مرة ثانية أكتب اليوم عن العنف تجاه المرأة والذي يوافق الاحتفال العالمي بمناهضته.. وبالرغم من أن المحور الأساسي للعنف تجاه المرأة هو العنف الجسدي المتمثل في الضرب والانتهاكات المختلفة لجسد المرأة، لكنني أهتم بالمحور الأقل فحصا ودراسة وهو العنف المعنوي والنفسي الذي تعاني منه المرأة والذي يتخطي حدود الثقافة والتعليم بل والمستوي الاجتماعي المرتفع.. وأكثر ما يؤذي المرأة نفسيا ومعنويا هو الصورة السلبية التي تتأصل في كثير من المجتمعات عنها، ولا تقتصر تلك الصورة السلبية علي الرجل فقط بل تتعداه وتنتقل منه للمرأة نفسها فتكون صورتها عن نفسها صورة مشوهة تزيد من إحساسها بالنقص وبأنها لا حول ولا قوة.. وتأتي الصورة السلبية للمرأة من التربية الأولي داخل المنزل وفي نطاق الأسرة وذلك بالتمييز بين الأخ والأخت - كما ذكرت بالأمس- وفي عدم احترام الزوج لزوجته، ونشأة الأبناء كلهم البنات والأولاد علي أن الأم أو المرأة هي المخلوق الضعيف المهان الذي لا تحفظ كرامته.. وتتمثل الصورة المشوهة في عدة مظاهر أولها: التقليل من القدرات العقلية للمرأة.. إذ ما يزال البعض يعتقد أن المرأة أضعف عقلا وذكاء من الرجل علي الرغم من أن العلم قد أثبت بالدراسات المفصلة خطأ ذلك.. ويكفي النظر لتفوق البنات الدراسي والعملي في كثير من المجالات لإثبات ذلك.. والمسألة ليست فيمن الأكثر تفوقا ولكنها في كيف يري المجتمع الفتاة.. ولماذا يعتبرها البعض أقل إدراكا لما حولها وغير قادرة علي رؤية الحقائق بل والتعامل معها؟ وهذا يقودنا إلي خطأ ثان في صورة المرأة المغلوطة.. وهو أنها غير قادرة علي اتخاذ القرار، ولا التحرك لتنفيذه.. كما يراها كثيرون لا تصلح للتصرف في مواقف الطوارئ وليست مؤهلة لتحمل المسئوليات الكبيرة وحدها.. وهي رؤية خاطئة قد يكون سببها المرأة نفسها التي اعتادت إلقاء المسئولية علي عاتق الرجل وتركه يأخذ القرار هو حتي لا يلومها فيما بعد.. والحقيقة أن هذه المهارات لا تتعلق بالنوع رجلا أو امرأة بل تتوقف علي التدريب العملي والتربية منذ الصغر علي اتخاذ القرار وتنفيذه وتحمل مسئوليته مما يجعل الفتاة التي اتيحت لها تلك الفرصة أقدر من الرجل الذي لم ينشأ علي ذلك.. أما الخطأ الثالث في قراءة صورة المرأة فيأتي من نظرة المجتمع القاصرة لشكل المرأة.. فتتحول الصورة من اعتبارها كإنسانة متكاملة إلي شكل خارجي كشيء إما جميل يستحق الإعجاب والثناء وإن أمكن الاقتناء، أو كشيء قبيح لا يستحق النظر إليه.. وتتوقف القراءة عند هذا الحد في معظم الأحوال عند الرجال علي وجه الخصوص.. وحتي إذا بلغ هؤلاء ما بلغوا من الثقافة والعلم والرقي الحضاري تظل رؤية بعضهم محدودة بتلك النظرة الشكلية التي تهمل الجانب الإنساني والعقلي والمهاري والسلوكي للمرأة.. ألا يعتبر التقليل من شأن المرأة عنفا معنويا تجاهها؟ والأهم من ذلك، وهو السؤال الذي ينبغي أن يجيب عنه المجتمع: ألا تنتج هذه الصورة المغلوطة عن المرأة كوارث اجتماعية يكون ضحيتها الرجال أيضا