فيما يتعلق بالرسالات عامة، ورسالة محمد خاصة، وما يعرف عن طريقها من الملائكة والكتاب والنبيين واليوم الآخر، فقد كانت حجته التى لفت الأنظار إليها، المعجزة العقلية الدائمة، التى تعمل عملها فى العقول عن طريق النظر، مهما امتدت بها الحقب، وهى القرآن الكريم. وقد قامت الأدلة على أن القرآن من عند الله، وليس من صنع البشر، وكان من ضرورة ذلك عند العقل، الإيمان بأن ما تضمنه من الإخبار بالرسالات والكتب، والنبيين واليوم الآخر حق لا مرية فيه: «وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيمِينِكَ إِذَاً لَّاَرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ «48» بَلْ هُو آَيَاتٌ بَيْنَاتٌ فِى صُدُورِ الْذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بَآَيَاتِنَا إِلاَّ الظَّالِمُونَ «49» وَقَالُوا لَوْلَا أُنزَلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِّن رِّبِهِ قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِندَ اللهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيٌر مَّبِينٌ «50» أَوْ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَرَحْمَةٌ وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» (العنكبوت: 48 51). وكما أرشد القرآن إلى هذا الجانب، أرشد فى جانب الإله إلى ما وضعه هو سبحانه من أسماء وصفات تمثل ذاته، وقدرته، وحكمته، وكل ما له من كمال يليق به. وكان منها: الواحد، الأحد، الصمد، القدوس، الحى، القيوم، الغنى، الأول، الآخر. ومنها: الخالق، البارئ، المصور، البديع، القادر، القاهر، الولى، الحافظ. ومنها: رب رحمان، رحيم، رءوف، ودود، لطيف، حليم، رزاق، وهاب. وقد دلت أسماؤه التى عبر بها عن نفسه فى كتابه، على سمو ذاته، وتعاليه عن خلقه، وعلى كمال جماله الماثل فى رحمته وفضله. والواقع أن هذه الأسماء تطابق النظر العقلى السليم الذى به يدرك الإنسان ربه، ويرى أن تحقق معانيها لله، واختصاصه بها مما تقضى به دلالة الكون وأحداثه، ويرى فى الوقت نفسه أنه ليس فى الكون والحياة ما يسمح به وضعه، وحاجته ونقصه، وتغيره وانفعاله أن يناجى أو يوصف بشىء من هذه الأسماء، وتلك الصفات. والاسم الجامع لكمال الألوهية، هو الاسم المعروف عند المسلمين بلفظ الجلالة، وهو كلمة «الله». وبهذه الأسماء يناجى المسلم ربه، ويدعوه ويذكره، ويستحضر عظمته، ويتعرف آثاره، ويسمو عن طريقها إلى أسمى درجات القرب إلى الله: «قُلِ ادْعُوا الله أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّامَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسمْاَءُ الحُسْنَى» (الإسراء: 110). وليس للمسلم أن يناجى ربه باسم، أو صفة لم يضعه الله لنفسه، فهو أعلم بما يدل على ذاته وآثاره وصفاته، ولا يتلقى ذلك إلا عنه سبحانه عن طريق قرآنه، أو عن طريق إخبار الرسول القطعى: «وَلِلهِ الأسْمَاءُ الْحُسَْنى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِين يُلْحِدُونَ فى أَسْمَائِهِ» (الأعراف: 180). والقرآن حينما أراد أن يرشد الإنسان إلى الله «الخالق»، كان هدفه الهداية إلى معرفته بآثاره الدالة على صفاته، وكمال جلاله وجماله، وتنزهه عن المماثلة لخلقه، أو الاتحاد، أو الحلول فى شىء مما خلق، وأوصد أمامه باب التطلع إلى معرفة حقيقته وذاته تعالى، وصرفه عن محاولة التفكير فى هذا الجانب: «ذَلكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُو خَالقُ كُلّ شَىءْ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلّ شَىءْ وكَيلٌ «102» لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْركُ الأَبْصَارَ وَهُو اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» (الأنعام: 102، 103). وقص علينا القرآن أن موسى عليه السلام طلب من ربه أن يريه نفسه لينظر إليه، فقال: «لَن تَرَانِى وَلَكِنِ انظُرْ إلَى الْجَبَلِ فَإِن اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْف تَرَانِى فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ للْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْك وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ «143» قَالَ يَا مُوسَى إِنّى اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِ سَالاتِى وَبِكَلامِى فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مّنَ الشَّاكِريِنَ» (الأعراف: 143، 144). ومن هنا كان العجز عن إدراك حقيقة الذات الأقدس عقيدة من عقائد الإيمان بالله، وكان فى الوقت نفسه برهانا على سمو الألوهية الحقة عن الدخول فى دائرة التفكير العقلى المحدود بطبيعته، الذى لا يجد مجالا لتخطى ما وراء الكون الذى يتناوله، وكان الإرشاد إلى معرفته، وإلى الإيمان بوجوده من جانب النظر على آثاره، ومن جانب الإحساس الإنسانى الداخلى كما أسلفنا.