هناك سؤال يلح علي الذهن كلما نادي البعض بحدوث معجزة في مكان ما مثل الشجرة التي اكتشف الناس أن عليها حفر علي هيئة لا إله إلا الله، أو الغابة الألمانية التي تتشابك أغصانها وتصنع هيئة نفس العبارة، أو تجلي السيدة العذراء، أو ظهور مار جرجس علي حصانه... إلخ. والإجابة الواضحة والمنطقية هي عندما يعجز الناس عن حل مشاكلهم، ففي حالات العجز يتطلع الإنسان إلي معجزة، وكلمة معجزة تأتي من كلمة عجز، فعندما يتحير الإنسان في الخروج من مأزق ألم به ويحاول بكل الطرق ويعجز عن ذلك يتطلع إلي قوة علوية أو سماوية تأتيه من أعلي لتخرجه من مأزقه لذلك لا تجد لمثل هذه المظاهر مكانًا بين الشعوب القادرة علي حل مشاكلها بقدراتها الذاتية وبعضلاتها البشرية، فلم يحدث مثلاً أن وقعت معجزة من هذا النوع في الولاياتالمتحدةالأمريكية أو أوروبا ولا شك أن الشعب المصري يعاني من مشاكل عدة أهمها مشكلة الفقر والمرض والجهل، لذلك تجد عشرات المرضي بأمراض مستعصية مثل الصرع والذي يحتاج إلي أموال طائلة للعلاج والأدوية يذهبون إلي المشعوذين وإلي رجال الدين من مسيحيين ومسلمين ليعالجوهم بإخراج الأرواح الشريرة من أجسادهم لأن هذا أرخص كثيرًا من الذهاب إلي المختصين والذين لا يقدرون عليه بأي حال من الأحوال، والحقيقة أن هذه القضية مستعصية علي الحل لأنها تتصل بأمور روحية دينية، واستخدام الكتب المقدسة للشفاء، والذي يتصدي لهذه الأمور يعتبره هؤلاء البشر غير روحي أو لا يتمتع كثيرًا بالثقة في كلمات الإنجيل أو القرآن، والحقيقة التي لا لبس فيها أن الإنجيل والقرآن يحاربان مثل هذا الأسلوب في شفاء الأمراض وفي تسيير أمور الحياة، فالدين يعلمنا أن الله وضع أسسًا وقواعد لتيسير هذا العالم الذي نعيش فيه، وهذه الأسس التي وضعها الله يرفض هو أن يحطمها بأي شكل من الأشكال، فلقد نص الكتاب المقدس علي أن الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضًا، وأيضًا جاهدت الجهاد الحسن أكملت السعي حفظت الإيمان وأخيرًا وضع لي إكليل البر. أي أن النجاح لا يأتي صدفة ولا يأتي لمن لا يتعب ولا لمن لا يستحقه، فالذي يزرع عملاً يحصد نجاحًا والذي يزرع كسلاً يحصد خيبة ولا استثناء لهذه القواعد، ثم أن الجهاد الحسن الذي يتحدث عنه الكتاب المقدس مأخوذ من الألعاب الرياضية (الأولمبياد) حيث أن الشخص الذي يكمل السعي (أي مسابقة الجري) بعد أن يكون قد تدرب جيدًا وحفظ قواعد اللعبة سوف يكلل في النهاية بإكليل الغار، وهكذا فالإنسان غير محتاج لمعجزة، بل الإنسان بقدراته الذاتية يحقق إنجازاته ونجاحاته، ولذلك تجد أن معظم الفرق الرياضية التي تفوز بكأس العالم في كل الألعاب ليست من الفرق المتدينة بحسب مقاييسنا وأن الفريق المصري هزم أمام الجزائر ليس لضعف إيمانه ولا انتصر فريق الجزائر بسبب قوة إيمانه، ولكن بسبب قدرات كل فريق في التحكم في أعصابه وفي أسلوب لعبه وتحقيق الخطط المناسبة، ولذلك يقول القرآن إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم ونحن نعلم أن الله قادر علي كل شيء لكنه لابد وأن يتبع القواعد التي وضعها للناس ولا يكسرها، لذلك فهو لن يقتحم عالم الإنسان ويغير القوم وهم لا يريدون، فالتغيير هنا سواء للتوبة أو الالتزام أو الاجتهاد في العمل هو في يد القوم وليس في يد أحد آخر حتي لو كان الله نفسه والقادر علي تغييرهم، فرغم أنه قادر علي ذلك إلا أنه يمتنع لكي يجعل قواعده تتحقق علي الأرض ولقد كان السيد المسيح قبل أن يضع المعجزة لأي مريض يقوم بسؤاله: أتريد أن تبرأ؟! فإرادة المريض أحد الأسباب الأساسية لصنع المعجزة، والعكس صحيح فالمريض الذي يرفض الشفاء بسبب اكتئابه ورغبته في الموت لا تستطيع أدوية العالم أن تشفيه، ولذلك لن يشفع لشعب يعيش الفقر والمرض ولن يخرجه من فقره ومرضه أي قوة علوية أو مظاهر معجزية ولكن عقله وذراعه هما القادران علي هذا مهما توهم غير ذلك.