"بالرغم من أنني شبه عدمي، وجدتني مضطرا للكتابة عن قوم سينقرضون قريبا"، بهذا التصريح المفاجئ، بدأ الروائي حمدي أبو جليل حديثه في الجامعة الأمريكية أمس الأول خلال حفل توقيع النسخة الإنجليزية من روايته الأخيرة "الفاعل" التي حصلت العام الماضي علي جائزة نجيب محفوظ التي تمنحها الجامعة، وأكد أبو جليل تنبؤه بانتهاء لهجة أجداده ووالدته البدوية الأصيلة بعد عشر سنوات، مصرحا بأن دافعه الأول للكتابة هو الاندهاش من تجارب وجودية، والرغبة في فهم هذه الحياة، وعن جائزة محفوظ قال إنه فخور بها لأن أي طامح لرواية راسخة لن يعطي مثل هذه الرواية جائزة أبدا، لأنها متجاوزة و"عيب" أكاديميا. أما عن عنوان الترجمة التي أعدها "روبن موجر"، فأوضح أبو جليل أن "الكلب المقطوع ذيله" صادم فعلا، لكن إذا ما تم ترجمة العنوان الأصلي للرواية حرفيا بالإنجليزية، كان لن يعطي المعني الثلاثي وإيحاء اللبس الذي قصده من كلمة "الفاعل" بالعربية، حيث تعني لفظة الفاعل نحويا، والفاعل الذي يعمل في أعمال البناء، ثم أخيرا الفاعل وهو الرجل النشط الذي يحقق معني الإنجاز، لكنه اكتشف أنه عنوان دال وأصدق وصف للراوي، تحديدا مقابله بالعامية "الأذعر"، وهو بهذا المعني يشبه فعلا بطل الرواية. حكي صاحب لصوص متقاعدون عن افتتانه في فترة ما بكتابات إبراهيم الكوني وعبد الرحمن منيف عن ما يسميه أدب الصحراء، لكنه بعد ذلك شعر أنه ليست هذه هي الحياة، وقال: "كان همي أكبر، الكتابة عن الحياة كلها، الكتابة عن الإنسان"، صرح كذلك بأنه في "الفاعل" لم يحقق بعد ما يطمح إليه في الكتابة عن البدو. عن تأثير جائزة نجيب محفوظ التي حصل عليها العام الماضي قال ضاحكا: "أوضح فائدة للجائزة أن جعلت أهل منطقتي يتغاضون عني وما أزعجهم في كتاباتي، حتي أنهم فرحوا برواية "الفاعل" عن أي عمل آخر، فقط لأنها منحت واحدا منهم الجائزة، لا لأنها رواية يعتزون بها، فمثل هؤلاء يعتزون بأن تجلب لهم حصانًا أو بندقية وليس كتابًا". تحدث عن عشقه لميلان كونديرا، وأنه في رأيه لم ينتج رواية عظيمة بقدر ما أنتج طريقة كتابة أعظم، وهو نفس السبب الذي -والكلام لأبو جليل- الذي جعل كونديرا مرفوضا من قبل جيل الستينيات في مصر، لأنه نزع القداسة عن الكتابة وحقق إمكانية أن يكتب المرء عن نفسه ببساطة. وعن ترجمة أعماله، أكد أبو جليل أنه في "لصوص متقاعدون" لم يشعر أنه ترجم حقا إلا إلي الأسبانية، وعلل ذلك بأن مترجمة النسخة الإنجليزية أكاديمية في المقام الأول، من ناحية أخري هاجم ممثلو تيار الحداثة في الأدب، واصفا إياه بأنه تيار انتهي ومنتجيه مازالوا أحياء، وحدد أسماء بعينها اعتبرها مؤسسة لهذا التيار وهم أدونيس عربيا وإدوار الخراط مصريا، واصفا الكاتبين بأنهما أحدثا نتوءًا في الثقافة العربية، بانتصارهما للنص الملغز الذي لا علاقة له بالقارئ. عن أعماله القادمة صرح أبو جليل بأنه يكتب حاليا روايتين عن البدو، واحدة عن تجربة شخصية في جنوب ليبيا، عن نوع من البشر اخترعهم القذافي باسم "ص. ش" أي أبناء الصحراء الشرقية الذي انتمي إليهم، وأخري عن بدو شمال الصعيد، كما انتهي مؤخرا من كتاب عن ذكرياته مع الراحل أسامة الدناصوري بعنوان "الأيام العظيمة البلهاء".