أعتقد أنه لا خلاف حول أن التمسك بالمظاهر بوجه عام، والمظاهر الدينية بوجه خاص.. من التصرفات التي تعتبر ضد المواطنة، ليس فقط لأنها نوع من الشكل أو الصور الافتراضية التي لا تمس الواقع اليومي، بل لأنها نوع من فرض تصرفات محددة من شأنها أن ترسم ملامح لشخص المتدين مثل من يقومون بقراءة القرآن الكريم أو الكتاب المقدس في وسائل المواصلات العامة، أو أثناء السير في الشارع، وهي الظاهرة التي انتشرت كثيراً في الفترة الأخيرة.. ضمن ظواهر أخري علي غرار تحميل الموبايلات رنات دينية سواء كانت مسيحية أو إسلامية. ألاحظ كما يلحظ غيري انتشار ظاهرة تلاوة القرآن الكريم في المواصلات العامة وفي أماكن العمل بصوت مرتفع وباستخدام مكبرات الصوت في سرادقات العزاء بحيث تصل إلي المناطق المجاورة سواء كانت منازل أو مستشفيات أو مدارس، كما يقوم البعض بتشغيل إذاعة القرآن الكريم في المحلات والشقق أثناء غلقها.. اعتقاداً أن الأماكن المغلقة.. يسكنها الشياطين، وهي تصرفات غير قابلة للنقاش لأن من يقوم بها يعتبرها نوعاً من أنواع (البركة الدينية) التي تمس صحيح الدين الإسلامي، وبالتالي.. لا نقاش فيها أو جدل حولها. أعجبت كثيراً بتصريحات رئيس لجنة الفتوي بالأزهر الشريف سابقاً الشيخ جمال قطب في جريدة الشروق 24 أغسطس 2009، والتي قال فيها: (فحاذر أن تلاعبك النفس الأمارة بالسوء.. فتتصور إنك بإطلاق القرآن الكريم عبر مكبرات الصوت، فالقرآن الكريم أعظم وأعلي من أن يقارن بأي شيء آخر كما أن للقرآن آداباً في التلاوة والسماع حيث لا مفر من الالتزام وعدم تجاوز صوت القاريء). والطريف أن دار الإفتاء قد عارضت فتوي الشيخ جمال قطب وقالت إنه لا مانع شرعاً من سماع القرآن الكريم وتشغيله في أماكن العمل. ما يلفت الانتباه في هذا الاختلاف أنه قد تجاهل آداب قراءة القرآن الكريم وآداب سماعه والإنصات إليه، وهو الأمر الذي وجدته يتكرر بشكل آخر من خلال الميكروفونات الضخمة في سرادقات عزاء الشوارع، والتي يتعاقب عليها الكهنة لإلقاء (وعظات) التعازي. إن جميع المظاهر السابقة هي من نتائج التدين الشكلي التي لا تمثل في حقيقتها أي شكل من أشكال التمسك بالمبادئ الدينية وقيمها، بقدر ما يتمسك بالشكل الذي يظهر به أمام المجتمع، وهي كلها شكليات لا علاقة لها بالإصل أو المضمون أو القيمة الجوهرية. بالطبع، إن الإنصات لتلاوة القرآن الكريم من أحد شيوخنا ومقرئينا الأجلاء.. بصوت حلو وعذب هو أمر مرغوب ومطلوب.. بما يساعد علي نشر ثقافة التدين الحقيقي، وهو ما نفتقده في ظل فوضي التدين الشكلي.. من خلال الصور التقليدية الافتراضية بما يجب أن يكون. في تقديري، فإن وزارة الأوقاف عليها دور كبير في هذا الأمر، وهو لا يقتصر علي تقنين الأذان الموحد فحسب! بل وعلي تدريب شباب الدعاة علي قواعد التلاوة وآدابها.