ما أن انتهت المباراة العصيبة.. بالغة التوتر.. بين مصر والجزائر بفوز مصر لتتعادل الكفتان بين الفريقين، الأمر الذي تقرر أن تحسمه مباراة فاصلة في بلد محايد، وكانت مصر قد اختارت السودان والجزائر اختارت تونس فقد أجرت الفيفا قرعة فازت مصر بتحقيق اختيارها للسودان.. الجماهير المصرية في احتفالاتها غير المسبوقة بالفوز والذي تم بطريقة دراماتيكية قبل دقيقتين من نهاية المباراة.. أنشدت علي الفور نشيدا تلقائيا عفويا من القلب.. وحياة أهل السودان هنروح المونديال وهو أمر بالغ الدلالة عن رأي الشعب المصري في أهل السودان أنهم أهله وناسه وبلده.. ولذلك لم يذهب بعيدا فالسودان هو بيت الاخ الذي سيحتفل فيه بعرس أخيه. وأود الاشارة إلي أن فريقنا سيخوض مباراته الحاسمة والمظفرة - بإذن الله - في استاد المريخ في أم درمان وسيجد جمهورا متحمسا للفريق المصري.. ابن النيل.. وهناك ملاحظة علي الحميمية الشديدة عندما عبر كمال شداد رئيس الاتحاد السوداني لكرة القدم عن رغبته في فوز مصر بهدفين فقط، علشان نشوفكم في السودان وهو قول ودود لا استغربه من كمال شداد. سيجد أبطالنا أناسا منحازين لهم راغبين في فوزهم.. آملين في تأهلهم للمونديال.. إلي جنوب أفريقيا عن طريق السودان. ربما لا يعرف.. الكثيرون مدي ما يكنه الشعب السوداني من حب للاعبي الكرة المصريين من أمثال محمود الخطيب في الفترة الماضية وعشقهم لأبوتريكة حاليا وباقي اللاعبين ويعيش في وجدانهم أدباء وفنانون ورواد ونجوم السينما والكرة المصريين. وفي السودان مشابهات كثيرة لحالنا الكروي في مصر فهناك ناديان رئيسيان الهلال والمريخ بينهما ما بين الأهلي والزمالك في مصر، وكل منهما تآخي مع نظيره في مصر، فالهلال تآخي مع الأهلي والمريخ تآخي مع الزمالك، وعشاق الهلال في الغالب أهلوية في حين أن أنصار المريخ زملكاوية في العموم وهم ينفعلون انفعالا كبيرا مع أي انتصارات تحرزها الفرق المصرية وقد رأينا كيف أن الرئيس عمر البشير قد كرم المنتخب المصري بعد فوزه بالبطولة الأفريقية في غانا.. لقد كرم اللاعبين وإدارتهم الفنية تكريما ينم عن حب واعتزاز رغم أن السودان كان إحدي الدول التي تجاوزتها مصر! ولقد رأيت ذات مرة بعد فوز الأهلي ببطولة أفريقيا أن خرج الأخوة في السودان هاتفين محتفلين بفوز الأهلي في شوارع الخرطوم وكأن الهلال أو المريخ هو الذي فاز بالبطولة بل إن السيد علي شمو وزير الشباب والرياضة في ذلك الوقت طلب من نظيره المصري أن يسمح بنزول الفريق في الخرطوم أثناء عودته للاحتفاء بهم. هذا طبعا لا يمنع أنه إذا حدثت مواجهات كروية بين الفرق المصرية والسودانية فهم بالطبع يشجعون فرقهم ويتحمسون لها حماسًا شديدًا وليس في هذا غرابة.. وهم هادفون من ذلك أن يبرهنوا علي أن جنوبالوادي لا يقل فنا وكفاءة عن شقيقه في الشمال! ولهذا فقد كنت حريصا عندما كنت مديرا للمركز الثقافي المصري بالخرطوم أن انبه اللاعبين المصريين في زيارتنا لهم بأن يحرصوا علي الاحتفاظ بتلك الحميمية والروح الرياضية بالغة السمو التي يحملها لهم الشعب السوداني. لقد كانت لفتة بالغة الذكاء والحب في اختيار مصر للسودان بلدا.. للفاصلة.. وسوف يري لاعبونا - بإذن الله - أنهم يخوضون اللقاء المؤهل في ملعب المريخ كما لو كانوا في استاد القاهرة بقي أن أقف أمام برقية الرئيس محمد حسني مبارك مهنئا بالفوز.. لقد وجهها سيادته إلي الشعب المصري وهي لفتة عظيمة ومستحقة - لهذه الملايين التي خرجت بعد المباراة في جميع بلاد الجمهورية.. فالرئيس وجه التهئنة للشعب المصري الذي احتضن لاعبيه وضحي وانفعل وسهر وقلق وجعل تلك المباراة مباراة عمره.. انفعل الشعب بها انفعالا لا أعتقد أن شعبًا آخر يماثله فيه.. وفي تعبيره عن النصر.. وهو في حرصه علي المؤازرة لم يخطئ في حق أحد.. ولم يتشف في أحد.. رغم ما واجهه وآلمه من الأمور البعيدة كل البعد عن الأخوة العربية والروح الرياضية حتي وصفتها إحدي الوكالات الأجنبية بأنها مباراة الكراهية.. كم هو جميل هذا الشعب الكبير المتحضر.. ولذا كم كان جميلا أن يخصه الرئيس بالتهنئة.. الليلة كانت جميلة انفعالية كروية تلاعبت بأعصابنا فيها المستديرة اللعوب.. فأعطتنا رشفة في بداية المباراة.. ولم تنس بعد أن نشف ريقنا أن تعطينا الرشفة الثانية في نهايتها مكافأة فنحن نستحق.. لهذا هتف شعبنا في غمرة الأفراح وحياة أهل السودان هنروح المونديال.. فاللسودان بإذن الله نصيب كبير في فرح أخيه وعاشت وحدة وادي النيل.