حقيقة تؤكدها كل المعطيات، ولا تحتاج إلي طول في الإثبات، نقولها بلا تعصب أو شيفونية، بمناسبة ذلك الصراع الدائر الآن حول اختيار المدير العام لأجل وأعظم منظمة دولية، وهي وليس غيرها منظمة التربية والعلوم والثقافة اليونسكو ذات الرسالة الإنسانسة النبيلة، التي يتنافس علي ادارتها تسعة مرشحين من أبرزهم النمساوية بيخيتا فيريرو والدنر، المدعومة من قبل الاتحاد الأوروبي، باعتبارها مفوضته للعلاقات الخارجية. والبنيني نورايني تيدجاني سيردوس المدعوم من قبل المدير العام الحالي الياباني كويتشيرو ماتسيورا أما المرشح الأشد بروزا والأوفر نصيبا - علي حد تعبير صحيفة ليموند في ترجمتها العربية - فهو مرشح العرب وأفريقيا، بل كل دول العالم الثالث، ومن قبل ومن بعد مرشح مصر التاريخ والحضارة فهو وليس غيره الفنان الوزير فاروق حسني، صاحب - كما تؤكد العديد من التحليلات غير العربية - العقلية المنظمة، والمتفتحة، والخبرة العميقة ولم لا؟ وهو وزير ثقافة مصر لمدة تقترب من ربع القرن، وصاحب الانجازات غير المسبوقة في مجال الحفاظ علي التراث والموروث التاريخي، وإظهار وجهه الحضاري وما عليك إلا الزيارة ولو قصيرة لشارع المعز لدين الله الفاطمي والقاهرة الفاطمية، فسوف تجد متحفا مفتوحا باهرا ومبهرا مضيئا ومنيرا من كل الجوانب والزوايا، بل وصاحب مبادرة تجديد المعابد اليهودية باعتبارها تراثا مصريا خالصا، ولا علاقة لها بالصهاينة، ولا بعمليات التطبيع، التي وبكل وطنية، وقومية عربية، يرفضها المواطن والوزير فاروق حسني، إلا بعد تحرير الأرض العربية وإقامة الدولة الفلسطينية، وتحقيق السلام الشامل. أما لماذا فاروق حسني؟ والإجابة قد تكون فيما سبق، ولكن نضيف مبررات أخري تؤكد أحقيته في تولي هذا المنصب السامق الجليل، وهم برنامجه الواضح، والذي يأخذ في اعتباره ما عليه وضع دول الجنوب وخاصة أفريقيا من كوارث علي جبهة التربية والعلم والثقافة، وهي الجبهة التي تشكل صلب رسالة اليونسكو، وفي قلب هذه الرسالة نشر السلام والحوار بين الثقافات، وقبول التنوع الثقافي دون استعلاء أو عنصرية، وغيرها من المهام النبيلة التي أرسي قواعدها مؤسسو اليونسكو عام 1945، ولعل ما يكشف نبل هذه الأهداف تلك المقولة التي تشكل شعار اليونسكو إذا كانت الحروب تنبت من عقول البشر، فإن السلام ينبت أيضا من هذه العقول من خلال التعليم والتعاون الثقافي والأخلاقي بين البشر. وهذا ما حرص علي تأكيده البرنامج الذي يتبناه فاروق حسني في دخول الانتخابات علي منصب المدير العام لليونسكو خلفا للياباني ماتسورا، ويأتي في مقدمة هذا البرنامج: دعم ونشر التعلم خاصة في المناطق والبلدان التي ما تزال تعاني ارتفاعًا كبيرًا في نسبة الأمية، وفي القلب منها قارة افريقيا، والعمل علي الاهتمام بتعليم المرأة باعتبارها المؤسسة الاجتماعية القادرة علي بناء أسرة قادرة علي أن تشكل خلية فعالة وقوية في بناء المجتمع، والعمل علي نشر وتفاعل الثقافات، وقيم التسامح، والتعاون بين البشر، من منطلق أنه ليس بالاقتصاد والسياسة وحدهما يتم هذا التعاون والتقارب. وإنما وفي المقام الأول بالثقافة وبالعلم والتربية يتم هذا التعاون والتقارب. إلي جانب حاجة إلي اليونسكو إلي خبرة متميزة وكفاءات قادرة النهوض بها والتغلب علي المشاكل التي عانت منها خلال العشر سنوات الأخيرة، وفي ظل إدارة الياباني ماتسورا حيث يؤكد المتابعون للمنظمة أنها أصبحت تعاني خللا واضحا في كفاءة العاملين بها، بل وتقليص العديد من المهام والوظائف الثقافية، بل وتم إلغاء المجلة العريقة الأثيرة للقلوب، وهي مجلة رسالة اليونسكو التي صدرت ولأول مرة عام 1947، وكانت تترجم لأكثر من ثلاثين لغة، كما تم تهميش دور العديد من المنظمات الاقليمية التابعة للمنظمة الأم اليونسكو، كما عمل أو سعي ماتسورا إلي هيمنة اليابان علي المنظمة بتعيين عشرات اليابانيين في المناصب المهمة داخلها، وتحت الضغوط الأمريكية قام ماتسورا بتعيين الأمريكي بيتر سميث الذي سعي فسادا في اليونسكو، من خلال مجموعة من الفاسدين المنتفعين - علي حد ما جاء في تقرير صحيفة ليموند المشار إليه - بل قام بتقليص القطاع التربوي، إلي جانب عمليات الانفاق علي فعاليات وأنشطة لا علاقة لها بالمنظمة، ولقد أدي هذا التبذير والإنفاق غير الرشيد إلي المعاناة المالية التي باتت تهدد وجود المنظمة (اليونسكو). عشرات المبررات التي دفعت وتدفع إلي اختيار مدير عام كفء شفاف وواضح، وتميز في الأداء، ومن قبل ومن بعد مرشح أمة لها تاريخ وعمق حضاري، وهو وليس غيره فاروق حسني وهذا ما يؤكده العديد من المنصفين الغربيين، قبل العرب والمصريين. ولكن كل هذا لا يعني ضمان فوز فاروق حسني بالمنصب الجليل والرفيع كمدير عام لمنظمة التربية والعلوم والثقافة، اليونسكو لا لعيب فيه، أو لعدم توافر الصفات والخصائص المطلوب توافرها لشغل هذا المنصب، وإنما لحملات التشوية والهجوم العنيف من قبل المحافظين الجدد، والتقليديين في المنظمة واللوبي الصهيوني المسيطر والمهيمن علي الاعلام العربي، ومن قبل ومن بعد بفعل محاولات الهيمنة والسيطرة علي اليونسكو من قبل الغرب الاستعماري، وفي القلب أمريكا، فبعد هيمنتها علي كل المنظمات الدولية من أمم متحدة ومجلس أمن وغيرهما، تحاول أيضا الهيمنة علي اليونسكو، عن طريق المرشح الذي يخدم أمريكا والغرب الاستعماري، ومن قبل ومن بعد الصهاينة، ويتم الدفع به لإدارة هذه المنظمة تحت الترغيب أحيانا والترهيب أحيانا أخري لمن لهم حق التصويت لاختيار المدير العام الجديد لمنظمة اليونسكو. ومما يزيد من عمليات الضغط تلك المراوغة وعدم وضوح مواقف العديد من الدول الأوروبية، خاصة تلك التي نتوسم فيها خيرًا، ونعتبرها من الدول الصديقة، ومع ذلك ما تزال مواقفها غائمة بل ومتميعة. غير أن المخزي والمحزن هو أنه إذا كان متوقعا من أمثال هذه القوي الاستعمارية والصهيونية مهاجمة مرشح العرب وأفريقيا ونعني به فاروق حسني، نقول: إنه من المحزن والمخزي أن يأتي هذا الموقف المضاد من الداخل المصري والعربي، أو بتعبير أدق، من قلة في هذا الداخل، معقولة أن يحدث هذا تجاه مرشح مصر بكل تاريخها وحضارتها؟!! أن يحدث هذا تجاه مصري ابن هذا الوطن؟!! وممن؟ من المحسوبين علينا زورا وبهتانا من أدعياء الثقافة أو الجذوع الخاوية!! علي أي حال نقول: إن فاروق حسني هو بهذا المنصب أجدر وأحق، وندعو العلي القدير في هذا الشهر الفضيل أن يحالفه التوفيق لتولي هذا المنصب الرفيع، ابن مصر التاريخ والحضارة التي هي قبل وبعد اليونسكو، بل وكل المنظمات مهما ارتفع قدرها ومكانتها. وعلينا بعد ذلك القراءة الجيدة لتوجهات العالم في عصر ما بعد الحداثة.