لابد أن ندرك أن علاقات الدول ينبغي أن يحكمها العقل وهذا العقل يميل دائمًا إلي إيثار المصلحة القومية التي تتصدر كل الاعتبارات الأخري. أما علاقات الشعوب ببعضها فإنها في الغالب الأعم تعتمد علي العاطفة تمامًا كما يحدث علي مستوي الأفراد. لعل هذه الحقائق لها أهمية في فهم بعض مجريات الأمور التي واكبت الأزمة التي مرت بها العلاقات المصرية الجزائرية قبل وعقب مباراة كرة القدم الحاسمة بين منتخبي البلدين علي الأرض السودانية. لقد أسفرت هذه الأزمة عن عدة تساؤلات، أهمها: لماذا يكرهوننا؟ ولماذا جاء موقف القيادة السياسية بعيدًا عن التشنج والانفعالية؟ دعنا نتناول التساؤل الثاني أولاً: لماذا اعتقد البعض أن فحوي الخطاب الذي ألقاه الرئيس مبارك في افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة في 21 نوفمبر سوف يأتي متسقا مع العاطفة التي عبرت عنها بعض الجماهير المصرية والتي طالبت بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الجزائر. من الملاحظ أن الخطاب جاء خاليًا من القرارات الانفعالية. فبالرغم من أن الرئيس عبر بوضوح عن رفض كل ما يؤدي إلي إهانة المواطن المصري غير أنه طالب بضرورة التريث وضبط النفس وأكد أن المصالح العليا للبلاد تقتضي عدم اتخاذ مواقف انفعالية قد نندم عليها عندما تهدأ عاصفة العاطفة ويستيقظ نسيم العقل. من المعروف أن مواقف مماثلة قد تحدث علي مستوي الأفراد حيث يؤدي الانفلات العاطفي إلي نتائج كارثية. قد يقوم شخص أهوج بإهانتك أمام الناس فتغلي الدماء في عروقك فتلتقط حجرا وتهوي به علي رأسه، فيخر الرجل صريعا لتتحول أنت إلي مجرم يستحق السجن. من الواضح أن معظم الجرائم التي ترتكب علي مستوي الأفراد والتوترات والصراعات التي تنشب بين الدول مردها إلي تغلب العاطفة علي العقل. أما التساؤل الأول فيتعلق بأسباب كراهية البعض لنا. لقد تلاحظ أن أقلاما عديدة تناولت السؤال نفسه من دون أن تقدم لنا إجابة تريح النفوس. من المحتمل ألا نتوصل إلي إجابة شافية إلا إذا تعرفنا علي المواقف التي تساهم في كراهية الآخرين لنا. وفي ظني فإن خير وسيلة للبحث عن إجابة تكمن في إمعان النظر في المواقف التي كثيرًا ما تحدث في محيط الأسرة الواحدة وتساهم في غرس مشاعر الكراهية بين أفرادها. تخيل أن رب أسرة رحل عن الدنيا تاركا ولدين أحدهما شاب والآخر مازال طفلاً صغيرًا. بالطبع يتولي الشاب تقديم الرعاية وتوفير سبل المعيشة لأخيه الصغير حتي يشتد عوده. وبالرغم من أن الأخ الصغير قد لا ينكر صنيعة أخيه غير أن أي مناسبة من المناسبات لا تمر من دون أن يذكره أخوه الأكبر بالدعم والتضحيات التي قام بها من أجله ومع تكرار هذه المواقف المحرجة فقد تتحول مشاعر الحب والعرفان بالجميل إلي مشاعر غضب وكراهية. لا شك أن مواقف مماثلة قد تتكرر كلما التقينا الأشقاء العرب حيث لا يدخر أحدنا جهدا في تذكيرهم بعظمة مصر وتاريخها الذي يمتد إلي 7 آلاف عام وبأنها قلب الأمة العربية وهي التي علمت العرب أصول القراءة والكتابة وساهمت في تحرير بلادهم من الاستعمار. من المسلم به أن هذه المعلومات لا ينكرها صغير أو كبير في الوطن العربي ومن ثم فلا داعي لتكرارها بمناسبة أو من دون مناسبة. من اللائق أن نترك الآخرين يتحدثون عن خصالنا الطيبة أو عن إنجازاتنا الكبري. أتذكر حين كنت في الأردن في عام 1997م فقد حدث أن استقللت سيارة أجرة من الفندق إلي مطار الملكة علياء الدولي. وجدتني أتجاذب أطراف الحديث مع السائق الأردني - من أصل فلسطيني - حيث عرف أنني من مصر، ففوجئت بالرجل يعبر بعفوية شديدة عن سعادته البالغة متذكرا المواقف المصرية النبيلة في سبيل الدفاع عن الأمة العربية. الغريب أنه ظل يتحدث عن أهمية مصر ولم يتح لي فرصة المساهمة بأية معلومة إضافية. من المؤكد أن تعظيم الذات وتقليل شأن الآخر هو مصدر مضمون لكراهية الآخرين. لقد استطاع بعض المصريين خلال بضع دقائق أن يغرسوا مشاعر سلبية في نفوس السودانيين. لقد تطاول الكثير من العائدين عقب انتهاء المباراة علي السودان لدرجة أن أحدهم قال بالفم المليان: مطار الخرطوم عبارة عن حجرة وصالة». قد يتفق معي الكثيرون إذا قلت إنه ليس من شيم النبلاء معايرة الآخرين بالفقر، فربما يكون جارك فقيرا ومع ذلك فقد رحب بك في منزله الذي لا يحتوي إلا علي مقعد ومنضدة وقدم لك الطعام والشراب والمأوي، فهل من اللياقة والكياسة والأدب أن نتحدث عن تواضع حاله بشكل علني وسافر؟ هل هذا من أخلاق شعبنا المضياف الكريم؟ أليس هذا مصدرًا آخر لغرس مشاعر الكراهية والحقد والندامة في نفوس الأشقاء؟