لا شك أن الحوار دائما لا يكون علي نار هادئة، سواء أكان هذا الحوار دينياً ثقافياً سياسياً اجتماعياً رياضياً، وأيضا الأسري وغيره، هناك أعداء للحوار لا يؤمنون بالتسامح أو احترام الرأي الآخر، فالا تسامح هو ظاهرة موجودة في قطاع عريض من البشر، في كل مكان وزمان، هذه الظاهرة لها مظاهرها، تلك المظاهر يرصدها الباحث الإيطالي مايكل أنجلو ياكوبوتشي رئيس المجلس التنفيذي للاتحاد اللاتيني، وصاحب المؤلفات العديدة وثيقة الصلة بالعلاقات الدولية، وذلك في مؤلفه الذي يحمل عنوان أعداء الحوار أسباب اللا تسامح ومظاهره، والذي ترجمه إلي العربية الدكتور عبدالفتاح حسن المدرس بكلية الألسن، وصدر عن دار شرقيات للطباعة والنشر، ويقع في حوالي 560 صفحة من الحجم الكبير. يرصد المؤلف ظاهرة اللا تسامح الديني داخل الأديان الإبراهيمية الثلاثة اليهودية المسيحية الإسلام، ثم ينتقل إلي ظاهرة اللا تسامح الثقافي وحرب الثقافات، ثم ينتقل إلي اللا تسامح السياسي، واليقين المستمد من القائد، وأخيرا اللا تسامح المذهبي، واليقين المستمد من العقل. في مقدمة الكتاب يقول المترجم: يأتي هذاالكتاب في وقت اختلطت فيه الأوراق، وتلاشي الخيط الدقيق بين الإرهاب المجرم الذي يسفك دماء الأبرياء، والمقاومة المشروعة دفاعا عن العقيدة، والهوية، والأرض والوجود. أما المؤلف فنلمس في مقدمته الخوف من المستقبل إذ يقول: ينبغي القول للأطفال بأن البشر يختلفون فيما بينهم، وينبغي أن نشرح لهم جيدا في أي شيء يختلفون، ولماذا؟ لكي نظهر لهم فيما بعد أن تلك الاختلافات من الممكن أن تكون أحد مصادر الثراء. وحول عنوان فضيلتان غير مؤكدتين يقول المؤلف: التسامح هو القاسم المشترك الأدني للتعايش، وإذا كان التسامح لا يكون تساهلا أوارضاء للذات، فلا يجب أن يتم أيضا الخلط بينه وبين اللامبالاة، إذا كان قبولنا لشيء ما سببه أنه لا يمسنا من قريب أو بعيد، ولا يخلق لنا مشاكل، ذلك لا يمكن أن نسميه تسامحا، التسامح لا يعني علي الاطلاق الاستغناء عن اليقين الشخصي الراسخ، بل فقط الاستغناء عن ترسيخه بوسائل مغايرة لوسائل الاقناع، وهو ما أطلق عليه أحد المؤرخين تحمل رضائي. مثال لذلك علي الجانب الديني ما قامت به الكنيسة الكاثوليكية، بعد مرور ثلاثمائة عام علي حكم الموت الصادر بحق الفيلسوف جوردانو برونو، بأنها اقترفت ذنبا، وأن الحكم الصادر ضده مبالغ فيه، وأن عدم موافقة الكنيسة علي ما قام به كان يجب أن يكون أقل قسوة من الحكم الصادر في حقه، فهذا الفيلسوف الذي واتته الجرأة بأن يقول إن الكون يحتوي علي عوالم أخري مشابهة لعالمنا، ومازلوا يتهمونه بالهرطقة، كان من المفروض أن تقوم الكنيسة بإعادة تأهيله بشيء من الرحمة، باعتبار ما قاله سلوكاً غير مستنير. ويذكر المؤلف مثالاً آخر علي الجانب السياسي فيقول: تجربة التعايش السلمي بين الايديولوجيات المتعاقبة في الشرق والغرب في السنوات العشر ما بين 1969 1979 والتي تعرف بالانفتاح جعلت مواقف الجانبين غير متواءمة، والجيوش وقفت هنا وهناك علي أهبة الاستعداد، وظلت الصواريخ ذات الرءوس النووية عابرة القوات في وضع الإطلاق، مستعدة لإبادة الخصم من علي وجه الأرض، وربما تدمير العالم بأسره، كان هذا شيئاً مخالفاً للانفتاح العقلي أوالتفاهم المتبادل، ومع ذلك كانت هناك مسودة تسامح، فمع انخفاض لهجة الحديث عن دمار العالم والصراع بين الخير والشر، تمت الموافقة علي بعض مبادرات التعاون الفني في مجال الفضاء، فضلا عن مشروع دبلوماسي يهدف إلي تقرير ديناميكية الصدام من خلال إجراءات طوارئ شملت تشغيل الهاتف الأحمر بين البيت الأبيض والكرملين، وبالتالي تم احتواء الأزمة. إذا التسامح يعني بإيجاز الحد الأدني من التعايش. وللحديث بقية.