرب الآخرين المقاومة. هل هناك زعيم عربي واحد باستثناء الملك عبدالله الثاني يتجرأ علي القول للعرب ما يجب قوله عن الخطر الإيراني؟ فعل العاهل الأردني ذلك في العام 4002 وكان علي حق في تسمية الأشياء بأسمائها. لم يرد أحد الاستماع إلي تحذيره. أمس لبنان واليوم العراق والبحرين، التي تتعرض لحملة ظالمة. اليوم فلسطين واليمن والسودان والصومال... والعرب يتفرجون. المغرب وحده تجرأ علي قطع العلاقات مع إيران بسبب موقفها من البحرين. هل مسموح للعرب البقاء متفرجين وممارسة ما يمكن اعتباره مع مرور الزمن هوايتهم المفضلة، علي طريقة "شاهد ما شفش حاجة".