نقول - ودون أدني مبالغة - إن مباراة كرة القدم بين مصر والجزائر والمؤهلة لكأس العالم في جنوب أفريقيا، والتي أقيمت في 2009/11/14 قد شغلت كل الناس في مصر علي اختلاف الفئات والمستويات وتكاد تكون من الأحداث القليلة التي يجتمع عليها الناس، حتي أعلي القيادات السياسية بالرغم من مشاغلهم وفي القلب منهم الرئيس مبارك الذي حرص علي زيارة المنتخب قبل المباراة. ولقد جاءت هذه المباراة قبل وأثناء أدائها وبعدها كاشفة عن بعض الأمور ذات الأهمية والدلالة، والتي يجب علينا التوقف عندها وكثيرا جدا، يأتي في مقدمة هذه الأمور: 1- ما تتمتع به مصر من أمن وأمان ومن قدرة علي استيعاب الأحداث والتعامل معها باسلوب يحفظ لمصر سمعتها ومكانتها بين الأشقاء، وعدم الخروج علي ما يهدد الأمن العام، فضلا عما هو معروف عن الشعب المصري من كرم الضيافة وحسن الاستقبال والتسامح حتي مع من يسيئون إليه. 2- ما أظهره الشعب المصري علي اختلاف المستويات والفئات والأعمار من انتماء عميق لمصرنا الحبيبة، فالبرغم من كل ما يعانيه المواطن وبالرغم من وجود العديد من فضائيات الفساد والإفساد وإعلام الإحباط، والذي يعمل ليل نهار علي تدمير قمم الولاء والانتماء، خاصة لدي الشباب، إلا أن ما حدث قبل وبعد وأثناء المباراة قد كشف عن المعدن الأصيل لهذا الشعب، وعمق الانتماء لدي أبنائه وأقول خاصة الشباب. 3- التفاف المواطنين علي اختلاف أعمارهم وفئاتهم حول العَلَم المصري والاعتزاز به، واعتباره الرمز الوطني الذي يذكرنا بالأحداث العظيمة ورفعه فيها، وفي مقدمتها رفع العلم المصري فوق أطلال خط بارليف يوم العبور العظيم، وهذا الأمر الذي يفرض تكريس ثقافة العَلَم والحفاظ عليه، وأن يرفرف في زهو وفخار علي كل المؤسسات خاصة التعليمية منها، وأن يحظي بالاحترام خاصة بين الناشئة. وهناك العديد من الايجابيات الأخري التي تتعلق بأداء اللاعبين والتنظيم وغيرها مما يدخل في اهتمامات غيرنا من الرياضيين والمنظمين. لكن هذه الايجابيات لا يمكن ولا يجب أن تنسينا العديد من السلبيات التي أحاطت بأجواء المباراة وبالتحديد قبل إجرائها، وكلنا يعرف ما حدث سواء في الإعلام المصري أو الجزائري ولن نطيل الكلام حول هذه السلبيات، ويكفي وفقط الاشارة إلي الآتي: 1- ما قامت به وسائل الإعلام في البلدين من الاساءة للشعبين الشقيقين، وإثارة الفتن والنعرات التعصبية، وبعد أن كنا نقول إن الرياضة توحد ما تفرقه السياسة بين الشعوب العربية، أصبح الإعلام هو المفرق والممزق لهذه الوحدة، والعامل علي تدمير كل الطرق المؤدية إليها، وبالطبع من غير الموضوعي هنا التعميم علي كل وسائل الإعلام، وإنما نخص وبالتحديد تلك التي ابتليت بها الأمة العربية في هذا الزمن الرديء ومنه المخترق ثقافيا، بل أمريكيا وصهيونيا، ومعه المستفيد ماديا، ولا يهمه سوي جمع الملايين إن لم يكن المليارات من الجنيهات والدينارات والدولارات، ولو أدي هذا إلي اختلاق الأحداث والخلافات حتي يجد ما يتحدث فيه ولو كان كذبا واختلاقا. 2- إنه ولأسباب متعددة وهذه حقيقة لابد من الاعتراف بها - باتت ثقافة التعصب تنتشر بين الناس، ليس في مصر وحدها، وإنما تقريبا في كل البلدان العربية، نعم أنه موجود وربما بدرجة أكبر من البلدان المتقدمة لكن ما كان لهذه الثقافة أن تنتشر في بلداننا العربية والإسلامية بحكم ثقافتها ودينها الذي يحث علي التسامح والتراحم والحب وإيثار الآخر، وينبذ الفتن والأثرة وغيرها من القيم العربية والإسلامية النبيلة، كما باتت ثقافة الجهل والتجاهل تنتشر حتي بين من نعتبرهم نخبة، أو من المسئولين في العديد من المواقع، وهم - بطريق أو بآخر - يؤثرون في الوجدان ويشكلون وعي الجماهير، بالسلب أو الايجاب، وعيا صحيحا أم زائفا. بل وهو الخطير أن الناس باتت لديها قابلية للاثارة والتهيج والتعصب أكثر من أي وقت مضي، وبالتأكيد أن هذا له أسبابه، التي يجب أن تهتم بها المؤسسات والدراسات العلمية. لخطورة مثل هذه الأمور علي مستقبل الأمة وحركتها وفي الوقت نفسه يجب علينا ملء الفراغ الذي يعيشه الناس، خاصة الشباب ويجعله يتوجه إلي إدمان الانترنت لشغل هذا الفراغ، نقول علينا ملؤه بما هو مفيد لهم ولأمتهم وهذا لن يتحقق إلا من خلال توافر المشاريع القومية التي يجتمع حولها الشباب وفيها يبذلون الجهد، وحولها يتمحور الولاء والانتماء وبالتالي نخرج هذا الانتماء من تلك الدائرة الضيقة التي تدور حول الرياضة، حتي لا يكونوا نهبا لحياة الاغتراب، أو الوقوع فريسة للاختراقات الأجنبية والايديولوجية المدمرة. وهذا ينقلنا إلي ما ينبغي أن تكون عليه المباراة الفاصلة بين المنتخبين العربيين الشقيقين: المصري والجزائري، والتي ستقام في السودان يوم الأربعاء 2009/11/18 وحولها نقول: إنه يجب علينا أن نجعل منها مهرجانا رياضيا عربيا، ليس فقط بين الجزائر ومصر وإنما أيضا بينهما وبين السودان الذي ستقام فيه المباراة، بل وبين كل الشعوب العربية وذلك للعديد من الأسباب، يأتي في مقدمتها: 1- تأكيد عمق العلاقة بين الشعوب العربية، وأن الرياضة فعلا قادرة علي أن توحد ما تفرقه السياسة، وهنا ينبغي علينا ألا ننسي فرحة الشعوب العربية من المحيط للخليج، يوم أن توحدت الوجدانات والمشاعر والفرحة الغامرة بما حققه المنتخب المصري لكرة القدم من انتصارات في مباريات كأس القارات، وكانت هذه الفرحة مثار اهتمام كل الفضائيات العدو منها والصديق. 2- إن تحويل المباراة الفاصلة إلي مهرجان رياضي عربي، يعتبر ضربة قاسمة وقاسية لتلك المحاولات البائسة، الفاشلة، بل وللشامتين في وحدة الأمة العربية، وما بينها من علاقات القربي، خاصة الصهاينة والفارسيين، وغيرهم كما سيقضي علي مرتزقة الإعلام في كل البلدان العربية، والذين يصطنعون الأحداث واختلاق الأكاذيب لكسب المزيد من الملايين علي حساب العلاقات الأبدية بين الشعوب العربية. وبهذا وغيره نضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، خاصة تلك العصافير التي تلتقط من كل الموائد، أما العصافير المغردة فستبقي تنشر أغاني الحب بين كل الشعوب العربية. ولهذا ولغيره، نأمل أن تتحول المباراة الفاصلة إلي مهرجان رياضي عربي بل ومهرجان للحب بين الأشقاء.