عاني قصر السكاكيني من عمليات نهب وسرقة وإهمال علي مدار ما يزيد علي 65 عاماً منذ تأميمه حيث آلت تبعيته إلي أكثر من جهة منها الاتحاد الاشتراكي ثم أصبح متحفاً صحياً وآلت تبعيته إلي المجلس الأعلي للآثار منذ 15 عاماً.. واختفت الكثير من مميزاته وطمست معالمه وسرقت آثاره ومقتنياته.. .. القصر يقع في حي الظاهربالقاهرة علي مساحة 2698 متر مربع وأنشأه المكتب الهندسي الاستشاري الإيطالي العالمي في روما عام 1897 وكان مملوكاً لأحد الباشوات ويدعي حبيب السكاكيني أحد تجار وصناع السلاح الأبيض في نهاية القرن التاسع عشر. وكر للأشباح .. تحول القصر حالياً إلي وكر الأشباح وإلي خرابة وأصبح مهجوراً ولم تستفد منه الدولة في شيء وهناك مطالبات بتحويله لأثر فعلي ومتحف يضم الآثار المختلفة أو بيت للثقافة.. بدأنا جولة حول القصر بصحبة بعض خبراء الآثار والمتخصصين للكشف عن وجه الإهمال والنقص في مقتنيات القصر من تماثيل وزخارف ومحتويات تم نهبها وسرقتها علي مدار العصور التي مر بها قصر السكاكيني إضافة إلي طمس المعالم الحقيقية له واختفاء بعض النقوش والتماثيل التي تحيطه من كل جانب تحت الأتربة والتلوث وتعرض بعض أجزائه للانهيار نتيجة التشققات والشروخ الموجودة به.. وكان أول نموذج للسرقة في ملحقات القصر من الخارج وتبدأ بالسور الحديدي الخارجي له والذي اختفت كل حرابه الحديدية وسرقها تجار الخردة بمعاونة المسئولين عن القصر منذ سنوات عندما كان متحفاً صحياً.. ولفت انتباهنا ووجود 6 بوابات لمداخل القصر تقع كل منها أمام أحد الشوارع فهناك اثنان أمام شارع السكاكيني وامتداده، ومثلها أمام شارع ابن خلدون وامتداده، ومثلها أمام شارع الشيخ قمر وامتداده.. ... ومن داخل السور الحديدي الخارجي بدأنا رصد حالة القصر الخارجية عند الباب الرئيسي الذي يوجد أمامه تمثالان كبيران لحيوانين لم يظهر من وجوهيهما ما يدل علي فصيلتيهما بسبب طمسهما، وكسر أقدامهما الأمامية.. إضافة إلي عدم وجود إحدي زهرتي اللوتس الزخرفية الموجودة في مدخل الباب الرئيسي جهة اليسار، وكذا فوانيس الإضاءة القديمة ولا يوجد شيء فوق الأعمدة الحاملة علي جانبي المدخل. علي وشك الانهيار ويؤكد الأهالي ممن عاصروا القصر وقت زهوه أن هناك عمودين كانا يحملان تمثالان من المرمر علي جانبي المدخل ولكنهما غير موجودين في الوقت الحالي واختفت نتيجة أعمال السرقة والنهب التي استمرت لعقود طويلة مرت علي القصر.. وبدا أن سقف الطابق الثاني فوق الباب الرئيسي علي وشك الانهيار بين حين وآخر بعد أن سقطت القشور منه وظهرت القطع الخشبية التي يحتوي عليها السقف. وعلي اليمين قليلاً يوجد تمثال لفتاة تقف علي شكل زخرفي يشبه التاج وتسمي درة التاج أي أنها أعز وأغلي شيء لدي صاحب التاج أي صاحب القصر واختفي لون التمثال الحقيقي الذي كان يشع ضوء عندما تتعامد الذي كان يشع ضوءاً عندما تتعامد عليه الشمس تحت الأتربة الكثيرة التي كونت طبقة تحول دون رؤية الشكل الحقيقي للتمثال، أما التاج فلم يسلم من عوامل السرقة والإهمال بعد نزع رءوس الأسود المطرز بها واختفائها بشكل واضح وهو الأمر الذي تكرر مع 3 تماثيل أخري تعبر عن درة التاج في الأركان الأربعة للقصر. .. وأمام هذا التمثال يوجد عمود ساري يحمل بقايا تمثال علي شكل التمساح كان موجوداً عليه ولم يتبق منه سوي ساقية فقط، ويوجد عمود ساري آخر علي الجهة الأخري للمدخل الرئيسي واختفي تمثال التمساح الذي كان يحمله هو الآخر.. وفوق درة التاج في الطابق الثاني توجد عدة أشكال زخرفية، علي شكل فتيات اختفي لونها الأصلي وزهوها بسبب الإهمال وعوامل الجو السيئة.. إضافة إلي عدد من الأشكال الأخري المصنوعة علي شكل أطفال، ولا توجد أجزاء من بعضها إضافة إلي اختفاء أحدها ولم يتبق منه سوي ساقية فقط. تهالك الزخارف وبعد خطوات اختفت بعض الحلي الداخلة في أصل المبني منذ سنوات، وتماثيل صنعت من الرخام وبدا عليها عوامل التهالك التي تنذر بالقضاء عليها إضافة إلي شروخ وتصدعات ظهرت في الطابق الثاني من الخارج. وأمام البوابة الخلفية عند امتداد شارع السكاكيني توجد نافورة جفت منها المياه وأمامها تمثالان لأسدين من الجرانيت الأبيض والرخام المستورد من إيطاليا.. وعلي يمينها توجد 10 من حوامل التماثيل الملقاة علي الأرض بعد اختفاء التماثيل التي كانت موجودة عليها وكانت موزعة علي كل أنحاء القصر، وبجوارها تآكل واضح علي جدران القصر بسبب ملوحة الأرض وعوامل التعرية الهوائية والبيئية. .. ويليها تمثال آخر لدرة التاج وهي ترتدي ثياباً مختلفاً عن الأخريات وبدا علي كف اليد اليسري لها وجود محاولات سابقة لقصها وسرقتها، وبالقرب منه يوجد باب خلفي للقصر مكتوب عليه جملة حبيب السكاكيني 1897 باللغة العربية في إشارة إلي اسم صاحب القصر والعام الذي بني فيه. .. سألنا أهالي المنطقة المجاورين لقصر السكاكيني في الميدان الذي سمي باسمه بمنطقة الظاهر وخاصة كبار السن الذين شهدوه منذ أكثر من 50 عاماً وقارنوا بينه سابقاً وحالياً. شهود عيان .. الحاج إبراهيم محمود نور الدين - 90عاماً - ويملك محل كوافير حريمي في الميدان منذ عام 1952 يري أن قصر السكاكيني تحول إلي خرابة وبيت للأشباح بعد أن افتقد الاهتمام من قبل المسئولين عنه منذ أن أممته ثورة 1952 وتحوله بعد ذلك إلي متحف للقاهرة الصحي.. مشيراً إلي عمليات التجديدات التي كانت تجري داخل القصر في أوقات مختلفة كانت تتخذ ذريعة لسرقة محتوياته الأثرية من نجف وكريستال وأخشاب ورخام أثري مؤكداً علي أن حراس القصر منذ ما يزيد علي 10 سنوات كان لهم دور فعال في عمليات النهب والسرقة.. وانتقد الإهمال القائم في تطوير أو استغلال القصر في تحويله إلي متحف أثري أو بيت ثقافة مما يساهم في تحويله إلي مزار سياحي يقصده المصريون والأجانب، بدلاً من الوقت الحالي الذي يلجأ إليه طلبة الآثار والفنون الجميلة لالتقاط الصور الفوتغرافية التي تساعدهم في الدراسة كأثر أو قيمة فنية وتاريخية مميزة. .. أشرف حسني 58 سنة من أهالي السكاكيني يؤكد علي أن القصر كان تحفة تاريخية وآية في النظافة وغاية في الجمال، حتي أن الأهالي كانوا يقفون أمامه لمشاهدته لأوقات طويلة ومشاهدة التماثيل المصنوعة من المرمر التي كانت تضيء عند تعامد الشمس عليها وكانت تعطي مظهراً جمالياً رائعاً.. ويضيف: أثناء عمليات الترميم التي كانت تجري للقصر تم تهريب محتوياته من مشغولات خشبية وتحف وخزف وغيرها، وحدث ذلك في سبعينيات وتسعينيات القرن الماضي، واعتبر أن المشهد الحالي للقصر يرثي له إذا ما قورن به منذ عشرات السنين، وطالب بضرورة الحفاظ علي القصر كثروة وعدم إهدارها. محتويات القصر حالياً .. انتقلنا إلي سلوي حيرم.. مدير عام تفتيش آثار وسط القاهرة المسئولة عن قصر السكاكيني والتي حصرت محتويات القصر الذي أنشئ علي الطراز الأوروبي نهاية القرن ال 19 في وجود ترابيزة من خشب الأرو ودولاب بمرآة وكرسي من الجلد وبعض اللوحات الزيتية، حيث يتكون القصر من 5 طوابق وبدروم ويحيط بأركانه 4 أبراج يعلو كل منها قبة صغيرة، وينخفض البدروم 6 درجات عن الأرض وبه 3 قاعات متسعة و4 صالات ودورات مياه وغرفتان وخالي من الزخارف وكان مخصصاً للخدم والمطابخ. .. أما الطابق الأول فيه صالة رئيسية مساحتها 6 * 10 أمتار وبها 6 أبواب تؤدي إلي قاعات القصر وأنشئت أرضيتها من الرخام،وقاعات أخري للاحتفالات الرسمية والطعام، وفي الأخيرة غرفة مستديرة وبحوائطها بانوهات إطارات وبراويز مرسومة بيد رسامين إيطاليين والسقف مزين بالزخارف الزيتية، ويوجد طمس لبعض اللوحات الأثرية بسبب الدهانات والاستخدامات الخاطئة لها قبل تسجيل القصر أثراً عندما كان القصر مقراً للاتحاد الاشتراكي ثم متحفاً صحياً.. .. وأشارت إلي أن باقي الأدوار عبارة عن حجرات للنوم واستخدامات لمعيشة أسرة السكاكيني. .. وقالت سلوي تم تسجيل القصر أثر عام 1994 وتم نزع ملكيته للحفاظ عليه كأثر له قيمته التاريخية والمعمارية.. وأكدت علي أن ورثة السكاكيني أخذوا جميع مقتنيات القصر وقت تأميمه وقبل مغادرتهم له، وحينما آلت تبعيته للمجلس الأعلي للآثار لم تكن فيه أي مقتنيات من الكريستال أو النجف أو غيرها، وتري أن هذا هو حال غالبية قصور الباشوات حيث صنعت بعض المقتنيات منها لافتقاد الأصلي منها. وقالت إن تبعية القصر لعدة جهات سابقة تسببت في فقده لزخارفه ومحتوياته، وتم عمل ترميمات بسيطة في بعض الأرضيات والكشف عن بعض الزخارف وتثبيتها في التسعينيات من القرن الماضي، وتم وضع نظام ترميم متكامل يشمل دراسة وثائقية وتحليلية لجميع عناصره ومناطق التدهور وكيفية ترميمها من خلال متخصصين في الآثار والعمارة وجميع محتويات الأثر وقالت سلوي ترميم الأثر تكنيك لابد من اتباعه لإعادة الشيء لأصله وليس تجديده واعتبرت أن سبب تأخر الترميم والاهتمام بقصر السكاكيني حتي الآن هو انشغال المجلس الأعلي للآثار بترميم آثار أخري تنتمي إلي العصور الأيوبية المملوكية وغيرها، وحالتها الإنشائية سيئة بخلاف قصر السكاكيني المتماسك الذي لا يعاني من أي انهيارات.