تبدو عملية المشاهدة ثم الكتابة عن الأفلام "السبكية" التقليدية شاقة ومزعجة بخلاف الأفلام "السبكية" المطورة مثل "كباريه" و"الفرح" وحتي فيلم "حد سامع حاجة" حيث تجد عادة ما يستحق الكتابة عنه، ولكن لأننا نراجع الأفلام من أجل القارئ وليس من أجل أنفسنا، ولأننا نفترض أن أحد هؤلاء القراء في مكان ما سيتساءل عما يحمله مثل "البيه رومانسي" الذي كتبه "سيد السبكي" و"هيثم وحيد" و"أحمد البدري" من حواديت وابتكارات خارجة لتوها من مصنع "السبكي" للأفلام الجاهزة، من أجل كل ذلك لا يجب أن تخذل قارئًا، أما المشاهدة والكتابة فيمكن أن تستعين عليهما بالله، وهو نعم المولي ونعم الوكيل. "البيه رومانسي" يا سيدي يحتوي علي الخلطة السبكية الأصلية والتي كتبت عنها يومًا أنها مكونة من رقصة وغنوة وضحكة و"حسن حسني"، وأرجو ألا يفهم أنني ضد الرقص أو الغناء أو الضحك أو حتي "حسن حسني" الذي أعتقد صادقًا أنه مشخصاتي ومضحكاتي رائع استهلك نفسه وقدراته كثيرًا، ومن ناحية أخري فإن معظم إنتاج أفلام الأبيض والأسود التي لا نمل مشاهدتها تحتوي علي هذه الخلطة المكونة من الرقص والغناء والضحك، ولكن الخلطة "السبكية" تقدم هذه الأشياء في ظل حالة من الفوضي الشاملة، والاستخفاف الذي يمتزج مع الاستظراف، ليس هناك مراعاة للحد الأدني من كتابة سيناريو متماسك يمكن أن نقول من خلاله أشياء ولو بسيطة، كل شيء في هذه الفوضي جائز ومتوقع كما شاهدنا مثلا في "عمر وسلمي 2"، وأبرز ملامح الخلطة السبكية التقليدية وليست المطورة تضخم دور المنتج وتراجع دور المخرج لدرجة أنك تشك أحيانًا في وجوده أو في حضوره التصوير أو في اشرافه علي المونتاج. والمدهش فعلاً أن هذه النوعية من الأفلام التي تعتمد علي "تيمات" بسيطة كان يمكن أن تكون أفضل بكثير، ولكن هناك أيادي خفية أو ظاهرة تحول الأمر إلي فوضي حقيقية، فيلم "البيه رومانسي" مثلاً فكرته عادية ومطروقة وقدمت من خلال أفلام قديمة مقبولة ومعقولة المستوي تطرح هذا السؤال: كيف يمكن أن يتحول شاب عابث إلي رجل رومانسي؟، بل إن الفيلم الذي يشهد البطولة الأولي ل"محمد عادل إمام" يحاول اختبار مفهوم الرومانسية في القرن الحادي والعشرين، ولكن ما أن يبدأ هذا الاختبار حتي يختلط الحابل بالنابل، الجوزة وسجائر الحشيش برقصات "دومينيك"، الاستظراف شديد السماجة بأغنية ل"سعد الصغير"، "قفشات و"صفعات" حسن حسني بالفتيات اللاتي تقتحمن الكارد بالفساتين القصيرة وبنطلونات الجينز، وتقريباً ليس هناك إيقاع للفيلم حيث يتوالي مشهد طويل، ومشهد آخر قصير، وننتقل من شخصية إلي أخري حسب الظروف، وتختفي شخصية لفترة طويلة ثم تظهر من جديد بعد أن نكون قد نسيناها، المهم أن تقدم الرقصة والغنوة والضحكة بأكثر الطرق بدائية وسخافة. لو افترضنا جدية الذين كتبوا الفيلم، علينا أن نتخيل أن الحكاية عن الشاب الطائش "سليم" (محمد عادل إمام) الغارق في المخدرات والنساء، والذي يعيش مع والده لطائش "رشدي، (حسن حسني طبعاً)، وكان الأب قد خلعته الأم أستاذة الجامعة "سوسن مبادئ" (لبلبة) بسبب سلوكه غير المسئول، وعندما يموت عم الشاب الذي كان يعمل عازفاً للناي في الفرقة التي ترافق عبد الحليم حافظ، يصبح شرط الوصية المكتوبة أن يتزوج الابن الطائش من "فتاة محترمة" ما تلمستش قبل كده علي حد تعبير الفيلم، ومن هنا يفترض أن يتحول الطائش إلي رومانسي. الإطار المفترض بسيط، ويذكرنا بحبكات أفلام الأبيض والأسود المعروفة والخفيفة، ولكن انظر ماذا فعلت فيه الخلطة السبكية، ستتوه أولاً بين الشخصيات مع أن الشخصيتين الأساسيتين هما "سليم" والفتاة الرومانسية التي سيرتبط بها، ولكن ستصطدم بنماذج أخري يتوه معها الخيط الأصلي، هناك مثلاً "چو" صديق "سليم" وهو شاب يعشق المخدرات ويمارس الاستظراف السمج طوال الوقت، ويلعب دوره ممثلاً ثقيل الظل والحركة اسمه "مدحت تيخه" كان "حسن حسني" قد اشبعه صفعًا في فيلم سابق، ويظهر المحامي الذي ينفذ الوصية كقروي ساذج بأداء شديد الافتعال من "باسم سمرة" وتظهر زوجته القروية "هنادي" (دومينيك) وهي تتلوي وترقص طوال الوقت بدعوي أن عفريت اللاعب الأرجنتيني "ميسي" قد ركبها ويأخذ تعبير "الركوب" تفسيرًا جنسيا واضحًا مع تأوهات "دومينيك" مع إصرار العفريت علي تسجيل الأهداف في كل مرة! وتقفز علاقة المحامي القروي بزوجته إلي الصدارة لدرجة تُنسيك الخط الأصلي، وتصل السخافة إلي ذُرْوتها عندما يكتشف المحامي أن زوجته غازية من سنباط، وهو موضوع لا علاقة له بأي شيء! وبين فترة وأخري تظهر "د. سوسن" لتردد كلامًا عن الأخلاق والقيم ثم تختفي، وتحاول أن تعلِّم ابنها الرياضة والجري ثم تختفي، وينهمر فوقنا طوفان من الاستظراف خاصة عندما تظهر الحبيبة الرومانسية التي تحب أغنيات "عبدالحليم"، ويحاول "سليم" وصديقه انتزاع الابتسامة من الجمهور دون جدوي بتقليد أغنيات عبدالحليم المعروفة، وتدخل إلي الفوضي اسكتشات لمحاولات سابقة فاشلة ل"سليم" لكي يتزوج فتاة بلا تجارب من بينها محاولة سخيفة لتوريطه في الزواج من طفلة صعيدية يغني "سعد الصغير" في فرحها! لم تنفد بعد ذخيرة الكتابة العشوائية فالعلاقة بين "سليم" وفتاته الرومانسية تتطور بسرعة إلي حب، والشاب الطائش يتحول فجأة إلي شخص مسئول بإدارة مصنع والده المغلق، والأم "سوسن" تعلن أنها دبرت شرط الزواج من فتاة محترمة لاصلاح ابنها وزوجها السابق، ويبدو الأمر في النهاية كما لو أنك تفسد أفكارا بسيطة كان المؤلفون يقدمونها قديما بصورة ظريفة ومقبولة ولا تحتاج إلي كل هذه الضوضاء، ولا إلي هذا الادعاء الساذج. من ملامح الخلطة السبكية أيضا أن تترك الممثلين علي راحتهم وهكذا أيضا كانت الصورة في "البيه.. رومانسي" كل ممثل استدعي اجتهاده الشخصي وقدّم ما تيسر من الضحك والرقص والتهريج، ربما جاءت هذه الصيغة علي حساب "محمد عادل إمام" في بطولته الأولي، لقد كان محتاجا إلي تدريب طويل خاصة فيما يتعلق بتلوين طبقات صوته وفقا للانفعالات المختلفة، وكان مدهشا فعلا أنه يظهر في معظم المشاهد دون أن ينجح لا في الإضحاك ولا في تقديم مشاهد رومانسية، وبدت لبلبة متشنجة طوال الوقت، وقدم "حسن حسني" بعض الافيهات الظريفة علي فترات متباعدة بعد أن فهم دوره تماما في الخلطة "السبكية" في حين غرق "باسم سمرة" في بحر الاستظراف والافتعال، وكون مع المغنية اللبنانية "دومينيك" أسوأ الثنائيات التمثيلية في هذا الموسم السينمائي. كنت أظن أن آلة استقبال الضحك لدي قد تعطلت ولكني اكتشفت أيضا أن جمهور الصالة صامت كأن علي رءوسهم الطير، وعندما كانت أغنية جماعية أخيرة تختتم أحداث الفيلم كان الجمهور يتدافع للخروج من المكان وقد ركبهم عفريت "ميسي" الذي انتقل إليهم - فيما يبدو - من شخصيات الفيلم السخيف!