في كل يوم يزداد يقيني بأن مصر هي "فاكهة الدنيا".. وأن عشقها المجبول في دواخلي بالفطرة لم يكن إلا نتاجا لتغلغلها في ذاكرتي مدا من التجارب الإنسانية الناطقة بكثير من الإعجاز والادهاش.. فالمصريون "شعب من الأذكياء" يمتلك القدرة علي صناعة التاريخ وتوجيه الأحداث إلي حيث يريد. وبالطبع فأنا "مصري الهوي" تأسرني اشراقات باهرة قدمها المصريون لهذه الدنيا، ف"الصوت الحرير" لكوكب الشرق يتهادي في جلال ليحيل العالم إلي شحنة من الشجن الغارق في تفاصيل الوجد والحنين، والدراما التي تأبي أن تغادر "الحارة" تشحذ مخيلتي بأصوات نابهة وطقوس حفية بتاريخ يتنسم فوح "الشاي الكشري" في مقاهي الخليلي قبل أن تأسره استقامة تائبة في مقام سيدنا الحسين وتفرحه زيارة عابرة الي السيدة زينب حيث تودد الساجدين وتضرع الدموع في مقامات التصوف الزاهدة والأرواح الشفيفة. في مصر تجاسر التجربة علي تعقيدات الدنيا ومآسيها الكبيرة، الحياة تخرج لسانها للظروف حلوة كانت أو مرة والنكتة "صناعة يدوية" تأتيك طازجة كما "الفلافل" وفي سرعة تسابق رجوع الطرف. وفي مصر شعب يتنفس الوطنية مع الاكسجين، ويقتاتها حليبا من اثداء التكوين وبدايات النشوء، وهذه هي عبقرية الانتصار الكبير الذي حققه المنتخب المصري علي نظيره الجزائري الشقيق في مباراة ارتفعت فيها وتيرة الاحساس بحب الشعار وعشق العلم والتراب، ربما تظن عزيزي القارئ أن تغزلي في المصريين خصما علي حبي واحترامي للمنتخب الجزائري الشقيق، فأنا مدين لمليون شهيد في تلك البقعة الطاهرة من أرض العرب، قدموا لنا دروسا مجانية في الفداء والتضحية وقيمة الاحتفاء بالوطن والعروبة، ومازلت أسيراً لتعميم وجهة الرئيس الجزائري بوتفليقة لسفاراته في الخارج يقول: "انصروا السودان ظالما أو مظلوما". إذن بين يدينا في الخرطوم حدث كبير وهو استضافة المباراة الفاصلة بين مصر والجزائر وربما قيض الله للسودان خيرا كثيرا والاشقاء في مصر يتوجونه بهذه الثقة التي تعكس شكلا عقلانيا لطبيعة العلاقة بين شعبي وادي النيل باعتبار أن كلا القطرين هو عمق للآخر، فاستضافة أم درمان للمباراة الفاصلة أمر سيسهم كثيرا في تحسين صورة زاهية لعاصمة وطنية فاضلة تستحق أن تكون محلا لاحتفاء الفضائيات، وربما لا أبالغ إذا قلت إن هذا الاختيار أطل كواحة سنستظل بها من هجير التهميش والاخبار السيئة التي تنقلها الفضائيات عن وطننا الجميل. إذن هي الخرطوم، رهان الوعي وقبلة الاشقاء تتهيأ لاستقبال الحدث الكبير الذي نتمني أن يوفق الجميع في اخراجه بصورة تشرف السودان، فالشعب المحبط بعمائل قسطنطين وأسعار السكر وخلافات الشريكين يستحق أن يشاهد مثل هذه المباراة وهو جدير باستضافة المنتخبين واستقبال الوافدين من أبناء مصر والجزائر بحفاوته وكرمه المعهود. بقي أن نقول هلموا إلي "الرد كسل" لنستمتع بلقاء الاشقاء فالأمر ليس أكثر من مباراة في كرة القدم، كلا طرفيها جدير بتمثيل العرب في مونديال جنوب أفريقيا وإن كنت أتمناها "فرعونية" يامتعب.. عموما مرحبا بالاشقاء من مصر والجزائر في وطنهم السودان.. وتحيا الوحدة العربية كما يقول.. عادل إمام أكبر مصانع الفرح والضحكة الحلوة.