يحتفل العالم هذه الأيام بميلاد عام جديد وميلاد السيد المسيح ومفهوم الميلاد ليس مجرد ذكري لحدث وقع في إطار الزمان والمكان ثم يعاد الاحتفال به سواء كان ميلاداً عاماً أو ميلادا شخصياً لكن مصطلح الميلاد يعبر عن مفهوم إعطاء الحياة أو انبثاق الحياة ونحن نري في هذا المفهوم الكون كله في حركة متكاملة لتكوينه وخروجه للوجود وهذه الحركة دائمة ومستمرة وهذا يعني أن عملية الميلاد الدائمة والمتكررة للعالم تعطي مفهوماً جديداً لعملية الخلق والحياة سواء علي المستوي الفردي أو الجماعي ولكي ندرك هذا المفهوم عن الميلاد بوضوح علينا أن نري ذلك في فكرتين أساسيتين. الفكرة الأولي أن الميلاد هبة أو عطية من الله مباشرة: ويتضح هذ المعني للميلاد من قصة سارة زوجة إبراهيم فهي كانت امرأة عاقراً وتعبر المرأة العاقر عن ذلك بالقول أن الله قد أمسكني عن الولادة ومن هذا نفهم أن إعطاء أو منح الحياة يعتمد علي الله وفي ولادة النبي يوحنا المعمدان يحيي بن زكريا نجد تشابها مع ولادة اسحق الذي ولد لإبراهيم في شيخوخته هذان الميلادان كانا لآباء وأمهات طعنوا في الأيام بلا ولد والإشارة في كل هذا إلي الله واهب الميلاد والحياة وعلي الرغم من أن البركة الأولي في الخليقة لآدم وحواء هي أن الزوجين قد أخذا القدرة علي إنشاء نسل إلا أن استكمال أو مواصلة التناسل أصبح بركة روحية هي بركة إعطاء الحياة الجنس البشري وقد اكتملت صورة الله معطي الحياة ليس مع المرأة العاقر لكن أيضا مع السيدة العذراء فمريم حبل بها بالروح وهكذا بدأ نسل جديد روحي برسالة جديدة ميلاد السيد المسيح ويقول الكتاب المقدس عن هذا الميلاد العجيب لا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله. الفكرة الثانية أن الميلاد إعادة للخلق: لقد قامت علي مدي التاريخ الإنساني حضارات عظمي وصلت إلي قمتها ثم جاء الوقت لتنهار وتخرب مثل الحضارة الفارسية ثم البابلية واليونانية والرومانية.. إلخ وفي شرح لخراب إحدي الحضارات العظمي بابل يحكي الكتاب المقدس وكأن بابل هذه امرأة ملأتها الأمراض بسبب الديكتاتورية القاتلة وعبادة الأصنام وظلم الشعوب الضعيفة وأنها قاربت علي الموت بسبب الآلام المبرحة في جسدها لعدم قدرتها علي الشفاء لكن هذا الألم لم يكن النهاية فقد ولدت من بابل حضارة جديدة سابقة خرجت من أشلاء بابل وهي الحضارة اليونانية وعلي أشلاء الحضارة اليونانية ولدت الحضارة الرومانية وهكذا فالميلاد هنا هو إعادة للخلق وعندما تشرف أمه علي الهلاك تولد منها أمة جديدة في عام 1989 كان هناك مخاض وولادة لبلدان أوروبا الشرقية فقد تمخضت هذه البلاد كوالدة تتألم حتي ولدت وكان الطفل المولود هو ألمانيا الواحدة وإيرلندا وسقوط الشيوعية في تشيكو سلوفاكيا ورومانيا لقد وصلت الآلام إلي حد الموت لينبثق من هذا الموت عالم جديد وفي نهاية القرن العشرين بدأ مخاض الشرق الأوسط بغزو صدام حسين للكويت ثم تحريرها ثم غزو أمريكا للعراق وانقسام القيادة الفلسطينية ومحاولات تقسيم السودان والحرب في اليمن وكل هذا ينبئ بولادة شرق أوسط جديد فكل هذه الأحداث تتسم بالآلام الشديدة هنا وهناك وإرهاصات في أكثر من مكان ونحن في بداية عام جديد نتمني أن يأتي المولود الجديد الشرق الأوسط غير مشوه وطبيعي غير معوق بل إننا بنظرة كونية علي العالم نستطيع أن ندرك أن هناك عالماً جديداً يتبلور فالصين العملاق الجديد يعلن أنه سوف يقود العالم في المستقبل مع عملاق الاتحاد الأوروبي وأمريكا التي بدأت تتغير بوصول أول أسود إلي سدة الحكم والذي كان في الأحلام وهكذا ننتظر عالماً مولوداً جديداً نرجو أن يكون أفضل ونرجو أن يكون للعالم الثالث ولنا مكان مميز فيه عزيزي القارئ كل سنة وأنت طيب.