الأغلب أن مجموعة الدول الست لن توقف الحوار مع إيران رغم الرفض الرسمي الواضح لمشروع البرادعي بنقل نحو 70٪ من اليورانيوم الإيراني منخفض التخصيب للخارج لإعادة تخصيبه وتحويله إلي وقود نووي تحتاجه إيران لمفاعل نووي. سوف يستمر الحوار رغم الاستياء البالغ الذي قوبل به الرفض الإيراني لهذا المشروع، والذي كان يراهن به الغرب علي تقليل فرص إيران في إنتاج القنبلة النووية لمدة عام، يمكن خلاله أن يتم التفاوض مع الإيرانيين علي كل قضايا ملفهم النووي وكل القضايا الإقليمية أيضا. ولعل هذا ما بادر وزير الخارجية الفرنسي كوشنير أكثر المنتقدين للسياسة الإيرانية بقوله بعد الرفض الإيراني لمشروع البرادعي أن الرد الإيراني سلبي للغاية، إلا أننا سنواصل الحوار مع الإيرانيين. وهذا هو رأي د. محمد البرادعي ذاته الذي يعتقد أن الأزمة السياسية التي يعيشها النظام الإيراني والانقسامات التي يعانيها هي السبب وراء مواقفه الأخيرة علي الساحة الدولية، ومن بينها موقفه بخصوص الملف النووي الإيراني وبخصوص تخصيب اليورانيوم في الخارج خاصة بعد الرفض الصريح للمعارضة الإصلاحية. ولذلك فإن إقصاء هذا النظام وإبعاده وحصاره وعزله خطأ ولن يسفر عن شيء إيجابي، بل ربما أدي به إلي مزيد من التشدد والتصلب.. أي أن البرادعي لايحبذ اتخاذ مزيد من العقوبات ضد النظام الإيراني الآن ويفضل استمرار الحوار معه. لكن الولاياتالمتحدة وحلفاءها الثلاثة فرنسا وبريطانيا وألمانيا لن تتوقف عن الحوار مع إيران الآن ليس استجابة لوجهة نظر د. البرادعي الذي تأهب الآن لترك موقعه في رئاسة المنظمة الدولية للطاقة الذرية، وإنما لصعوبة الحصول علي تأييد فوري لكل من روسيا والصين لفكرة تشديد العقوبات علي إيران. لقد منحت كل من روسيا والصين لأوباما موافقتهما علي تشديد العقوبات علي إيران إذا ما فشل الحوار معها، لكن الدولتين لن تقرا أو تسلما بفشل الحوار بعد أول جولة له وهو ما زال في بدايته حتي وإن تصلب الإيرانيون ورفضوا مشروع إعادة تخصيب اليورانيوم الإيراني في الخارج.. وهذا معناه أن واشنطن قد لا تظفر بقرار عاجل أو فوري من مجلس الأمن يفرض عقوبات جديدة علي إيران، وأنها إذا قررت تشديد العقوبات علي الإيرانيين، ستفعل ذلك بعيدا عن مجلس الأمن، وهو مايريد أن يتفاداه الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي جاء كما يقول ليصحح سياسات سلفه بوش وليعيد الحياة لمجلس الأمن، ويجعل القرار الدولي حصيلة مشاركة، حتي لا تنعزل بلاده عالميا حتي عن أقرب حلفائها مثلما حدث في عهد سلفه. إذن.. البديل المتاح الآن أمام واشنطن وباريس وبرلين هو عدم فض الحوار مع الإيرانيين علي الأقل خلال الأسابيع القليلة المقبلة، خاصة أن المهلة التي منحوها لطهران لم تنته بعد، فهي ما زالت ممتدة إلي نهاية العام. لكن هذا الحوار سوف يحتاج في تقدير الإدارة الأمريكية إلي أن يكون مصحوبا ببعض الضغوط علي الإيرانيين، خاصة من موسكووبكين.. وإذا كانت بكين يمكن أن تصعد من لهجتها ضد الإيرانيين، فإن موسكو في إمكانها الكثير، مثل تأخير افتتاح المفاعل النووي الإيراني في بوشهر، والمماطلة في تنفيذ صفقة الصواريخ البعيدة المدي التي تلح إيران في الحصول عليها. والأغلب أن ذلك ما بحثه باستفاضة الرئيس أوباما مع كل من الرئيس الروسي والرئيس الصيني حينما التقي بهما مؤخرا. أما بالنسبة للإسرائيليين الذين مازالوا يمارسون ضغوطا لاتخاذ إجراءات عقابية أكبر ضد إيران، فإن الرئيس أوباما يستطيع أن يخفف من ضغوطهم هذه ماداموا لم يستجيبوا له في مسألة تجميد الاستيطان. وفي هذا الصدد يمكن أن نفهم عودة الرئيس أوباما إلي توجيه انتقادات علنية للإسرائيليين.