حينما تم إطلاق مشروع الحوار الاجتماعي بمبادرة من منظمة العمل الدولية بتكلفة 3 ملايين دولار انتظرت الأوساط العمالية مزيداًَ من التحسن في ظروف العمل داخل التجمعات والمناطق الصناعية، غير أن الرياح تأتي أحياناً بما لا تشتهي السفن حيث واجه المشروع مشاكل عديدة في ظل تجاهل ممثلي رجال الأعمال وعدم تجاوبهم مع المسئولين عن المشروع القائم علي فكرة إنشاء آلية للتفاوض والحوار بين أطراف العمل الحكومة والعمال وأصحاب الأعمال تخدم مصالح الجميع بما يصب في خدمة الاقتصاد الوطني. روزاليوسف قررت اقتحام ملف الحوار الاجتماعي خوفاً من تحوله إلي حوار طرشان لتنتهي الفكرة قبل أن تنبت بذورها الأولي وسط أطراف العمل.. يكشف مصطفي السعيد مدير مشروع الحوار بمنظمة العمل الدولية عن أسباب توقفه عند محطة رجال الأعمال بسبب تجاهلهم له مؤكداً أن المسؤلية الاجتماعية للأستثمار جزء أساسي لنجاح الحوار: ما أهداف مشروع الحوار الاجتماعي الذي تقوده المنظمة؟ - المشروع تم إطلاقه في يونيو عام 2008 بهدف نشر ثقافة الحوار ومساعدة أطراف العمل علي تمويل الحوار المجتمعي إلي مؤسسي علي مستوي المنشأة والمصنع وإعادة النظر في القوانين التي قد تعوق تنفيذ هذا الحوار وإمكانية تعديلها بما يخلق في النهاية علاقات عمل متوازنة تحقق مصالح العمال والمستثمرين والحكومة. لكن هناك تخوفًا من فشل هذا المشروع بسبب عدم استجابة رجال الأعمال؟ - لنفترض أنك عزمت أحدًا علي تناول الغداء ولكنه لا يريد أن يحضر ماذا ستفعل؟ فكل ما أريد توضيحه هو أن منظمة العمل الدولية ليس لديها نفوذ علي رجال الأعمال لكي تلزمهم بمشروع الحوار الاجتماعي فهناك حكومة قادرة علي إلزامهم بذلك، ونحن في النهاية نسعي للعمل معهم علي نشر ثقافة الحوار لإقناعهم بأهميته وإن كان بعضهم لديه إحجام عن ذلك فهو يتحمل المسئولية ولا يجب أن ننسي الأطراف الأخري المشاركة في الحوار وهم العمال والحكومة. لماذا يتجاهل رجال الأعمال مشروعات نشر ثقافة الحوار الاجتماعي؟ - هناك رجال أعمال حديثو النشأة ليس لديهم خبرات في مجال علاقات العمل بين أطراف الإنتاج وأهميته فمعظم الموجودين حاليا بدأوا في الظهور في فترة الثمانينيات، لذلك خبراتهم بأهمية الحوار قليلة، رغم أنه يحافظ علي استثماراتهم ويزيد من الإنتاجية وينمي ثقافة العمل الوطني لكن هذا لا يعني أن هناك رجال أعمال مؤمنين بثقافة الحوار وضرورة وجود آلية لتفادي النزاعات، والمسألة في حاجة إلي وقت ومتابعة. وما أسباب هذا التجاهل من قبل رجال الأعمال لفكرة الحوار الاجتماعي؟ - مصر فيها تشريعات قانونية تحمي العمال ولكن هناك مستثمرين يعتقدون أنهم ما داموا امتلكوا المال فإنهم بذلك اشتروا الناس ويتجاهلون كل العالم ويضربون عرض الحائط بكل القوانين، ولابد أن يكون هناك بعد نظر وهذا له علاقة بالخبرة والثقافة بوجه عام. لكن المشروع الذي تتولاه المنظمة ينتهي في عام 2011 وهو مهدد بالفشل بسبب غياب الطرف الثالث وهو رجال الأعمال؟ - الهدف ليس المشروع في حد ذاته ولكن محاولة بناء اقتصاد مصري قوي قادر علي المنافسة والتأكيد علي تفعيل الثلاثية والحوار، وإذا مرت المدة الزمنية دون اجتماع الأطراف الثلاثة للاتفاق علي ميثاق شرف ينظم علاقة العمل فهذا لا يعني أن الحوار سيدفن فالمسألة لا تتعلق بزمن وهناك تنسيق مع اتحاد العمال ووزارة القوي العاملة والهجرة لتحسين مستوي معيشة العاملين وظروف العمل وتطوير قدرة الاقتصاد المصري علي المنافسة في ظل السوق الحرة. في هذه الحالة ستخسر المنظمة 3 ملايين دولار قيمة تمويل المشروع؟ - نحن لا نخترع موضوع الحوار ولكن ندعمه في إطار مختلف حيث كان هذا الحوار موجودًا في أوقات مختلفة وإذا انتهت مدته الزمنية فمن الوارد أن تقود المنظمة مشروعات أخري لتعزيز ثقافة الحوار. البعض وجه اتهامات بالفساد للمسئولين عن مشروع الحوار.. ما صحة ذلك؟ - هذا المشروع يتم تقييمه من قبل المنظمة بشكل مباشر وكذلك الشركاء الاجتماعيين وتحت إشراف الوزيرة ولا يوجد أي فساد لأننا نؤمن بالشفافية، ولكن قد تكون هناك ملاحظات للجنة الاستشارية للمشروع تؤخذ في الاعتبار. وهل نجحت المنظمة في تنفيذ فكرة الحوار الاجتماعي في دول أخري؟ - هناك عدة دول طبقت الفكرة بنجاح منها الأردن التي أنشأت مجلسًا اقتصاديا اجتماعيا وبدأ اجتماعاته، وهناك محاولات بالمغرب لتشكيله وكذلك في دول آسيا وأفريقيا. منظمة العمل الدولية لديها ملاحظات عديدة علي قوانين العمل في مصر.. فهل هناك ضغوط لإحراج موقفها أمام العالم؟ - بداية لا توجد لدي المنظمة ما يطلق عليه البعض قائمة سوداء للدول ولكن هناك ملاحظات، ولا توجد دولة في العالم لا تبدي المنظمة ملاحظات حول قوانين العمل بها ومدي مطابقتها للاتفاقيات والمواثيق الدولية، وعلينا أن نعترف بوجود تطورات إيجابية في كثير من الجوانب في مصر ولجنة المعايير بمنظمة العمل الدولية أشادت بأداء الحكومة في نقاط عديدة، ولذلك فالمنظمة لا تعمل وفقًا لضغوط ولا نسعي لاحراج موقف أي دولة بل مطابقة القوانين مع الاتفاقيات الدولية. وما أسباب تزايد الإضرابات والاحتجاجات العمالية في العالم رغم مبادرات الحوار الاجتماعي التي تحاول المنظمة تعزيزها؟ - هناك تغيير جوهري في جميع دول العالم حيث يسيطر اقتصاد السوق الذي يغلب الجانب الاقتصادي علي الاجتماعي ولذلك يشعر العمال بالخوف والقلق علي مستقبلهم وهناك تحول للعقود الدائمة إلي مؤقتة وتزايد العمل بالقطاع غير الرسمي ومع هذا التوتر تبدأ المشاكل العمالية ولذلك السلام الاجتماعي لا يمكن أن يتم بدون ضمان مستحقات العمال وكذلك لن نستطيع تحرير التجارة دون علاقات عمل متوازنة وحريات نقابية. وماذا عن الإضرابات العمالية في مصر؟ - الحكومة المصرية حريصة في سياستها علي مكافحة الفقر والحفاظ علي حقوق العمال ورغم ما يقال عن أنها حكومة رجال الأعمال إلا أن هناك حرصًا علي البعد الاجتماعي وهذا الأمر يبدو واضحًا في كل خطابات رئيس الجمهورية محمد حسني مبارك في عيد العمال أو غيره فضلاً عن أن السعي لجذب مستثمرين جدد هدفه خلق فرص عمل جديدة في الصعيد والوجه البحري.