ربما كانت هناك أسباب شخصية تزيد من حدة الصراع السياسي الدائر الآن في إيران، مثل ثأر رافسنجاني البايت من أحمدي نجاد الذي فاز عليه من قبل في انتخابات الرئاسة، أو مثل الخلافات القديمة التي لا ينساها المرشد الأعلي خامنئي مع موسوي حينما كان رئيساً لوزارته وهو رئيس للجمهورية أيام الخوميني، أو حتي مثل رغبة خاتمي في الانتقام من المحافظين الذين أذاقوه المرارة حينما كان رئيساً للجمهورية وحاصروه ومنعوه من ممارسة كل صلاحياته وسلطاته. ولكن هذه الأسباب الشخصية رغم أهميتها ليست هي سبب اندلاع هذا الصراع السياسي الدائر الآن في إيران.. قد تكون بمثابة التوابل التي تعطي هذا الصراع مذاقاً حريفاً غير أن أسباب الصراع أكبر وأشمل منها، لأنه صراع بين منهجين في التفكير في إدارة شئون حكم إيران، وإدارة علاقاتها السياسية، وإن كان جميع الفرقاء محافظين أو إصلاحيين.. لا يفرطون في احتفاظ إيران بنفوذ إقليمي قوي، وبالتالي برنامج نووي متقدم ومتطور. وهو صراع أيضا علي السلطة السياسية... المرشد الأعلي وابنه ونجاد يريدون إقصاء رموز الإصلاحيين تماماً من الساحة السياسية.. وهؤلاء يريدون أن يكون لهم نصيب مناسب في هذه السلطة.. وكلاهما وهذا هو المهم يريد ذلك للمحافظة علي مصالحه الاقتصادية.. فليست السلطة السياسية هي هدف كل فريق فقط، ولكنه النفوذ الاقتصادي والمصالح الاقتصادية أيضا.. ولعل هذا ما يضفي علي هذا الصراع الدائر في إيران حدة أكثر وعنفاً أوسع.. بل ربما كان هذا الصراع السياسي هو في الأساس صراعاً اقتصادياً.. كل فريق يريد أن يحظي بنصيب من الكعكة الاقتصادية الكبيرة في إيران، بسبب مواردها النفطية التي منحتها خلال الأربع سنوات الماضية موارد مالية ضخمة، وأيضا بسبب سياسات الخصخصة والتحول الاقتصادي، التي صارت مصدراً مهماً لتكوين ومراكمة الثروات في إيران الآن. نعم.. لقد حاول المرشد الأعلي خامنئي والرئيس نجاد وكل مناصريهما تصوير الصراع الدائر في إيران الآن علي أنه صراع بين أنصار الفقراء البسطاء الذين يقولون إنهم يمثلونهم، وبين الأغنياء الفاسدين الذين حققوا ثروات فاحشة وحرموا الفقراء من أبسط حقوقهم في مستوي آدمي للحياة.. لكن يبدو أن تلك الدعاية كانت ضرورة لكي يهزموا الإصلاحيين ويتمكنوا من إقصائهم سياسياً.. لأن الفقراء لم يستفيدوا خلال فترة رئاسة نجاد الأولي، بل علي العكس تعرضوا لضغوط كبيرة وحادة، حينما تزايد عدد العاطلين ونسبة البطالة في إيران، وارتفع معدل التضخم فيها أيضا، وحدث ذلك في ظل تمتع إيران بعائدات بترولية ضخمة خلال السنوات الأخيرة. لقد انتهج نجاد سواء خلال فترته الرئاسية الأولي أو خلال المعركة الانتخابية لفترة رئاسته الثانية -القاعدة السياسية التي تقول: تحدث باسم الفقراء واعمل لمصلحة الأغنياء، وهي القاعدة التي يستخدمها بعض السياسيين للاستيلاء علي أصوات الفقراء ومناصريهم في الانتخابات بالعالم الثالث بعد التغرير بهم وخداعهم، علي غرار القاعدة التي كان يعمل بها المحافظون الجدد في أمريكا والتي تقول: استخدم القيم لتبرير كل شيء قبيح تقوم به! ولذلك أفرط نجاد في الحديث عن الفقراء كثيراً حتي يضمن أصواتهم في الانتخابات الأخيرة، مستثمراً حكاوي عديدة لفساد بعض الملالي وأبنائهم وتجار البازار الذين شكلوا تحالفاً في إيران منذ بداية الثورة الإيرانية، وحصدوا ثروات ضخمة. وفي الوقت ذاته كان نجاد يعمل في اتجاه آخر مغاير.. اتجاه خلق فئة اجتماعية أخري تواجه فئة الملالي ورجال الأعمال تجار البازار .. وكان رجال الحرس الثوري هم عماد وأساس هذه الفئة الجديدة، الذين رأوا أنهم أحق بالثروة من الملالي والتجار وأبنائهم، لأنهم الذين يدافعون عن النظام وعن المرشد الأعلي.. وقد استفاد هؤلاء كثيراً خلال حكم نجاد، وصار الحرس الثوري يستأثر بقطاعات ضخمة وحيوية من الأعمال والاقتصاد.. حتي السوق السوداء يديرها رجال الحرس الثوري.. كما ظفروا بنسبة لا بأس بها من أسهم الشركات التي تمت خصخصتها. ولذلك.. لن يهدأ هذا الصراع في إيران حتي لو هادن رافسنجاني خامنئي بعض الوقت.