يبدو أن العودة للماضي بصورة أو بأخري، كانت هي الفكرة التي جمعت بين العديد من الكتاب الغربيين هذا العام، حيث ابتعد أغلبهم في أعمالهم عن الحاضر، واختاروا لأنفسهم أن يعيدوا صياغة أجزاء من الماضي كل علي طريقته، وحسب وجهة نظره. فمع اقتراب عيد القديسين "الهالووين"، خرج علينا الكاتب الأمريكي بيتر أكرويد مؤخرا برواية مناسبة تماما لجو هذا التوقيت من العام، عنوانها "كتيب فيكتور فرانكشتاين"، قام خلالها أكرويد يتنقيح وتعديل واحدة من أعظم القصص القوطية علي الإطلاق، لمؤلفتها البريطانية ماري شيللي، وهي رواية فرانكشتاين، التي أعاد فيها المؤلف حكي تحفة تشيللي عبر تقديم أشكال الجدل النفسي التي تدور داخل الإنسان، وهي فكرة حاول العديد من مشاهير الأدب طرقها في أعمالهم، إلا أن رواية أكرويد نجحت في وضع يدها علي ذلك الوحش الكامن بخيال كل منا. الرواية تبدأ ببطء، وتوظف الفصول الأولي منها في إعطاء شعور عام بتلك الفترة من القرن التاسع عشر، بينما يشهد النصف الثاني منها تصاعدًا سريعًا للأحداث، حين يبدأ الوحش في مطاردة كل شخصيات القصة، وفي المقابل تجد الدكتور فيكتور فرانكشتاين وقد حاد عن فطرته ومنطقه العقلي، فيتصرف بعشوائية، تدفعه لمحاولة إعادة جاك كيت للحياة، دون أي حساب لنتائج تصرفه الوقح النابع عن عجرفته في مواجهة الله، ولعل تعقيد العنصر الأيديولوجي للقصة يكمن في مفاجأة نهايتها، الأمر الذي يجعل القارئ يعيد النظر في خطوط القصة بأكملها، وهي لمسة مثيرة ومتعمدة أن يتم تحديث قصة فرانكشتاين بلمسة فرويدية بديعة. حنين واضح للماضي بدا في كتابة أكرويد الذي كتب روايته بلغة كاتب معاصر يتخيل المصطلحات التي من يفترض أن يستخدمها شعر القرن ال19، مزيج من الإلقاء الرسمي وأسلوب الكلام البريطاني الذي يستغربه البعض. أما تيموثي إيجان الصحفي بجريدة نيويورك تايمز، فيأبي إلا أن يعود لحقبة أقرب نوعا ما في التاريخ الحديث، هي فترة حكم تيودور روزفلت، وذلك في كتابه الحريق الكبير، الذي يدور حول واحدة من أكبر الكوارث الوطنية في تاريخ أمريكا، وهو الحريق العظيم الذي شب عام1910، الذي قضي علي ما يقرب من 3ملايين هكتار من الغابات البرية الكثيفة، فضلا عن قتل 85 شخصًا، وجرح وتشويه المئات. بطريقة درامية جدا، يعيد تيموثي تقديم الأحداث المأسوية في روايته، التي يحمل الذنب فيها للمسئولين عن خدمة الغابات في هذا الوقت، الذين تباطأوا عن تقديم الدعم والمساعدة، مع بدايات الكارثة التي وقعت في البداية فوق قمم الجبال من جراء البرق، الذي تحول مع قوة الإعصار الذي ضرب المنطقة وقتها إلي كرات ضخمة من اللهب سقطت من كل حدب وصوب علي الغابة لتحرق كل ما فيها. أحداث المأساة يرويها تيموثي في 800 صفحة، وبرغم الشكوك التي تساور البعض حول صحة ما أورده في كتابه إلا أن القارئ الأمريكي سرعان ما يفضل التغاضي نظرا لما أولاه الكاتب من حفاوة وتكريم بالغ لعدد من الشخصيات المجهولة التي رفعها لمصاف الأبطال، وهم الأشخاص الذين ضحوا بحياتهم وعائلاتهم لمواجهة معركة خاسرة مع الجحيم المستعرة. وها هو الكاتب الأيرلندي ستيوارت نيفيل يحاول توثيق مرحلة ما من التاريخ في أحدث رواياته" أشباح بلفاست"، نيفيل يري أن الأيام التي اضطرت فيها أيرلندا الشمالية للدخول في حرب كانت أياما دموية وسوداء، ويظهر ذلك عبر الأحداث التي يمر بها بطل روايته جيري فيجن، رجل الأعمال الدموية في أيرلندا الشمالية، وأحد أكثر جنود الجيش الجمهوري الأيرلندي شراسة وفتكا، ذلك الرجل الذي لا يعرف الرحمة، وجد نفسه فجأة يعيش في العالم الجديد الذي يسوده الشجاعة والسلام - حسب رأي الكاتب- ولكنه أصبح مدمنا علي الكحول مسكونا بضحاياه، يتذكر في كل لحظة أفعاله الشنعاء أراد أو أبي إلا أن يقرر إعادة تلك الأيام بمعاونة 12 من أشباح الماضي، رفقائه الذين يذكرونه رغما عنه بأفعاله التي يقرر العودة لها كي لا تؤلمه بعد ذلك.