في العلوم الطبيعية يسبق الفعل ثم يأتي بعده رد الفعل.. ويكون رد الفعل مساويًا في القوة ومضادًا في الاتجاه.. وفي الحياة يعتبرون صاحب الفعل أقوي من صاحب رد الفعل.. وفي الإعلام يقاس مدي تأثير الجهاز الإعلامي بقدرته علي صنع الأحداث ودوره في الفعل وليس مجرد تتبع الأحداث والرضا بتحليلها والتعليق عليها فيما لا يرقي حتي لتسميته برد الفعل.. وهذا هو حال إعلامنا المصري الحكومي والخاص الذي اكتفي بتتبع أخبار المجروحين والباكين والمحاصرين، ونقل عنهم أقوالهم، واستعار صور هواتفهم المحمولة، وأفلام كاميراتهم، وعرض ردود أفعال العائدين من الخرطوم والهاربين من الجزائر، وقام مشكورا بقراءة البيانات والتصريحات التي صدرت عن المسئولين.. ولم يحدث فعل ولا رد فعل سوي بعض الاتهامات المتبادلة بين القائمين علي صحفه وبرامجه، والرد عليها.. فهذا قال إنهم إخوة وقابلوهم بالترحاب، ولكنه عاد واعتذر لأنه أخطأ بقوله إخوة.. وهذا أثار الحماس وألهب المشاعر وشجعوا مصر ثم تراجع قائلا لا تهمنا المباراة وعودوا سالمين. وأصبح هم الإعلام المصري هو: من أخطأ ومن أصاب؟ ومن ظل علي موقفه ومن تراجع؟ وذهب فريق آخر من محبي التوفيق إلي أن ما حدث قد أدي إلي توحد غير مسبوق للمصريين حول العلم وحول معني الوطن وحب مصر.. وحتي إن كان هذا صحيحا - ولو أن ما جمع المصريين حقيقة هنا هو محنة الكرامة التي مر بعضهم بها واستشعرها الجميع- يبقي أن الفعل الحقيقي لم يخرج به الإعلام المصري، ولا حتي أثمر عن رد فعل قوي خارجي مضاد في الاتجاه لما حدث. حتي مراسلو وكالات الأنباء العالمية من المصريين والمصريات والذين تكتب أسماؤهم واضحة علي الخبر لم يأتوا بأي حقائق مما حدث في السودان ولا في الجزائر.. بل كل مانقلوه هو أخبار الاعتداء علي فريق الجزائر.. وانحسر دور الإعلام في إظهار غضب مصر والمصريين والأحاديث عن دموع العائدين من السودان.. أي ما لا يرقي حتي إلي رد فعل. هل حدثت لنا صدمة عندما ادعي فريق الجزائر أن الأوتوبيس الخاص بهم تحطم في القاهرة واتصلوا بالفيفا لتحذرنا؟ وهل حدثت لنا صدمة ثانية عندما هجمت العصابات الجزائرية علي المصريين العاملين هناك وحاصرتهم وكانت أعداد أفراد تلك العصابات بالآلاف؟ وهل حدثت لنا صدمة ثالثة وتفاجأ الجميع ممن كانوا في السودان وممن ذهبوا إليها بتلك الاستعدادات المخططة مسبقا من جهة الجمهور المجهز المسلح في الجزائر؟ هل كانت هذه كلها صدمات لم نفق من أولاها ولا ثانيتها حتي يكون لنا ولإعلامنا رد فعل مساو في القوة ومضاد في الاتجاه؟ لم نقم بفعل، فهل نأخذ ردة فعل؟ فنيت اتهاماتنا بعضنا البعض، وكيلت لنا الاتهامات علي مستوي العالم، وساءت سمعة مشجعينا، وخرج فريقنا من حلم التأهل لكأس العالم، وعدنا من السودان مجروحين جسديا ونفسيا، وانتشرت عدوي الجراح النفسية أكثر بكثير من انفلونزا الخنازير.. فهل يثمر اتحادنا وغضبنا وإعلامنا عن رد فعل؟